الوقت- تحبس المملكة انفاسها وكذلك أمريكا، فالملك الذي يحكم السعودية منذ عام 2005، تابع جميع وكالات الأنباء في العالم أخبار مرضه الشديد للانفراد بخبر وفاته المنتظر، وجميع المؤشرات الأولية التي تسربت إلى وسائل الإعلام تؤكد أن الوضع الصحي للملك عبدالله بات حرجاً, فدخوله المستشفى في وقت مبكر من صباح الأربعاء ، دون إعلان مسبق، يعد مؤشراً على دخوله المستشفى في حالة إسعافية خطرة نوعا ما، لكن بالتوازي مع ذلك تجري استعدادات احتياطية لترتيب البيت السعودي وتجنب الوقوع في الفراغ او الصراع على الحكم كما حصل في الآونة الأخيرة خلف الكواليس.
تعتبر أمريكا السعودية حليفا استراتيجيا، وتشعر الأولى بالقلق من تدهور صحة الملك السعودي، واحتمالات انفجار صراع السلطة بين ابناء واحفاد عبد العزيز آل سعود، وعندما نطالع الأحداث الأخيرة التي جرت داخل البلاط السعودي، بادئ ذي بدء نرى أن جميع المؤشرات تؤكد التحضير لمرحلة ما بعد الملك عبد الله فالوضع الصحي للملك لم يعد يؤهله للاستمرار بقيادة المملكة, ووفاة الأميرين سلطان- ونايف شكلت نكسة كبيرة لجهود وراثة الحكم التراتبية ,وكذلك الوضع الصحي لولي العهد الحالي الأمير سلمان77عامآ لا يؤهله أيضا لقيادة المملكة، لذلك نرى أنه في خضام هذه التحضيرات برز إلى السطح حجم الصراع على كرسي الحكم بين أفراد آل سعود على مختلف اجيالهم.
لا ريب في أن مرحلة ما بعد الملك عبد الله من أصعب المراحل على المملكة منذ استلام عبد العزيز الى يومنا هذا، فالمملكة تعاني من الصراع على الكرسي داخلياً، وتعيش في ظل مجموعة من التهديدات خارجياً. سعودياً يعكس هذا الصراع الفوضى التي تحصل في الداخل, فالاقتصاد السعودي سيتأثر كثيراً بالمرحلة المقبلة خاصةً أنه مجرد الإعلان عن دخول الملك عبد الله إلى المشفى يوم الأربعاء هبطت سوق الأسهم السعودية بنسبة تجاوزت حاجز5%مما يعكس حجم القلق بسوق الاقتصاد السعودي من مرحلة ما بعد الملك عبد الله ,أما شعبياً ينعكس صراع أركان العائلة المالكة على كرسي الحكم على السعوديين بشكل واسع، فالبعض يؤيد استمرار سلمان،والآخر يؤيد محمد وهناك من يؤيد مقرن، وذاك يؤيد متعب والائحة تطول, ولا يخفى على أحد أن الكثيرين يدعون الى تجربة ديمقراطية، مما ينذر بفوضى غير مسبوقة قد تعيشها المملكة بمرحلة ما بعد عبدالله .
دولياً, تواجه السعودية تحديات عظيمة تقض مضاجع القائمين على السياسة الخارجية في المملكة، فالوضع البحريني المضطرب, والجار اليمني، والوضع في سوريا مروراً بالعراق وصولاً الى مصر وليبيا, وكذلك تهديدات تنظيم "داعش" الارهابي بالتوسع نحو "آل سلول"، وحرب النفط التي تشترك بها المملكة مع واشنطن بهدف إخضاع "روسيا وايران" للشروط الأمريكية والسعودية، اسباب تعدّدت لكنها تصب في خانة واحدة ترهق كاهل ) الحكم السعودي في عهد عبدلله فكيف بعده!!
اذاً، جاء مرض الملك عبد الله في وقت حرج بالنسبة للسعودية التي تواجه خطر تنظيم “داعش” الارهابي الذي هدد باقتحام المملكة، وتشير تقارير عدة الى أن شعبية "داعش" بين الشباب السعودي والدعاة الوهابيين ناهزت ال 92 بالمئة. كذلك تواجه المملكة خطر أخر لا يقل اهمية عن سابقه، المتمثل بالانهيار الذي حدث لاسعار النفط بعد رفض الحكومة السعودية تخفيض الانتاج (9.6 مليون برميل يوميا)، لذلك فان موت عبد لله سيرفع سعر النفط لسابق عهده أولاً لأن تضارب المصالح بين آل سعود لن يسمح ببقاء سعر النفط على حاله، كما أن موقف السعودية سيضعف أمام بعض دول الخليج الفارسي المتضررة من سياسة الرياض، وثانياً ان خوف النظام القائم في السعودية من استغلال داعش فترة انتقال الحكم للسيطرة على البلاد، سيساهم في تعزيز دعمه لقوات التحالف في القضاء على التنظيم الارهابي، وبالتالي لا بد له من تغطيات نفقات الحرب على داعش التي تجاوزت المليار في أقل من أربعة أشهر، و النفط هو المورد الوحيد لتغطية هذه النفقات. باختصار ان مرض الملك عبدالله جعل الرياض بين مطرقة داعش وسندان النفط.
عندما نراجع التاريخ العربي سنجد أنه تم تأجيل إعلان وفاة الكثير من الحكام حتى ترتب أمريكا الأوضاع داخل بلادهم بما يتناسب مع مصالحها، فقد حدث ذلك بعد وفاة الملك حسين ملك الأردن، وغيره، لذلك بينما ينتظر عالمنا اليوم خبر وفاة ملك السعودية الذي أجرى بالفترة الماضية عمليات جراحية متعددة، كما ظهر بأنبوب أوكسجين يخرج من أنفه خلال استقباله للرئيس الأمريكي باراك أوباما، في شهر آذار من هذا العام، من المؤكد أن إعلان وفاته لن يتم إلا بعد الاستشارة واشنطن لتحديد ما يجب أن تكون عليه أوضاع المملكة وفق الرؤية الأمريكية، ولو عدنا قليلا الى الوراء وتحديداً في شهر آذار الذي زار فيه الرئيس الأمريكي الرياض، نرى أن هيئة البيعة عقدت اجتماعاً خاصاً بال سعود، كان هدفه الوصول إلى تسوية ما لترتيب مرحلة ما بعد الملك عبد الله، وقد تقرر آنذاك وبمصادقة من الملك عبد الله نفسه على تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز “أحد أبرز الأمراء لتولي دفة الحكم في منصب مستحدث وهو نائب ولي العهد، وقد أثار هذا صراعا داخليا كبيرا بين أفراد العائلة الحاكمة.
نظرياً سيكون خليفةَ العاهل السعودي أخوه غير الشقيق ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز، البالغ من العمر ثمانية وسبعين عاما، فهو الذي يحرص على رئاسة مجلس الوزراء والقيام بجولات خارجية اخرها الصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا، وكذلك الابتعاد ) كليا عن الادلاء بأي آراء قوية في الشؤون العربية والدولية حتى لا تتأثر فرصه بتولي العرش بأي شكل من الاشكال، ولكن عملياً في مرض سلمان، ثمة خشية من المنافسات الداخلية المحتدمة داخل أسرة آل سعود، خصوصا مع بروز أسماء من الجيل الثالث تسعى إلى تغيير المنهج الدائر في البلاد وتحجيم سيطرة المشايخ ورجال الدين على سياسة المملكة، فالأمير متعب ابن الملك عبد الله يطمح الى تولي دفة الحكم بعد والده، كما أن الأمير محمد أبن نايف المدعوم امريكيا هو الآخر يطمح أيضا وبقوة إلى قيادة دفة الحكم هناك , وكذلك نائب ولي العهد الأمير مقرن الذي يقرأ الأمور بعكس رؤية محمد بن نايف، يطمح لاستلام دفة الحكم وبناء مسار جديد للسياسة الخارجية السعودية. اذاً من المؤكد أن مرحلة ما بعد الملك عبد الله بن عبد العزيز هي مرحلة صعبة ومضطربة لأن تضارب الرؤى والمصالح سينعكس في المستقبل الجديد ناراً وشناراً على مصير المملكة.