الوقت- لا يخفى على كل ذي لب وبصيرة أن "داعش الارهابي" و"ايبولا الفيروسي" يشكلان ثنائية خطيرة تهدد السلم العالمي، فهكذا وكالنار في الهشيم انتشر الاسمان لينشرا معا الرعب والخراب في كل مكان، حتی ان هاتین الظاهرتین تبدلتا الی احد أهم هواجس منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي.
ظاهرتان غريبتان تسيطران على خريطة المشهد الاعلامي حار في شأنهما العالم بأسره، فلا ندري كيف تشكّل كل منهما و أصبح بهذه الخطورة، كما أن هذا "الابتلاء المزدوج" بما يشكل من خطر داهم أثبت عجز الغرب امام مثل هذه الأزمات، لا بل طرح الكثير من الشكوك حول من أوجدهما و لأي غاية!
لا يمكن تجاهل ثنائية "داعش-ايبولا" اذا اردنا ان نستشرف مستقبلنا القريب فضلاً عن مستقبل أبنائنا الأعزاء، ولأن "ما لا يدرك كله لا يدرك جلّه" لا بد رسم صورة توضيحية عن هذه الثنائية المريبة، وطرح الأسئلة التالية للاجابة عليها: هل هناك صلة بین هاتین الظاهرتین ؟ واذا کان هناك صلة فعلی اي مستوی والی اي حدود ؟
في البداية، كنظرة اولى لا يمكنك مشاهدة أي صلة بين هذين الأمرين، ولكن إذا أمعنت النظر يمكنك استقاء إشارات كثيرة حول النقاط المشتركة بين داعش وايبولا، في النشأة، في أسباب الانتشار والعدوى، وفي القدرة على عبور الحدود والتمدد، اينما وجدت البيئة الحاضنة.
أولاً: كشف موقع “جلوبال ريسيرش” الكندي أن وزارة الدفاع الأمريكية قامت بتمويل تجارب حقن البشر بفيروس الإيبولا في سيراليون وغينيا قبل أسابيع من انتشاره، ودفعت 140 مليون دولار لشركة أدوية لإجراء البحوث على الإيبولا، وأوضح الموقع أن الذي جمع بين فيروس الإيبولا والإرهاب هو نفس الشيطان الذي يخلق المعضلات الأمنية بغية تحقيق مأرب سياسية واقتصادية.
ثانياً: كأنما "ايبولا" و"داعش" شريكان، ان مکافحة مرض ايبولا الفتاك بتکالیفه الباهظة جداً یمکنه ان یؤدي الی ازدهار الشرکات الاوروبیة والأمريكية العاملة في مجال صناعة وانتاج الادویة والعقاقیر الطبیة وان تقوم هذه الشرکات بدورها بتنشیط القطاعات الاخری وهذا الامر لیس ببعید عن شرکات انتاج الاسلحة و العتاد و الاجهزة الحربیة التي توقع صفقات عسكرية بمليارات الدولارات وبالتالي تؤدي مثل هذا الدورفي الاقتصاد الغربي تحت ذريعة محاربة داعش.
ثالثاً: مشاهدة علائم مرض ایبولا في الغرب یوفرتبریراً لحكومات تلك الدول یسمح لها بزیادة وتصعید حالة التفتیش الامني في مطاراتها علی نطاق واسع، وهذا التفتیش بدوره یزید من اطمئنانها في الوقایة من تهدیدات جحافل داعش، كما يعيد الی الاذهان المبادرات والاجراءات التي اتخذتها امیرکا بعد احداث الحادي عشر من ایلول عام 2001 م ، ولكن من دون ضجة اعلامیة کالتي حدثت في عهد الجمهوریین في الفترة ما بین عام 2000 م حتی عام 2008.
رابعاً: تزامن اعلان منظمة الصحة العالمية تسجيل ظهور الـ"ايبولا" الجديد في دول غرب افريقيا في ربيع العام 2014، مع صعود "داعش" الى المشهد الاقليمي، فهل مجرد تزامن؟ ربما. لكن الاسقاطات تشجعنا على المزيد.
یبدو ان الادارة الأمريكية تحاول تحت ذریعة مکافحة الارهاب ومواجهة مرض الایبولا ان توسع مساحة نفوذها في الشرق الأوسط وافریقیا، وقد شكل انتشار فيروس الايبولا في إفريقيا فرصة جديدة لأمريكا بغية توسيع هيمنتها في القارة السمراء حيث سارعت ادارة اوباما على استغلال الأزمة الانسانية لتعزيز تواجدها العسكري من خلال إرسال آلاف الجنود الأمريكيين، كذلك كان تنظيم "داعش" الارهابي شماعة أمريكية لاعادة تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط بعد الهزائم التي تلقتها في العراق وافغانستان، وقد قال العقيد المتقاعد جيمس ريسي، الضابط السابق في قوة "دلتا" الأميركية للعمليات الخاصة، تعليقا على قرار الولايات المتحدة إرسال أربعة آلاف جندي إلى أفريقيا الغربية من أجل مواجهة خطر فيروس إيبولا، إن الدور الأميركي هناك سيتيح جلب الاستقرار وتطوير القدرات المحلية للدول التي تشهد إصابات عالية.
وعن الرابط بين المهمة الأميركية في غرب أفريقيا لمكافحة فيروس إيبولا وبين الحملات العسكرية الجوية التي تشنها واشنطن ضد تنظيم داعش قال الضابط الأمريكي السابق: "في عالم اليوم، كل الأمور مترابطة. نحن ندرك بعد سنوات من الحرب على الإرهاب والجهاد المتطرف أن هناك نشاطات إرهابية تأتي عبر أفريقيا مثل تجنيد المقاتلين وبناء قواعد تدريب."
أيهما أخطر؟
یعتبر مرض الایبولا وفق التقاریر الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية مرضاً فتاكاً یؤدي الی تعرض المصاب بنزیف داخلي وسطحي لایمکن السیطرة علیه، رغم ذلك من المؤكد أن المرض الداعشي هو الأخطر على الاطلاق ولعدة أساب أبرزها:
أولاً: لو نظرنا الى الأروح التي حصدها مرض ايبولا مقابل مرض داعش، لرجحت كفة الأخير دون أي منافسة.
ثانياً: لقد نجح العالم في مواجهة أمراض أخطر من ايبولا، الا أن خطر داعش وأمثاله لا زال يشكل معضلة حقيقة، وتنظيم القاعدة خير دليل على ذلك.
ثالثاً : ماذا لو صحت تحذيرات الخبراء الأمنيين في بريطانيا حول استخدام مقاتلي تنظيم “داعش” لوباء “إيبولا” في عمليات قتل جماعي؟
رابعاً: العلاج من ايبولا متواجد في شركات الادوية الامريكية، في حين أن علاج داعش غير ممكن الا باستئصاله واجتثاثه عن الخريطة الدولية.
ختاماً، ما أشبه "داعش" بـ"إيبولا، فكلاهما وجهان لعملةٍ أمريكية واحدة، وليس في الامر افتراء على "داعش" ، لكنه افتراء على "ايبولا" الذي لا يرقى لمنافسه الوحشي والغير قابل للحياة.