الوقت- يعاني النظام السعودي من حالة فوضى وتخبط وأزمة داخلية صعبة يصعب تجاوزها عبر اجراء بعض التعديلات الطفيفة "لا تسمن ولاتغني من جوع"، وتشير التعديلات الوزارية الجديدة التي أصدرها المللك السعودي إلى سعي االنظام لضخ دماء جديدة في جسد الحكومة، وعناصر ذات توجهات تتماهى مع سياسة المملكة، وأهدافها خصوصاً ما يتعلق بالتحديات الأمنية التي تشهدها السعودية حالياً.
اذاً، أصدر الملك عبدالله بن عبد العزيز عدة أوامر ملكية قضت بإعفاء 6 وزراء من مناصبهم، وتعيين وزيرين جديدين في منصبين شاغرين، إضافة إلى تعيين وزير دولة.
وبحسب الأوامر الملكية، التي بثتها وكالة الأنباء السعودية في حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تم إعفاء وزراء الشؤون الإسلامية و النقل والزراعة والتعليم العالي والاتصالات وتقنية المعلومات، والشؤون الاجتماعية.
كما أصدر أمرين بتعيين وزيرين للصحة، وللثقافة والإعلام، وهما المنصبين الشاغرين منذ إعفاء الملك وزيري الصحة والإعلام في وقت سابق من هذا العام.
وبموجب الأوامر الملكية تم إعفاء صالح آل الشيخ من منصبه كوزير للشؤون الإسلامية بناءاً على طلبه، وتعيين سليمان أبا الخيل بدلا منه، وإعفاء خالد العنقري من منصبه كوزير للتعليم العالي بناءاً على طلبه، وتعيين خالد السبتي بدلا منه.
كذلك تم إعفاء محمد جميل أحمد ملا من منصبه بناءاً على طلبه وتعيين فهاد بن معتاد بن شفق الحمد وزيرا للاتصالات وتقنية المعلومات، وإعفاء يوسف العثيمين من منصبه كوزير للشؤون الاجتماعية بناءاً على طلبه، وتعيين سليمان الحميد بدلا منه.
كذلك أعفى فهد بالغنيم من منصبه كوزيرا للزراعة بناءاً على طلبه، وتم تعيين وليد الخريجي بدلا منه، كما تم إعفاء جباره الصريصري من منصبه كوزير للنقل، وتم تعيين عبد الله المقبل بدلا منه.
أيضا تصمنت الأوامر الملكية تعيين محمد آل هيازع وزيرا للصحة، وتعيين عبد العزيز الخضيري وزيرا للثقافة والإعلام بدلاً من عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة الذي أعفي بموجب أمر ملكي، وذلك غداة إغلاقه فضائية خاصة لتحريض ضد "الشيعة"،بعد يوم من هجوم الأحساء الذي استهدف الشيعة شرق المملكة.
أما ماهي الأسباب و الأهداف التي تکمن وراء هذه التغييرات؟
يعاني الداخل السعودي من ازمة اجتماعية -اقتصادية -ثقافية -سياسية، مركبة، ويشهد العديد من حالات التمرد البعيدة عن اعين الاعلام، بسبب القبضه البوليسية، ومنع الاعلام من نقل الحقيقة المره عن الداخل السعودي، حتى ان بعض حالات الاعتراض السلمي التي تظهر للاعلام في بعض المناطق الشرقية بالسعودية، يسعى هذا الاعلام الموجّه لاضفاء الطابع الطائفي عليها لتحويل الانظار عن حقيقة الازمة الاقتصادية -البوليسية -السياسية المركبة بالسعودية. اقتصادياً،تعيش بعض فئات الشعب السعودي اوضاعاً صعبة جداً في ظل تحكم نسبه لاتتعدى 8 ٪ من اصل المجتمع السعودي بكل مصادر ثروات المملكة وحركة اقتصادها ونشاطها العمراني.
داخلياً ايضاً، تحتكر الشرطه الدينية "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"حرية الشعب السعودي بحجة تطبيق الدين، وبالتالي تفتقد أغلب فئات الشعب ادنى حقوقها المعيشية وحقها في التعبير عن ارائها وامتلاك حريتها.
من جهة أخرى وعلى الصعيد الخارجي، برزت مؤخرآ مجموعة من ألاتهامات للنظام السعودي بدعم الارهاب في العالم عبر تمويل داعش وأخواتها، وقد اعتبر الكاتب البريطاني ريتشارد نورتن أن السعودية تصدر ما وصفه بالمذهب الوهابي “معتبرا إياه” أكثر المذاهب معاداة للتسامح، رابطاً بين ممارسات الحركة الوهابية في السابق وتدمير جماعة “داعش” للأضرحة في سوريا والعراق.
خارجياً أيضاً، لقد شكل التهديد الذي وجه زعيم تنظيم داعش الارهابي" أبو بكر البغدادي" بالتوسع الى بلاد الحجاز، هاجساً كبيراً لنظام ال سعود خاصةً أن السعوديين يشكلون عدداً كبيراً من هذه التنظيمات التكفيرية، فضلاً عن الأزمة الخطيرة التي تواجهها السعودية مع تنظيم القاعدة، وحالياً مع جماعة الاخوان المسلمين.
لو نظرنا الى أبعاد هذا التغيير الذي يعد الأكبر في السعودية منذ ديسمبر/كانون الأول 2011 زمان بدأ الثورات العربية، حينها أجرى الملك السعودي تعديلا وزاريا شمل وزارات الحج والتجارة والصناعة والخدمة المدنية والاقتصاد والتخطيط خوفاً من امتداد الثورات العربية الى بلاد الحجاز، نرى مدى التخبط الحاصل في الداخل السعودي حالياً والذي لا تقل حدته عن ما شهدته المملكة سابقاً. التعديل الوزراي الجديد جاء بعد يوم واحد فقط من اعلان السلطات الامنية في السعودية القاء القبض على 135 من العناصر المتهمة بأعمال ذات صلة بالإرهاب، فضلاً عن حملات أمنية سابقة أسفرت عن أعتقال العشرات من العناصر التي تواجه تهماً تتعلق بالقيام بأعمال تهدد الأمن الداخلي السعودي.
اذاً، التحديات الجسيمة تواجة النظام السعودي من كل حد وصوب، اقتصادياً، اجتماعياً، سياسياً، وأمنياً، والتعديلات الوزارية الاخيرة عبر اضافة عناصر من التكنوقراط ذات توجهات تتماهى مع سياسة آل سعود، جاءت لمعالجة الكثير من الانتقادات التي توجه لأداء الوزارات، ولرسم مسار جديد يحمل نوعاً من الاصلاح المتأخر داخل نظام الحكم السعودي بغية اعادة الأمور ولو شكلياً الى مسارها الصحيح.
في الختام، المشكلة الحقيقة في السعودية لا تكمن في وزارة هنا أو هناك، انما بالعقلية الهمجية المسيطرة على المملكة، فلا بد للنظام الحالي لو أراد الاصلاح، اضافةً الى دعم الحريات أن يعطي شعبه الأولوية من الناحية الاقتصادية وبالتالي صرف العائدات النفطية في تنمية المجتمع السعودي بدلاً من استخدامها في اضفاء روح الحياة على بعض الأنظمة العربية "الميتة"، وكذلك لا بد من التخلي عن دعم تنظيم "داعش" الارهابي لأنه سينقلب على النظام السعودي عاجلاً أم آجلاً، وتجربة القاعدة خير دليل على ذلك، باختصار لا بد للعقلاء في النظام السعودي ان يدركوا أن "السائر على غير طريق لا تزيده سرعة السير الا بعدا"، وأن التحديات التي تواجه المملكة حالياً أوجدها هذا النظام نفسه و"بناءاً على طلبه"، ولكن سننتظر الايام القادمة لتعطينا اجابات عن جدوى هذه التغييرات الوزارية!!!