الوقت- إستحوذت المضائق والجزر في "البحر الأحمر" على أهمية كبرى في إستراتيجية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث إتخذ منها نقطة تهديد وتوازن رعب جوهري أفضى إلى إصداره قوانين حول تنظيم الملاحة البحرية عبر هذه المضائق تطبيقاً لـ"سياسة الخنق الإستراتيجي".
اليوم، تعود قضية هذه الجزر وفي مقدّمتها جزيرتا "تيران وصنافير" إلى الواجهة من جديدة، وذلك في إطار الزيارة التي يقوم بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى مصر حيث وقّع الجانبان، المصري ممثلاً شريف إسماعيل رئيس الوزراء والسعودي ممثلاً بولي ولي العهد "محمد بن سلمان"، على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. لازلت تفاصيل الإتفاقية تتسم بالغموض بعد أن تمّ التوصل إليه بسرية خلال اجتماعات "مجلس التنسيق المصري ــ السعودي"، إلا أن هذا الغموض ينقشع شيئاً فشيئاً مع "التوصّل إلى الاتفاق النهائي للنزاع الحدودي بين الدولتين وهو ما يسمى بترسيم الحدود البحرية، حيث تم الاتفاق علي جزيرتي تيران وصنافير بالتوقيع من الجانب المصري أنهما خاضعتين لملكية المملكة العربية السعودية".
جزيرتا تيران وصنافير
تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد 6 كم عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كم². وكانت الجزيرة نقطة للتجارة بين الهند وشرق أوروبا، وكان بها محطة بيزنطية لجبي الجمارك للبضائع. أما جزيرة صنافير فتقع بجوار جزيرة تيران من ناحية الشرق، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كم². وتصنع الجزيرتان ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، الأول منها يقع بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وهو أقرب إلى ساحل سيناء، وهو الأصلح للملاحة، ويبلغ عمقه 290 مترًا، ويسمى ممر "إنتربرايز"، والثاني يقع أيضًا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، ولكن أقرب إلى الجزيرة، ويسمى ممر "جرافتون"، ويبلغ عمقه 73 مترًا فقط، في حين يقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، ويبلغ عمقه 16 مترًا فقط.
خلاف قديم
تعد ملكية الجزيرتين موضع خلاف قديم بين مصر والسعودية، ففي حين تؤكد القاهرة أن الجزيرتين مصريتين منذ الدولة الفرعونية، تعتبر السعودية أن الجزيرتنن تاريخيًّا تابعتين لمنطقة تبوك، حيث قام الملك السعودي الراحل فيصل آل سعود بتأجيرهما لمصر لغرض استعمالهما في الحرب واعتبارهما قواعد عسكرية مصرية قبيل حرب 1967 ولمنع السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات، وقامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران".
يكشف السير التاريخي لهذه المناطق البحرية سيطرة مصر على أراضيها، وبصرف النظر عن الحلافات حول مدى قانونية ملكية السعودية في الأساس لهذه الجزر، لأن بعضها أقرب إلى السواحل المصرية، تؤكد معاهدة ترسيم الحدود الشرقية لمصر بين مصر والدولة العثمانية الموقعة في العام 1906، أنه وفق المعاهدة يبدأ تحديد الحدود بخط من ساحل البحر المتوسط إلي نقطة على خليج العقبة تقع شرق طابا وغرب إيلات الحالية ما يعني ملكة مصر لهذه الجزر.
وفي العام 1954 أبرقت مصر برسالة إلى الأمم المتحدة تؤكد ملكيتها لجزيرتي تيران وصنافير، موضحةً أن الجزيرتين كانتا في الجانب المصري عند توقيع اتفاقية 1906، وأنه من الثابت من خلال الوثائق أنه كانت هناك قوات مصرية فيها في الحرب العالمية الثانية.
استمر الخلاف بين مصر والسعودية على الجزيرتين، حيث تطالب الرياض بإستعادة الجزيرتين؛ كونهما تقعان في مياهها الإقليمية، فيما حين تؤكد مصر أنهما تقعان في مياهها الإقليمية وقريبتان من حدود سيناء، رغم أنه بعد حرب أكتوبر عام 1973، وضعت معاهدة "كامب ديفيد" في العام 1978 الجزيرتين ضمن المنطقة “ج” المدنية، التي لا يحق لمصر بتواجد عسكري فيها مطلقًا، لكن ذلك لا ينفي أنها تمارس سيادتها على هاتين الجزيرتين.
أهمية إستراتيجية
تكمن الأهمية الإستراتيجية لهذ الجزر كونها تتحكم فى حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة، حيث تقعان عند مصب الخليج، وبصرف النظر عن الأهمية الإقتصادية لها حيث تتميز الجزيرتان بالشعاب المرجانية العائمة وصفاء مائها وجمال تشكيلاتها المرجانية، وهو ما يجعلها مقصدًا لمحبي رياضات الغوص ولهما برامج سياحية باليخوت مع شرم الشيخ حيث تُنظَّم رحلات بحرية بانتظام خلال الموسم السياحي، فضلاً عن مخزونها الجيّد من النفط والغاز، يعد دخول السيادة الحدودية ومقدرات الشعب المصري إلى الغرف المغلقة خظراً داهماً على مصر الذي يسعى السيسي لبيعها تارةً بالتنازل عن الجزر للسعودية مقابل عقودة إقتصادية ببضع المليارات، وآخر "ببلاش" للكيان الإسرائيلي في حقول الغاز المتوسطيّة.
تساؤلات عدة شغلت بال الشعب المصري بالأمس حيث وجدوا في الإتفاقية "صك" تنازل عن جزء نيّر من تاريخ الرئيس جمال عبد الناصر، فـ"ماذا تبقى بعد التفريط في حقوق مصر في الغاز الطبيعي في حقول شرق المتوسط؟ ماذا تبقى بعد التفريط في حقوق مصر في مياه النيل؟"، تتساءل أوساط مصرية.
الإتفاقية تنتظر موافقة البرلمان الذي سيزوره الملك السعودي غد الأحد في سابقة هي الأولى من نوعها، عندها يمكن للرئيس إصدار قرار يعتبر هذه الإتفاقية سارية المفعول، قرار يؤكد بيع السيسي للسيادة المصرية ودماء الجنود المصريين الذين أُريقت دمائهم على تراب هذه الجزر. بإختصار، فعل السيسي ما لم يفعله مبارك حيث لم يتم التوصل إلى إتفاق مع السعودية حول الجزر في العام 2005، إلا أن الجواب النهائي لهذا العدوان، وفق أوساط مصرية، ينتظره الشعب المصري غداً في أروقة البرلمان.