الوقت- بعد تضييق الخناق على الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا من قبل الجيش السوري لاسيما في مدينة حلب شمال البلاد، سارع الارهابيون الى الهرب الى داخل الاراضي التركية. ووفق المعلومات العسكرية المتوفرة فإن وحدات من الجيش السوري تمكنت من احراز تقدم كبير في محوري البريج وحندرات في شمال حلب وهي في طريقها الى احكام سيطرتهاالكاملة على طريق "الکاستیللو" الاستراتيجي ، ما يعني ان القبضة قد تشددت على الارهابين في هذه المدينة ولم يبق أمامهم سوى القتل أو الأسر او التفكير بالهروب الى تركيا .
وفي سياق متصل ذكرت صحيفة الوطن السورية نقلا عن مصادر أمنية أن إرهابيين من تنظيم داعش أقدموا على الاعتداء على آبار مياه الشرب في منطقة الدوارة شمال شرق مدينة تدمر وخربوا معدات الضخ إضافة لسرقة بعض التجهيزات الفنية للآبار .
وبالانتقال إلى جنوب البلاد، قضى الجيش السوري على أعداد كبيرة من الإرهابيين التابعين لتنظيم "جبهة النصرة" وغيره من التنظيمات الإرهابية التكفيرية في بلدة عتمان ومدينة الشيخ مسكين ومنطقة درعا البلد وبصرى الشام في محافظة درعا وريفها، كما أوقع قتلى في صفوف "النصرة" في بلدة مسحرة شرق مركز مدينة القنيطرة، بحسب ما ذكرت وكالة السورية للأنباء "سانا ".
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يفكر الارهابيون في كل مرة بالهرب الى تركيا كلما ضاقت بهم السبل في مواجة القوات السورية خصوصاً في شمال البلاد رغم ادعاء انقرة بأنها تحارب الارهاب ولا تأوي الارهابيين .
للاجابة عن هذا السؤال لابد من القول بأن تركيا تبذل قصارى جهدها لدعم الجماعات التكفيرية و الارهابية في سوريا بحجة السعي لاسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد وهذا الامر بات معروفاً للقاصي والداني ، وهو ما كشفته مراراً تصریحات كبار المسؤولين الاتراك والتي اكدوا فيها استعداد حكومتهم للتدخل البري في سوریا. كما لایمکن لترکیا ان تنفي بأنها ممر لعبور الارهابیین من کافة مناطق العالم الی داخل الاراضي السوریة لأن هناك تصریحات سابقة صادرة عن مسؤولیها تؤکد هذا الامر، کما ان منع ترکیا للاکراد الذین ارادوا الوصول الی المناطق التي تتعرض لهجوم من قبل داعش مثل مدینة کوباني السوریة یظهر بأن هناك تنسیق بین أنقرة وداعش لایمکن انکاره .
كما یجب أن لا ننسى بأن داعش وباقي الجماعات الارهابیة التي تقاتل في سوریا لم تقم بأي عملیة ارهابية ضد ترکیا وقواتها وأراضیها، فکیف یرید الاتراك ان يصدقهم الآخرون في ادعائهم بأنهم ضد هذه الجماعات في حین هناك الكثير من التقاریر الامنية والاعلامیة الغربیة التي تؤكد ان قادة هذه الجماعات یستخدمون الاراضي الترکیة للتنقل وان غرف التنسیق والعملیات التابعة للارهابیین هي في ترکیا التي تحتضن ایضا لقاءات وجلسات قادة الجماعات الارهابیة هذه .
وفي تناقض صارخ مع مبدأ حسن الجوار دأبت الحكومة التركية منذ بدء الأزمة في سورية على القيام بشكل منهجي بكل ما من شأنه ضرب الاستقرار في هذا البلد وتهديد سيادته ووحدة وسلامة اراضيه حيث قامت بتوفير كل أشكال الدعم السياسي والعسكري واللوجستي للتنظيمات الإرهابية المسلحة وإيواء هذه التنظيمات وتدريبها وتمويلها وتسليحها وتسهيل مرور الإرهابيين الذين ينتمون إلى أكثر من 80 دولة إلى سورية ما جعل من تركيا قاعدة أساسية للإرهاب الذي يضرب المنطقة ويهدد أمنها واستقرارها . وما المؤامرة التي تكشفت في عين العرب إلا دليل فاضح على العلاقة الوثيقة القائمة بين أنقرة وتنظيم "داعش " الإرهابي .
وشكلت المحاولات التركية المتكررة لإقامة منطقة عازلة على الأرضي السورية أو ما سمته لاحقا منطقة آمنة انتهاكاً سافراً لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة ولقواعد القانون الدولي التي توجب احترام السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما تشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وضرورة تجفيف منابعه ما يتطلب من المجتمع الدولي لاسيما مجلس الأمن التحرك السريع لوضع حد لهذه الانتهاكات التي تشكل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي .
ویحاول تنظیم "داعش " الآن ایجاد اوضاع مأساویة في العديد من مدن وقرى شمال سوريا کي تأتي ترکیا وتقوم بلعب دور المنقذ وترسل جیشها الی هذا البلد وتهاجمه في حین ان فتح الطریق امام الاکراد ودعمهم بالسلاح کان کفیلا بمنع داعش من التقدم في المناطق الکردیة ومنها کوباني ، وان التدخل العسکري البري الترکي وایجاد منطقة حظر الطیران في سوریا لیس مبررا علی الاطلاق، ولکن کما قلنا ان لأنقرة اهداف اخری من التدخل في سوریا واهمها اسقاط نظام الاسد .
ولكن علی المسؤولین الاتراك ان یعلموا جيداً بأن الأزمة التي تعیشها سوریا والعراق واجزاء من لبنان ستنتقل بالتأکید الی ترکیا في حال تدخلت عسکریا في سوریا لأن هناك أرضیة مناسبة لامتدادها الی داخل أراضيها بسبب النسیج الاجتماعي للشعب الترکي .
وعلى من یرید فعلاً القضاء علي الارهاب أن یدرك جيداً بأن طریق ذلك هو ان یتم بید شعوب ودول المنطقة بمساعدة وتعاون القوی الاقلیمیة، في حين ان التدخل الترکي في سوریا قد فاقم الأزمة وعليها الحذر بأن الارهاب سیعبر الی اراضيها عاجلاً أو آجلاً شاءت أم أبت .
ولابد من القول بأن دعم الإرهاب وتنظيماته من قبل تركيا وغيرها هو الذي أدى إلى إطالة الأزمة في سورية وإلى الخسائر البشرية المعروفة وإلى الدمار الذي لحق بها وإلى تشريد آلاف العائلات السورية خارج مدنها وقراها .
ولابد ايضاً من الاشارة هنا الى ان الاحتجاجات الشعبية ضد الجماعات الارهابية المسلحة التي تتسلل الى سوريا وتدعمها انقرة قد تصاعدت في تركيا في الآونة الاخيرة ، وحصلت عدة اشتباكات بين قوات الأمن التركية والمحتجين خصوصا في المناطق المحاذية للحدود السورية حيث يطالب المحتجون المسؤولين الاتراك بوقف الدعم لهذه الجماعات المتطرفة لتجنيب البلاد من خطر انتقال الارهاب الى اراضيها ووقف آثاره المدمرة التي تعاني منها المنطقة والعالم برمته منذ امد طويل .