الوقت- لم يكن موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس الأخير حول معارضته للعمل المقاوم أمراً مستغرباً، بل يأتي في خضام السياسة المتّبعة من قبل السلطة في مدينة رام الله، خلافاً لمواقف الفصائل المقاومة التي تواصل "إنتفاضة القدس" للتصدي للاحتلال والاستيطان.
لم يقف عباس هذه المرّة أمام الفصائل الفلسطينية فحسب، بل أكّد أنه "لن يقبل ولن يسمح بتطور ما وصفه الهبة الشعبية الحالية المستمرة منذ مطلع أكتوبر الماضي إلى انتفاضة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي "لأنها لا تصلح وتعود علينا فقط بالدمار".
كلام عباس كان واضحاً من خلال إصراره على الوقوف أمام الهبّة الشعبية، ما يعني إستعدائه شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، خاصة أنه يعيش اليوم في ظل الخلافات الداخلية (داخل منظمة التحرير) من ناحية، والخلافات مع المقاومة الفلسطينية من ناحية آخرى.
من شاهد عباس أيقن أن المتحدث ليس برجل فضلاً عن كونه رئيساً، فقد صبّ جام "نوحه" على الشعب الفلسطيني قائلاً "النضال في القتال العسكري لا نقبله ولا نسمح به لأننا نحن جربناه فدمرت البلد ولم نحصل على شيء منه بل بالعكس فإن (إسرائيل) كسبت عطف العالم.. لا أريد أن أقاتل ولا يوجد لدينا قوة للقتال بل نريد العيش بأمن واستقرار"، بدل أن يصب جام عضبه على حكومة نتيناهو التي تمعن بالقتل والإستيطان دون رقيب أو حسيب.
لم يقتصر كلام رئيس السلطة على "نوح النساء" بل شابه الكثير من الضبابية التي لم أفهمها، فمن هي الأطياف الإسرائيلية المقتنعة "بالحق الفلسطيني في إطار النضال السياسي"، لماذا لا نشاهدها على الأرض، ألم يكفي عباس عقداً ونيّف من الهدنة السياسية التي لم تؤمن لشعبه أبسط سبل الحياة الكريمة حتى يقتنع بسبيل المقاومة.
كان حريّ بعباس أن يصوّب سهامه هذه المرّة على الكيان الإسرائيلي وحاخاماته الذين يدنسون أرض الأقصى، وجنوده الذين ينفّذون الإعدامات الميدانية بدماء باردة، فواقع الضفّة المحرّمة على السلاح، برعاية السلطة نفسها، يؤكد أن تجربة السنوات السبعين الماضية أثبتت ما أعلنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر " ما أخذ بالقوّة لا يسترد إلا بالقوّة"، وهذا ما دفع بشبان وشابات القدس لإستخدام السكاكين بغية إسترداد حقّهم والدفاع عن أنفسهم.
كان حري برئيس السطلة الفلسطينية أن يتفاخر بأبطال الإنتفاضة كـ"أشرقت قطناني" وكل شريف قدّم دمائه دفاعاً عن الضفة التي يعيش في عباس، بدل أن يتفاخر بأن "فلسطين أكثر دولة تستضيف رؤساء وزعماء وأكثر دولة يستقبل رئيسها دعوات لزيارتها".
كان حريّ بعباس أن يتطرّق إلى سياسات الحكومة الإسرائيلية التي تنكرت لكل الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، بدل أن ينقد شبّان وشابات إنتفاضة الأقصى التي بدأت منذ مطلع شهر تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي. أين عباس من "التصفيات والإعدامات الميدانية"، أين السلطة من مصادرة الأراضي وبناء وتوسيع الاستعمار الاستيطاني والاعتداءات اليومية على المسجد الأقصى، أين محمود عباس من سياسة هدم البيوت واحتجاز جثامين الشهداء في إطار العقوبات الجماعية وسياسة "التطهير العرقي" وزيادة الحواجز العسكرية التي تقطع الأراضي المحتلة؟
إن كلام عباس يعد أكبر خيانة للدماء التي سالت على أراضي القدس المحتلة، في وقت يتوجّب على كل فلسطيني "احتضان وصون هذه التضحيات التي يقدمها أبناء الشعب الفلسطيني وأسراه وجرحاه من اجل الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال وضمان حق عودة اللاجئين وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس"، وفق ما ترى الفصائل الفسطينية المقاومة.
لا يمكن فصل موقف عباس عن الموقف السعودي الأخير من المقاومة عموماً وحزب الله على وجه الخصوص، بل هناك سعي من بعض الأعراب لحرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، والتعاون مع الكيان الإسرائيلي لضرب المقاومة في عقر دارها اللبناني والفلسطيني. ولكن مالذي يضمن لعباس أن لا تعود السلطات الإسرائيلية لإحتلال كامل الأراضي الفسطينية؟ ربّما سيهدّد بوقف التنسيق الأمني الذي غدا أضحوكة لنتنياهو قبل الفلسطينيين أنفسهم.
لم نعول في يومن الأيام على المواقف الرسمية، فلطالما كانت للشعوب الكلمة الفصل التي ننتظرها في "يوم الأرض" الذي إقتربت ذكراه، هذا اليوم سيكون يوم "غضب شعبي ضد الاحتلال ومستوطنيه" وليعي عباس مجدّداً أن "ما أخذ بالقوّة لا يسترد إلا بالقوّة".