الوقت- فتح إستشهاد الوزير الفلسطيني زياد أبو عين صفحة جديدة في الصراع الفلسطيني-الصهيوني، وما هذه الجريمة الاّ استكمالا للوحشية الصهيونية التي تستهدف كل الفلسطينيين دون تمييز أو استثناء، فهذا الشعب الذي يدفع ثمن وفائه لأرضه، أثبت أنه على قدر المسؤولية التاريخية للحفاظ على فلسطين وتحريرها من قيد المحتل الغاصب.
منذ حصول فلسطين على وضعية دولة مراقبة في الأمم المتحدة آخر العام 2012، واجراءات الكيان الصهيوني لإلغاء مشروعية الدولة تتوالى، بزيادة الاستيطان بآلاف الوحدات السكنية، وتهويد القدس وتنظيم اقتحامات المستوطنين ونواب في الكنيست للمسجد الأقصى، وقتل المتظاهرين، وحجب الأموال العائدة للجانب الفلسطيني، وإفشال المفاوضات، وصولاً إلى قتل وزير في الحكومة الفلسطينية كما فعلت منذ أيام بقتل جنودها الوزير زياد أبو عين أمام كاميرات التلفزة العالمية.
مع أن قرار برلمانات كل من السويد وبريطانيا وإسبانيا وإرلندا وفرنسا الاعتراف بدولة فلسطين جرى ربطه بالتفاوض بين السلطة وإسرائيل، فإن وراء استسهال إسرائيل ارتكاب جريمة قتل أبو عين أمام الملأ، مجموعة من العوامل التي يتيحها التخاذل العربي وانشغال الأنظمة بمواجهة تنظيم"داعش" الارهابي، فالدول العربية ترى "داعش" وليس اسرائيل حسب تعبير رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو. لذلك لا يملك كيان الاحتلال سوى ممارسة المزيد من البربرية والوحشية في الرد على رمزية خطوات بعض الدول الأوروبية الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وقد يلي اغتيال الوزير الفلسطيني ذروة جديدة في العنف في الأيام التي تفصلنا عن آخر السنة، والتي ستطرح السلطة الفلسطينية خلالها مشروع قرار على مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال وفق جدول زمني لإقامة الدولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.
فلسطينياً
الشهيد الوزير قدم حياته دفاعا عن الكرامة الفلسطينية التي اذلها التنسيق الامني مع كيان الاحتلال الصهيوني، وهو التنسيق الذي وفر الحماية للاستيطان، ولاكثر من 800 الف مستوطن يتزايدون بشكل متسارع في الضفة الغربية والقدس المحتلين، وحسب صحيفة هآرتس، فإن التنسيق الأمني مصيري لمنع التدهور. فالتواصل اليومي الجاري بين جيش الكيان و"الشاباك" والأجهزة الأمنية الفلسطينية يشكل حتى اليوم احد العوائق الرئيسية أمام اندلاع الانتفاضة الثالثة في الضفة.
وضع استشهاد الوزير زياد أبو عين القيادة الفلسطينية أمام خيارات عدة في مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني وتفعيل المقاومة الشعبية كرد على جريمة الاغتيال ولا شك أن إقدام السلطة الفلسطينية على هذه الخطوات يعني الدخول في مواجهة مع الاحتلال ، وإن قيام السلطة بهذه الخطوات قد يواجه بالرد من قبل الاحتلال بوقف التنسيق المدني والاقتصادي والإجراءات على المعابر.
وهذه ليست المرة الأولى التي تلوح فيها السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني فقد هددت بذلك بعد فشل قمة كامب دايفيد بين السلطة والاحتلال عام 2000 وأعقبها انطلاق الانتفاضة الثانية. ومن الخيارات ايضا الذهاب إلى مجلس الأمن للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية،و الانضمام إلى ميثاق محكمة روما لجرائم الحرب.
القيادة الفلسطينية التي رفضت طلبا إسرائيليا لعقد اجتماع أمني تقدمت به تل أبيب أول أمس، وذلك ردا على اغتيال أبو عين، قررت تأجيل اجتماعها الذي كان مقررا يوم الجمعة إلى الأحد لبحث سبل الرد ، بسبب مساع دولية وإقليمية تبذل حاليا مع الجانبين الفلسطيني والصهيوني لتجنب التصعيد؛ حسب ما كشف مسؤول فلسطيني فضل عدم الكشف عن اسمه.
اسرائيلياً
في الجهة المقابلة، حاولت سلطات الاحتلال الصهيوني التنصل من المسؤولية عن قتل الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، فادَّعت أنَّه توفي نتيجة ازمة قلبية وهذا ما نفاه تقرير الطبيب الشرعي، فيما اتخذ جيش الاحتلال اجراءات مكثفة تحسبا لأي تصعيد. النفي الاسرائيلي لم يمنعها من العمل على احتواء تداعيات استشهاد أبو عين على خطين سياسي وعسكري.
سياسيا عمل كيان الاحتلال على احتواء أي رد فعل فلسطيني من جهة والاستعداد لهذا الرد من جهة ثانية.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي أجرى مشاورات أمنية، أشار إلى الحاجة لتهدئة الأرض والعمل بمسؤولية. وبعث برسالة عبر موفده الشخصي المحامي إسحاق مولخو إلى السلطة الفلسطينية أوضح فيها أن الكيان الصهيوني سيحقق في الحادث.
امنيا قال وزير الأمن موشيه يعالون إن الأستقرار الأمني مهم للطرفين الصهيوني والفلسطيني، مقترحا على السلطة الفلسطينية إجراء تحقيق مشترك في الحادثة، معلناً أن الكيان الصهيوني مستمر بالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
بحسب مراسل الشؤون العسكرية في القناة الأولى أمير بار شالوم فإن رسالة يعالون تعني "أن التنسيق من تحت الأرض مستمر".
أما على المستوى العسكري، فقد أجرى رئيس هيئة الأركان بني غانتس تقديراً للوضع، وأمر بتعزيز القوات في الضفة الغربية على خلفية توقع حدوث موجة من المواجهات.
إلى جانب ذلك، قام جيش الكيان بتعزيز قواته في الضفة الغربية بكتيبتي مشاة على خلفية التوتر عقب استشهاد الوزير ابو عين. تعزيز القوات في الضفة تضمن أيضاً وضع سريتين من حرس الحدود التابعة للشرطة الإسرائيلية تحت تصرف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
محلل الشؤون العسكرية في القناة العاشرة ألون بن ديفيد قال إن "قوات كبيرة من الجيش وضعت في حالة تأهب قصوى في جميع أنحاء الضفة نتيجة توقع اندلاع مواجهات".
وعلى خط مواز دعت مصادر سياسية في الكيان الصهيوني السلطة الفلسطينية إلى الامتناع عن القيام بخطوات تصعيدية، في حين أكد مصدر عسكري أن سلطات الاحتلال لم تتلق حتى الآن أي بلاغ فلسطيني رسمي بوقف التنسيق الأمني بين الجانبين. ولذلك فإن تهدئة الخواطر بحسب مراقبين مرتبط إلى حد كبير باستمرار التنسيق الأمني بين الطرفين الذي يعد بالنسبة لإسرائيل عنصراً حاسماً لمنع تدهور الأمور نحو انتفاضة ثالثة.
ما تشهده المرحلة هو انتفاضة ثالثة بمعنى الكلمة، فاستشهاد أبو عين سيكون بداية التوحد نحو إستراتيجية وطنية للمقاومة الشعبية، والمقاومة أكبر من أن يستوعبها أحد أو يحددها في نمط معين، لأنها شعبية، كما انها ستترك أثرا إيجابيا على القرار السياسي.
في الختام يخشى الكيان الصهيوني أي قرار يسمح بإعادة تنشيط المقاومة الفلسطينية فهل ستذهب السلطة في اجتماع الأحد، إلى خيارات خارج إطار التفاوض كطلب الإعتراف بدولة فلسطين من مجلس الأمن؟ وهل سيكون الرد الإسرائيلي بإجتياح جديد لمناطق الضفة كما جرى عام ألفين وإثنين ردا على ما سمي بالمبادرة العربية للسلام؟ وهل وقف التنسيق الأمني سيشعل انتفاضة ثالثة؟ الإجابات تبقى مرهونة بحكم اجتماع الأحد، وان غداً لناظره قريب.