الوقت- يعيش العالم هذه الايام فرحة أعياد ميلاد سيدنا المسيح بن مريم عليهما السلام بكل سرور وبهجة وفرحة ومرح، فيما أبناء شعوب الشرق الأوسط من المسيحيين والمسلمين والايزديين وغيرهم يعيشون الهلاك والظلم والعنف والقسوة والارهاب التكفيري الذي هو وليد مخطط راعي العالم المسيحي وكبيرهم الذي علمهم السحر الشيطان الأكبر أمريكا وبدعم مخططات الغدة السرطانية المحتل الاسرائيلي وبترودولار خليجي وفتنة اقليمية تركية – عربية .
فمنذ أكثر من قرن مضى يحل "بابا نويل"، ذلك الرجل الطيب السمين ذو الرداء الأحمر المطعّم بالفرو، ضيفاً عزيزاً على الأطفال بلحيته الطويلة البيضاء، حاملاً على ظهره زكيبة الهدايا (كيس الهدايا)؛ حتى صار أيقونة عالمية تكتسح الحدود السياسية والعوائق الثقافية وترسخ مكانها بثبات في وجدان الأطفال الذين ينتظرونه قريباً.
وقد استغلت القوى السلطوية الكبرى ظاهرة "بابا نويل" بمظاهره اللطيفة ونواياه الطيبة في مجمل تحقيق أهدافها المشؤومة في الكثير من بلدان العالم خاصة في الدول الافريقية وحولتها الى حقول لتجاربها الطبية والعسكرية عبر زكيبة هدايا عيد الميلاد حيث شواهد كثيرة وطويلة بهذا الشأن ومنها فيروس "الايدز" الذي فتك بشعوب افريقيا والعالم منذ عقود فيما "ايبولا" هو هدية عيد ميلاد البشرية في بداية العام 2014 .
وفيما العالم المسيحي الغربي والامريكي يعيش أفراحه بذكرى أعياد الميلاد وتملأ الزينة شوارعه ومدنه وبيوته، تعيش شعوب بلدان المنطقة من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر واليمن والبحرين من مسيحيين ومسلمين ماسي كبيرة وعميقة وأنهار تسيل فيها دماء الابرياء وشوارعها تتناثر فيها قطع الاشلاء للكبار والصغار بدلاً من شجرة العيد وزينة رأس السنة الميلادية ، يجلس عند اشجارها قاطعي الرؤوس وذباحي الأنفس وسالبي الأعراض والنواميس بدلاً من جلوس "بابا نويل" يحمل على ظهره زكيبة هداياه، فيدخل الحزن والخوف والفزع في نفوس الصغار والكبار وتتعالى أصوات البكاء والنحيب والصرخات والشجون من النساء والأطفال الرجال خوفاً على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم بدلاً من أن نسمع اصوات الهلاهل والتصفيق والبهجة والسرور كما هو في اوروبا وغيرها .
فيستيقض الطفل المسلم والمسيحي في صبيحة يوم الميلاد بمنطقتنا التي يعبث بها الارهاب التكفيري الذي صنعته يد الخبث والحقد والدمار الصهيواميركية وباعتراف "هيلاري كلينتون" وزيرة الخارجية الامريكية السابقة في كتابها "الخيارات الصعبة" (Hard Choices ) تعترف فيه بأن "الادارة الاميركية هي من أسس ما سمي "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام – داعش، بهدف تقسيم الدول العربية ومنطقة الشرق الاوسط عموما"؛ ليرى بأم عينه رأس أبيه أو أمه أو أخته أو أخية أو جاره أو قريبه معلقاً على عمود الكهرباء أو على شجرة باب البيت أو المتنزه بدلا من أن يرى بلدية ميدنته تقوم زرع الأحواض الملونة على الطرق الى جانب الأزهار الحمراء، التي ترمز للمحبة والوئام، لاستقبال العام الجديد، كما تفعل ذلك بلديات المدن الغربية.
بالأمس أمتلأت وسائل الاعلام العربية والغربية صوراً مختلفة لـ"بابا نويل" وهو يرمي "الحجارة" خلال تظاهرة مناهضة للجدار الفاصل الإسرائيلي في بلدة بيلين قرب رام الله، واخرى لشاب فلسطيني ارتدى الزي ذاته وهو يرمي "قنابل الغاز" على قوات الاحتلال الاسرائيلي في القدس المحتلة، وثالثة لاشتباك عشرات المحتجين الفلسطينيين بعضهم يرتدي زي "بابا نويل" مع قوات الأمن الاسرائيلية عند نقطة تفتيش بيت لحم، ليؤكد أن "بابا نويل" لم يأتِ هذا العام الى فلسطين المحتلة وعموم الشرق الاوسط وهو يحمل زكيبة (كيس) الهدايا بل يحمل معه سلاح المقاومة والصمود والتحدي ويدفع بالطفل الفلسطيني نحو مقارعة الاحتلال وتطهير التراب المقدس من دنس الصهاينة وهو يصرخ قائلا: " أنا قادم يا أطفال فلسطين.. أين حجارتكم والمولوتوف ؟!" .
صورة تحمل كل معاني المقاومة والتضحية والإباء والصمود لشعب لا يرضى بغير تحرير أرضه وعودته الى دياره المغتصبة المحتلة وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس وقبلته الأقصى الشريف مهما كلفه ذلك ثمناً وتضحيات لينعم بالسلام والحرية، وان يحتفل العام المقبل في أجواء من الحرية والاستقرار بعيداً عن كل أنواع عدوان المحتل الغاصب وترقد أطفاله بنعيم في ظل يقضة الضمير العربي والاسلامي والعالم الذي يتشدق بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ويتباكى بين الحين والآخر على مقتل الحيوان فيما يحصد أرواح آلاف البشر بأسلحته الفتاكة وسياسته التدميرية التدخلية الاحتلالية .
وقد انتظرت شعوب الشرق الأوسط تلك التي يعصف بها الارهاب التكفيري - الغربي- الاقليمي- الخليجي من كل حدب وصوب عسى أن تسمع من رأس العالم المسيحي وقداسته كلمات تشفي غليلها وهو يدعو أتباعه من قادة البلدان السلطوية الى لجم جماح "وحش داعش" والحد من دعمه وفتح ابواب حدودها له، خاصة مسيحيي العراق وسوريا ولبنان الذين أملوا كثيراً بخطبة عيد الميلاد لقداسة البابا "فرنسيس" لكنهم لم يسمعوا منه إلا جملات قصيرة لا تعبر سوى عن قلقه على وضع المسيحيين في الشرق الأوسط بقوله: إن "الوضع المأساوي الذي يعيشه أخوتنا المسيحيون في العراق وسوريا بالإضافة إلى الإيزيديين والمنتمين الى الجماعات العرقية والدينية الأخرى، يتطلب اتخاذ موقف واضح وشجاع من قبل جميع المسؤولين الدينيين كي يشجبوا - بالاجماع وبشكل لا لُبس فيه - جرائم من هذا النوع وينددوا بالتذرع بالدين لتبريرها"!!.
ولم يصرح قداسة البابا بوضوح في كلمته الى تنظيم "داعش" الارهابي ولا ندري ما المانع من وراء ذلك، حيث تحدث بشكل مبطن عن "إحدى المنظمات الإرهابية الناشئة حديثاً والتي تبعث على قلق حجمه يفوق أي تصور، وتمارس شتى أنواع الانتهاكات وممارسات لا تليق بالإنسان، وتضرب بشكل خاص بعضا منكم الذين طردتم بطريقة وحشيّة من أراضيكم حيث يوجد المسيحيّون منذ عصر الرسل"!!.
فهاهو العالم يعاني اليوم من تصاعد ظاهرة التطرف والجماعات العنفـية، ومن أولويّة الأمن فـي المجتمعات، فيما تُهمّش مسألة "العدالة الاجتماعية" والحاجة للعدل بين الناس، بغض النظر عن لونهم وعرقهم ودينهم. ولم تعد لقضية حق الانسان فـي لقمة العيش والعمل والأمن والاستقرار والتعايش السلمي معنىً في قواميس القادة والقوى الكبرى وأفعالهم وأهتماماتهم .
ومع بدء كل عام جديد، يتجدّد عند الأفراد والشعوب الأمل بتغييرٍ فـي حياتهم وظروفهم نحو الأفضل، دون إدراك أن "الزمن" وحده لا يُغّير الحال، وبأن سياسة "حسيبك للزمن" ربّما تنجح عاطفـياً، لكنّها لا تُغيّر عملياً من الواقع شيئا. وربما يحدث العكس، حيث يؤدي تراكم السلبيات مع مرور الزمن الى مضاعفة المشاكل والأزمات. وأن الناس هم المسؤولون أولاً وأخيراً عن حصاد كل عامهم، وستكون كل سنة هي استمرارٌ لما قبلها ما لم تتدخل الإرادة الانسانية الفردية وتصبح قوة جماعية كبيرة تقف بوجه التحديات الارهابية والمخططات التأمرية والاستعمارية كل يوم بحلة جديدة وتتعاون الشعوب المستقلة فيما بينها لبناء مستقبلٍ أفضل ويعم الفرح والسرور أرجاء المعمورة بدلا من الحزن والمأسي .
" إني أبشركم بفرحٍ عظيم يعمّ الشعب كلّه: لقد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّصٌ هو مسيح الرّب" - إنجيل لوقا، 2/ 10-11.