الوقت- اصبح من المؤكد للدوائر الغربية بشكل عام وامريكا بشكل خاص ان الثورة الاسلامية التي انتصرت في ايران عام 1979، هي اكبر تهديد للمصالح الاستكبارية وغير المشروعة للغرب وامريكا في المنطقة، لما تحمله من فكر تحرري بعيد كل بعد عن الطائفية، يعتمد مبادىء الاسلام المحمدي الاصيل سلاحا لاستنهاض همم الشعوب الاسلامية التي لاقت الامرين على يد الانظمة الدكتاتورية التي تكتم على انفاسها وعلى يد الغرب الذي كان يدعم بكل ما اوتيه من قوة هذه الانظمة الاستبدادية، فكان لابد من الوقوف في وجه انتشار الافكار التحررية لهذه الثورة بأي وسيلة كانت.
ولما كان الشعب الباكستاني، بحكم العلاقات التاريخية والثقافية المشتركة و بحكم وجود ثقافة سياسية اسلامية متجذرة بين ابنائه، اكثر شعوب المنطقة تاثرا بالثورة الاسلامية في ايران، حيث اعلنت شخصيات باكستانية ومن مختلف المذاهب الاسلامية عن دعمها وتاييدها للثورة الاسلامية، حتى قيل ان باكستان هي البلد المرشح ان يشهد ثورة اسلامية بعد ايران، ولما كانت امريكا قد خسرت قاعدتها الاكبر في المنطقة وهي ايران بسبب الثورة الاسلامية، كان لابد من العمل على وقف موجة هذه الثورة التي انطلقت من ايران واخذت تصل الى باكستان والعديد من دول المنطقة، فكان افضل وسيلة للوقوف امام هذه الثورة وتحجيمها هو رفع سلاح "الطائفية" البغيض في وجهها.
مع بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي كانت مختبرات الاستخبارات الامريكية والباكستانية وبدعم مالي سعودي واماراتي، قد انتهت من توليد كائن طائفي ممسوخ اطلق عليه اسم "جيش الصحابة"، مهمته اشعال فتنة طائفية في المجتمع الباكستاني، حيث تم الاعلان عن الهدف الرئيسي لهذا التنظيم، الذي تحركه افكار وهابية في غاية التطرف والعنف والقسوة، وهو القضاء على جميع المسلمين الشيعة في باكستان، حيث قتل هذه التنظيم الارهابي منذ زرعه في باكستان وحتى اليوم اكثر من 4000 مواطن باكستان شيعي، عبر تفجير السيارات والعمليات الانتحارية والاغتيالات، ولم يفلت من تكفيري "جيش الصحابة" الاطفال والنساء والشيوخ، فكان هدفهم القضاء على الشيعة في باكستان وبشكل كامل.
اعلاميا رُوج ان حق نواز جهنكوي هو من اسس "جيش الصحابة" في مدينة جهنك من ولاية البنجاب، و قد قتل في عام 1987، و تولي بعده ايثار الحق قاسمي زعامة التنظيم لكنه قتل هو الآخر في عام 1988. و اصبح اعظم طارق زعيما ل"جيش الصحابة" ، وفی عام 2001 قررت الحکومة الباکستانية حظر "جيش الصحابة"، ولکنّ التنظيم استمر في مسلسل جرائم القتل والاغتيالات بعد خمسة أشهر من هذا القرار تحت عنوان جدید وباسم «ملت اسلامیه» وحصل على مبالغ طائلة من أتباعه ومؤيديه فی الخارج. وفی 15 نوفمبر عام 2003 م أعلنت الحکومة الباکستانیة عن منع نشاط هذه الجماعة أیضاً. وفی عام 2003 قتل أعظم طارق، على يد قوات الامن الباكستانية.
التمويل الرئيسي ل"جيش الصحابة" يأتي من السعودية و الاثرياء في الخليج الفارسي و في بعض الاحيان يتلقي الدعم المالي من المجموعات المتطرفة المحلية مثل "الجماعة الاسلامية" و جماعة العلماء الاسلاميين" و غيرها من الجماعات التي تشاطرهم في العقيدة.
في البداية كان "جيش الصحابة" يدعي انه يريد التصدي للاهانات التي كان يوجهها بعض المسلمين الشيعة للصحابة، ومن ثم اخذ يطالب بالتصدي لمواکب العزاء التي كانت تخرج في ذكرى استشهاد الإمام الحسین(علیه السلام) في شهر محرم الحرام. وقد طلبت مجلة "الخلافة الراشدة" التابعة ل"جيش الصحابة" مرات عدیدة طیلة سنوات صدورها من الحکومة الباکستانیة، انهاء هذه المظاهر الدینیة وازالة جمیع الحسییات والمراکز الشیعیة ومنع إقامة مراسم العزاء للإمام الحسین(علیه السلام) فی جمیع المدارس والجامعات، ومن ثم اخذ يهدد بالقضاء على المسلمين الشيعة في باكستان، وقام بتنفيذ هذا التهديد.
في اواسط عقد التسعينيات من القرن الماضي وتحديدا عام 1996 خرج من رحم "جيش الصحابة" تنظيما اكثر عنفا وتطرفا وهو "جيش جانجوي" بزعامة المتطرف رياض بصرة. وبدأ التنظيم أعماله الإرهابية عقب تأسيسه مباشرة باستهداف القيادات الشيعية والمسؤول الحكوميين. وتقول إحصائيات الشرطة أنه بحلول عام 2001 كان جيش جانجوي قد تورط في 350 حادثة اغتيال ضد قيادات شيعية وغيرها من العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء باكستان.
وينظر إلى جيش جانجوي على أنه تابع ل"جيش الصحابة" رغم نفي قيادات الاخير أية علاقة لها بجيش جانجوي، ولكن الحقائق تؤكد إن التنظيمين على اتصال دائم ، ويقيم عناصر ونشطاء "جيش جانجوي" في مقرات "جيش الصحابة" والمدارس التابعة له.
وبعد أن بدأت الحكومة الباكستانية عملياتها ضد عناصر "جيش جانجوي" في عام 1998، هرب معظم عناصره الى أفغانستان، حيث كانوا يديرون معسكرا تدريب، وهناك حدث انقسام في صفوف "جيش جانجوي" عندما وقع خلاف بين مجموعة يتزعمها قاري عبد الحي، ومجموعة يتزعمها رياض بصرة بشأن تنفيذ موجة من الاغتيال تستهدف الشيعة في باكستان، و وقعت اشتباكات دامية فيايلول / سبتمبر 2000 بين المجموعتين في كابول، أدت إلى حمام من الدماء، وتمكنت جماعة رياض بصرة من القضاء على جماعة عبد الحي.
بقي رياض بصرة يتردد على باكستان لتنفيذ جرائم ضد المسلمين الشيعية في باكستان، وكان بصرة مطلوبا خلال 12 عاما، قبل أن تقوم القوات الأمنية الباكستانية بقتله في مواجهة في إحدى مدن البنجاب عام 2002، في أكثر من 300 قضية مرتبطة بالإرهاب، وكان من بينها اغتيال شخصيات شيعية بارزة، وكان أبرز قضايا الاغتيال مقتل الدبلوماسي الإيراني صادق غانجي.
اليوم يتزعم "جيش الصحابة " ابراهيم قاسمي، الذي اخذ ينسق تنسيقا كاملا مع حركة طالبان، حيث اصدر مؤخرا بيانا بعد اغتيال طالبان قياديين من قيادي "جيش الصحابة" بسبب تجسس كلا الشخصيتين لصالح الأجهزة الأمنية الباكستانية حيث قاموا بتسريب معلومات عن مخابئ قادة طالبان. وأقر بيان قاسمي ذلك حيث وصف إثنين من أبرز شخصيات التنظيم وهما “شيخ عبد الحميد” و “مولوي جافيد” بالخائنين وأبدي سروره من خبر تصفيتهما.
قبل ايام حذرت وزارة الداخلية الباكستانية عن طريق إرسال طلب خطي إلی حكومات الولايات، بشأن محاولة داعش للتسلل إلی داخل البلاد عن طريق وزيرستان الجنوبية .
ووفقاً لهذا التقرير، اعلنت الداخلية الباكستانية إن قوات داعش تحاول الدخول إلی البلاد عن طريق مدينة "دیره غازي خان" و"سکهر"، مشيرة الى أن منطقة وزيرستان الجنوبیة اصبحت المقرالرئيسي لداعش، وقد طلبت الداخلية من حكومات الولايات زيادة الإجراءات الأمنية على الحدود لمنع المسلحين من دخول البلاد.
ويرى بعض المراقبين أن طالبان ضعفوا كثيرا بسبب العمليات العسكرية للجیش الباكستاني ضدهم ، لذلك يحاولون إعادة الاعتبار الى انفسهم من خلال السماح ل"داعش" من التمدد في مناطقهم، وفي المقابل تبحث "داعش" عن اماكن اخرى للتمدد خارج العراق وسوريا بعد الضربات التي تلقتها من قبل الجيشين العراقي والسوري.
العضو البارز في الحركة القومية المتحدة الباكستانية السید محمد واسع الجليل كشف في مؤتمر صحفي عن تجنيد داعش لباكستانيين، محذراً من أنه في حال أهملت السلطات الباكستانية هذا الأمر فإن خطر تنظیم داعش سیعم باكستان بأکملها.
ويرى المراقبون للمشهد الباكستاني ان هناك العديد من الجماعات الإرهابية في باكستان، بما في ذلك طالبان باكستان، و "جیش الصحابة"، و"لشكر جهنکوي، و "جندالله" و ... ، والبعض منها أكثر تطرفاً من طالبان وجميعها تحمل الفكر الوهابي التكفيري، يمكن ان تشكل حواضن ل"داعش" في باكستان ، بل تتحول هي الى "داعش".
هناك من يرى ان الانقسام الذي وقع في طالبان باكستان خلال العام الماضي بسبب موت حكيم الله محسود واختیار زعيم غير معروف اي الملا فضل الله زعيما لطالبان باكستان، والجدل حول مواصلة القتال ضدالجيش الباكستاني وانخفاض الموارد المالية لطالبان، قد وفرت الأرضیة لدعم المجموعات المنشقة مثل جماعة الأحرار لتنظیم "داعش".
ان العداء للجمهورية الاسلامية في ايران، ومحاولة تحجيمها، من قبل امريكا وبريطانيا والسعودية والامارات وباكستان، هو الذي دفع هذا الحلف الى تصنيع الزمر التكفيرية لخلق فتنة طائفية تحرق الاخضر واليابس، الا انه فات هؤلاء امر في غاية الاهمية وهو ان الارهاب ولم ولن يكون يوما وسيلة آمنة لتحقيق اهداف سياسية، فالعالم كله وقف على الخطاء الذي ارتكبه الحلف الصهيوامريكي العربي الرجعي في انتاج "القاعدة" وكيف ارتد ذلك عليهم وبالا، كما وقف العالم ايضا وخاصة الشعب الباكستاني على الخطا الذي ارتكبته المخابرات الباكستانية بالتحالف مع امريكا والسعودية في انتاج "جيش الصحابة" الذي اغرق باكستان في الفوضى والفتن الطائفية، واليوم يعيد هذا الحلف انتاج تنظيم اكثر تشوها ومسخا من باقي التنظيمات الاخرى وهو "داعش"، بينما العالم يشهد في المقابل على الانتصارات التي تحققها ايران ومحور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بفضل الاتكال على الله ومبادىء الاسلام الاصيل وارادة الشعوب التي عرفت من يقف وراء الفتنة الطائفية ومن يقف امامها.
منيب السائح