الوقت- أعادني مشهد الملك السعودي تحت قبّة البرلمان المصري، بالأمس، إلى عهد الرئيس أنور السادات، وتحديداً الكملة التي ألقاها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أمام البرلمان ليتحدث فيها عن توقيع معاهدة كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978.
كارتر أكّد حينها أن معاهدة "كامب ديفيد" ستخدم القضية الفلسطينية، مشدّداً على أن السلام سيسود العالم بأكمله، إلا أن تجربة السنوات الـ38 سنة الماضية تميط اللثام عن واقع فلسطيني مزري في ظل وضع "القضية" على الرفّ العربي، كما أن السلام الذي أنبأنا به كارتر نعيشه اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن تحت رحمة "داعش" وأخواتها.
اليوم، كذلك تحدّث الملك السعودي خلال كلمته أمام البرلمان المصري، على ضرورة توحيد الرؤى والمواقف العربية لمواجهة التحديات الجسيمة التي تواجه البلدان العربية. كما شدد على ضرورة وجود أوطان عربية وإسلامية متماسكة لتوحيد المواقف في الحرب على الإرهاب فكريا وإعلاميا وعسكريا وثقافيا. أسئلة عدّة تطرح نفسها تعليقاً على الزيارة السعودية بشكل عام، وهذا الخطاب تحديداً، عن أي رؤى يتحدّث الملك سلمان؟ وأيُ إرهاب يريد أن يحاربه؟
تكشف الزيارة السعودية والحفاوة المصرية بالملك والوفد المرافق الذي وقّع على أكثر من 20 إتفاقية الأهمية المتبادلة لكلا البلدين بالنسبة للطرف الآخر. تدرك السعودية أهمية مصر على الصعيدين العربي والإسلامي، كما أن بلد الـ90 مليون ذو الأيدي العاملة الرخيصة يشكّل أهمية كبرى للرياض. ومن الأسباب الآخرى التي تدفع بالسعودية نحو مصر هي وقوع هذا البلد بين قارتي آسيا وأفريقياً وإستحواذه على قناة النيل، وجود الأزهر الشريف الذي يعد أبرز الأقطاب الإسلامية، الدور المصري الفاعل في القضيّة الفلسطينية وكذلك قدرة القاهرة في التأثير على دمشق وصنعاء.
تدرك مصر جيّداً أهميتها بالنسبة للسعودية وحاجة الآخيرة لها، لاسيّما في الأوضاع العربية الراهنة، لذلك تتماشى بعض الشيء مع الرياض بغية تأمين الدعم المالي والإقتصادي المصري الهش، ولا يتوانى السيسي عن تقديم الوعود التي تتبخر شيئاً فشيئاً على شاكلة "مسافة السكّة" التي أطلقها في العام 2014 عقب دعم دول مجلس التعاون للقاهرة بمليارات الدولارات، فهل يرضى السيسي بمشاركة جيشه في اليمن؟ هل سيتماشى مع الموقف السعودي في سوريا؟
ترسم هذه الزيارة التي حظيت بزخم إعلامي وسياسي كبيرين يداً سعوديةً عليا على القرار المصري حيث تريد الرياض أن تكون قبلة القاهرة السياسية، إلا أن كافّة الوعود التي أطلقها السيسي تبقى حبراً على ورق ريثما نشاهد تطورات جديدة في القرار السياسي المصري، وتثبت السنوات المئة على حكم "آل سعود" في دولتهم الثالثة أن العلاقة مع مصر، إما كانت متأزمة ووصلت إلى حد الحرب المباشرة في اليمن، أم أن السعودية إستحوذت على القرار المصري عبر الدعم الإقتصادي، لذلك تسعى الرياض اليوم لإستثمار وزن مصر الإقليمي في تحقيق أهدافها السياسيّة، وهنا لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: تحاول السعودية دعم الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي بإعتبار أن أي رئيس آخر قد يكون حجر عثرة امام المشاريع الإقليمية السعودية، إلا أن تجربة الـ10 مليارات السابقة التي حظيت عليها مصر في عهد السيسي، وكذلك تسريبات وزارة الدفاع في عهده التي أظهرت تهكّمه للرياض، إضافةً إلى كافّة الوعود "الإعلامية" التي أطلقها عقب الزيارة التي قام بها الأمير السعودي محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، تؤكد أن السيسي سيكون في حلّ من كافّة العهود التي أطلقها أمام الملك سلمان.
ثانياً: تسعى مصر لتحسين علاقاتها مع كافّة دول المنطقة بإستثناء تركيا بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، لذلك من المسلّم أن السعودية تعد في مقدّمة هذه الدول خاصّة أن مصر تحتاج إلى دعم الرياض الإقتصاديً.
ثالثاً: تبقى هذه الوعود إعلامية ريثماً نرى تغيّراً ميدانياً وهو ما يعتبره العديد من الخبراء أمراً مستبعداً لاسيّما في سوريا واليمن. رغم ذلك تسعى السعودية لجذب مصر نحوها وذلك في إطار الرسائل الإقليمية والدولية التي تبعث بها الرياض تحت عنوان "في المنطقة الأمر لي".
رابعاً: يقول المثل العربي"عند الشدائد تعرف الإخوان"، ومصر، كما السعودية، تدرك جيداً أن العلاقة مع الرياض ليست في هذا الإطار فأين كانت القاهرة في عاصفة الحزم؟ أين القاهرة من التحالف الإسلامي؟
في الخلاصة، تسعى الرياض اليوم لإيجاد واقع سياسي إقليمي يحاكي الواقع الديني الذي غيّب دور الأزهر لصالح الوهابية. بعبارة آخرى، ما تسعى إليه الرياض اليوم يكمن في الإمساك بزمام الأمور السياسيّة في القاهرة، إلا أن الأخيرة تنظر إليها بعين إقتصادية لا أكثر.