الوقت - مما لا شك فيه أن الأسلحة البيولوجية تشكل خطراً على البشرية جمعاء كغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وتكمن خطورتها في صعوبة السيطرة على تأثيرها ومنع إنتشارها وأمتدادها إلى أعماق كبيرة.
السلاح البيولوجي أو السلاح الجرثومي هو نتاج عملية استزراع واستخدام لبعض من الكائنات الحية الدقيقة التي تعرف بالميكروبات، ويعرف ما ينتج عنها بالإفرازات السامة؛ وذلك لأجل إحداث القتل الجماعي أو المرض لمن يتعرض لها من البشر أو الحيوان على حد سواء، كما تستهدف كافة الثروات من النباتات أو المحاصيل الزراعية أو حتى الثروات المائية، ويمتلك الكيان الصهيوني باع طويل في انتاج واستخدام الأسلحة البيولوجية.
بداية التسليح البيولوجي و خطة بن غوريون
لم يتردد بن غوريون لحظة في استعمال الجراثيم و الميكروبات ضد العرب حتى قبل إنشاء الدولة، وقصة ذلك يرويها بكل وضوح الدكتور افنر كوهين، باحث أول في مركز الدراسات الدولية و الأمن في جامعة ماريلاند، وهو أيضا مؤلف كتاب "إسرائيل و القنبلة"، ويروي كوهين أن بن غوريون بدأ قبل إعلان الدولة بجمع العلماء اليهود الألمان، و بعضهم عمل مع النازيين، من اجل إنشاء وحدة في إسرائيل للحرب الجرثومية. و كان هدفه واضحا، إذ كتب لأحد عملاء الوكالة اليهودية في أوروبا يأمره بالبحث عن علماء يهود لكي "يزيدوا قدرتنا على القتل الجماعي".
أحد هؤلاء العلماء اليهود هو افراهام ماركوس كلينبيرج الذي كان متخصصا في الأوبئة في الجيش الروسي، و الثاني هو الألماني ايرنست دافيد بيرجمان، و الثالث و الرابع هما الأخوان اهارون و افرايم كاتاشالاسكي، ولكي تتضح الصورة لا بد لنا من عرض "غيض من فيض" الجرائم البيولوجية الاسرائيلية.
تسميم عكا
هذه جريمة كشف عنها النقاب من واقع ملفات الصليب الأحمر في جنيف التي أصبحت متاحة للباحثين الآن. بعد سقوط حيفا في 22/4/1948، تدفق آلاف المهاجرين من حيفا إلى عكا، و ازدحمت بسكانها ، و كانت لا تزال تحت الحماية البريطانية. وفي الأسبوع الأول من مايو، بدأت القوات الصهيونية بمحاصرة المدينة، ثم أطلقت عليها وابلا من قنابل المورتر، و كانت مياه الشرب تصل إلى المدينة من قناة تأتي من القرى الشمالية قرب كابري التي تبعد 10 كم عن عكا، و تعرف في بعض مواقعها بقناة الباشا. و تعترض طريق القناة إلى عكا مستعمرات صهيونية، شرقي و غربي المزرعة التي تبعد حوالي 6 كم عن عكا. و في نقطة ما عند القناة، حقن الصهاينة المياه بجرثومة التيفود، وسرعان ما انتشرت حمى التيفود بين الأهالي و الجنود البريطانيين.
عملية غزة
لقد تم لإسرائيل ما تريد من بث جرثومة التيفود، إذ أخليت المدينة و هجرها معظم أهلها، و لم يتمكنوا من العودة إليها، تماما كما كان الهدف الإسرائيلي من تلويث المياه. و بعد هذا النجاح، لجأت إسرائيل بعد أسبوع واحد إلى تطبيق نفس الخطة في غزة. ففي يوم 22/5/1948 قبضت القوات المصرية على 2 يهود متلبسين بمحاولة تلويث مياه غزة.
و جاء في مذكرات الحرب لدافيد بن غوريون النص الآتي في 27/5/1948:
"التقطنا برقية من غزة جاء فيها انهم اعتقلوا يهوديين يحملان جراثيم الملاريا و اصدروا تعليمات بعدم شرب الماء". وهذا الوصف الموجز لا يفي بالغرض ، وهذه صفة كتابات بن غوريون الذي يعي المسؤولية التاريخية فيما يكتب. لكن تفاصيل البرقية وخلفيتها جاءت بشكل أوسع في كتاب يروحام كوهين "في وضح النهار وظلام الليل" ، تل أبيب ، 1969 بالعبري ص 66-68.
و بعد التحقيق مع المجرمَيْن، اعدما بعد ثلاثة شهور من القبض عليهما. و في 22/7/1948، قدمت الهيئة العربية العليا إلى هيئة الأمم المتحدة تقريرا مطولا من13 صفحة، يتهم اليهود بالتخطيط و التنفيذ وإقامة المختبرات لحرب الإبادة ضد العرب باستعمال الجراثيم والبكتريا "وهو سلاح غير إنساني". كما يتهم التقرير إسرائيل بنشر الكوليرا في مصر في خريف 1947 و في سوريا في فبراير 1948 . وقد نشر هذا التقرير الصحافي الأمريكي توماس هاملتون، الذي حاز جوائز عدة لتحقيقاته الصحفية، في نيويورك تايمز في 24/7/1948.
نشر الكوليرا في مصر و سوريا
كتب البروفيسور سيث كاروس بحثا مطولا في اكثر من 220 صفحة عن "الإرهاب البيولوجي و استعمالاته منذ عام 1900" ، و نشره - مركز الحد من انتشار الأسلحة - في جامعة الدفاع الوطنية بواشنطن عام 2001. و جاء فيه تحت عنوان "الإرهابيون الصهاينة" ذكر واقعة تسميم مياه عكا و غزة. و ذكر أيضاً أن راشيل كاتزمان أخت دافيد هورين ، الذي اعتقل في غزة سألت الضابط المسؤول عن أخيها، لماذا سممتم المياه؟ قال لها "هذه هي الأسلحة المتوفرة لدينا" .
كما ذكر كاروس أن الصحافة العالمية اهتمت بانتشار وباء الكوليرا في مصر، و نشرت التايمز اللندنية أول خبر عن ذلك في 26/9/1947،. وما إن جاء شهر يناير 1948 ، حتى بلغت الوفيات 10,262 شخص من الوباء. و انتشر الوباء أيضا و لكن على نطاق اصغر في سوريا في 21/12/1947. وقد ضربت السلطات السورية حصارا صحيا على القرى المتضررة و منعت الدخول إليها إلا للطواقم الصحية و المياه و الأغذية المعتمدة و لذلك توفى 18 شخصا فقط من اصل 44 إصابة.
و ذكر البروفيسور كاروس أيضا أن هذه المعلومات عن مصر و سوريا قدمتها الهيئة العليا في تقريرها السابق ذكره، و ذكرت جريدة الاورينت الصادرة في بيروت أن شرطة دمشق قد قبضت على عدد من الصهاينة الذين نشروا الوباء في سوريا لإحباط خطة الإعداد لجيش الإنقاذ ليدخل فلسطين .
الحروب الاخيرة:
لم يقتصر الاستخدام الاسرئيلي للسلاح البيولوجي على تركيز دعائم الكيان الصهيوني، بل لا زال يستخدم هذه الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين العزل الى يومنا هذا، وفضلاً عن استخدامها في الحروب مع لبنان وآخرها العام 2006، استخدم الكيان الصهيوني في حروب غزة 2008،2011،2014 الفوسفور الأبيض(سلاح بيولوجي المحرم دولياً).
الخلاصة:
التاريخ الإسرائيلي مليء بالجرائم، وأخبثها استعمال أسلحة الإبادة الجماعية، فهكذا هم الصهاينة يقتلون الناس ويستخدمون أخطر أنواع الأسلحة في وجه كل من يخلفهم، لكن يبقى السؤال أين القانون الدولي الذي يكفل حق الحماية للمدنين حالة السلم فضلاً عن الحرب، وبالتالي يجبر الكيان الصهيوني على احترام المواثيق والقوانين والأعترافات الدولة؟