الوقت - يواصل قطار الجنون السعودي سيره نحو الهاوية. آخر محطات "مملكة الرمال" تمثّلت بإعلان مجلس التعاون حزب الله منظمةً إرهابية بعد أيام قليلة على إعلان القناة العاشرة الإسرائيلية زيارة وفد إسرائيلي "رفيع المستوى" للعاصمة السعودية الرياض.
يرى البعض أن المحطّة اللبنانية قد تكون الأخيرة في قطار الجنون السعودي الذي فشل في محطّات عدّة سواءً في سوريا العراق البحرين أم اليمن، في حين يرجّح آخرون أن السعودية ستكرّر تجربة الهروب إلى الأمام بعد فشلها في الساحة اللبنانية خاصّة أن الرياض فضحت نفسها ونواياها تجاه المقاومة ولكن هذه المرّة بنكهة إسرائيلية مباشرة بعد أن كانت في السنوات الماضية ومنذ لقاء الملك المؤسس "عبد العزيز آل سعود" مع الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" على متن المدمرة "كوينسي" يتم الأمر بنكهة أمريكية غير مباشرة.
المحطة الجديدة المرتقبة للرياض قد تكون مصر لأسباب تبدأ بالخلاف حول موقف القاهرة من الأزمة السورية والقصف الروسي الذي باركه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولا تنتهي بمصير رئاسة الجامعة العربية التي تسعى الرياض لسحبها من مصر، وبالتالي تعزيز قدراتها، العربية بعد الخليجية في سلب القرار العربي.
عند الدخول في تفاصيل المشهد السعودي الحالي ترتسم جملة من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت بالرياض لخوض المغامرة تلو الأخرى، فلماذا سعت الرياض لإسقاط الرئيس الأسد؟ لماذا تواصل عداونها العسكري على اليمن منذ ما يقارب السنة؟ لماذا صنّفت السعودية حزب الله منظمة إرهابية؟ لماذا تُظهر علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي إلى العلن؟ ومن المستفيد من ذلك؟
رغم إختلاف جبهات الرياض العسكرية والسياسية، إلا أن أهدافها تتلخّص في نقطتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بتوسيع النفوذ السعودي بغية السيطرة على القرار العربي، وهذا ما يجعلها تنادي اليوم بعروبة جديدة أشبه ما تكون بعروبة الجاهلية لا عروبة الإسلام. وأما النقطة الثانية، فتأتي كنتيجة للنقطة الأولى، وتتمثل في رد الجميل لأمريكا التي تحمي هذا النظام، ومن هنا تسعى الرياض لتحقيق أهداف واشنطن في المنطقة والتي من جملتها الأهداف الإسرائيلية.
سورياً، حاولت السعودية كسر النظام السوري وإسقاط الرئيس الأسد رغم إدراكها المسبق أن هذا الأمر يصب في صالح الكيان الإسرائيلي، ولو فرضنا أن السعودية تهدف لحماية الشعب السوري، كما تدّعي، فلماذا لا تؤمن أي حماية للشعب الفلسطيني؟ ماذا فعلت طيلة السنوات الماضية للقضية الفلسطينية؟ ألا يعدّ اللقاء الأخير مع وفد إسرائيلي "رفيع" تنازلاً علنياً عن الشعب الفلسطيني، مما يعني جعله لقمةً سائغةً أمام آلة القتل الإسرائيلية؟
يمنياً، رغم أن الشعب اليمني من الشعوب الرئيسية في دعم فلسطين، إلا أن سعي الرياض لـ"حفظ" اليمن في فنائها الخلفي يعد السبب الرئيسي في عدوانها، وهنا نسأل: هل العروبة أن تقصف الشعب اليمني العربي بالصواريخ الأمريكية دون أن تطلق رصاصة واحدة على الكيان الإسرائيلي؟ هل العروبة أن تستغيث ببلاك ووتر من خلف البحار لقتل "شعب الإيمان والحكمة" كما وصفهم نبي الرحمة محمد (ص). نعم، إنها عروبة الجاهلية، حيث كان العرب "رحماء على الكفّار أشدّاء بينهم".
لبنانياً، وجدت السعودية في حزب الله قوّة تقطع عليها مشاريعها في المنطقة، سواءً في سوريا، العراق أم اليمن حيث قرّر الحزب رفع الصوت عالياً بسبب مظلومية الشعب اليمني، الأمر الذي دفعها بدايةً إلى وقف الهبة، الموقوفة أساساً، بغية نشر بذور الفتنة بين الجيش والحزب، إلا أن فشلها في إدخال لبنان في أتون الفتنة المذهبية دفع بها لإتخاذ خطوات إضافية كان آخرها وضع المقاومة على قائمة المنظمات الإرهابية، الخطوة التي لاقت ترحيباً وحفاوةً إسرائيليةً غير مسبوقة.
وأما عند البحث في أسباب الهمجية السعودية، فيتّضح أن الفشل تلو الفشل يقف خلف هذه الهمجية التي زادت وتيرتها مع وصول شبّان عديمي الخبرة إتخذوا من الهمجية عنواناً وحيداً للسياسة الخارجية. لم تنجح السعودية في إسقاط الرئيس الأسد، وها هي تقاتل على الحدود في عسير وجازان ونجران بعد سنة من العدوان، كما أن الأوضاع الإقتصادية الصعبة زادت من طينتها بلّة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
إن الأفعال السعودية هذه، سيّما إنتقال علاقتها مع الكيان الإسرائيلي من السر إلى العلن، تفضح العائلة الحاكمة أمام الشعوب العربية، وترسم نهاية سريعة لـ"آل سعود". والسعودية لا تعنيها فلسطين كقضية أو إستراتيجية، فالقدس بالنسبة لهؤلاء بات جزءاً من التاريخ المنسي.