الوقت - الحديث عن الوثائق والادلة المرتبطة بعلاقة الحكومة السعودية باسرائیل وموقفها من القضية الفلسطينية والقدس الشريف یعد امراً شائكاً ومعقداً لما يكتنفه من اسرار وخفايا سعى الجانبان لاخفائها على الدوام الا ان ما ظهر منها يكفي لبيان حقيقة هذه العلاقة وذلك الموقف.
وتكمن الصعوبة في هذا المضمار فی کیفية الوصول إلى جميع الوثائق التي تكشف حقيقة الفضائح الخطيرة التي يمارسها النظام السعودي ازاء الامة الاسلامية لاسيما ما يتعلق بقضية فلسطين والقدس الشريف.
وما سنعرضه من وثائق ليس سوى نماذج بسيطة لكنها كما قلنا كافية لبيان حقيقة النظام السعودي الذي يدعي الدفاع عن المسلمين وقضاياهم لكنه في الحقيقة يطعنهم في الصميم مستغلا امكاناته المادية الهائلة التي وفرها له النفط لتحقيق هذا الغرض.
فمن هذه الوثائق تلك التي رفع البيت الابيض الحظرعنها والتي تتحدث عن المحنةً المالية التي هددت حكم الملك السعودي الاسبق عبد العزيز آل سعود نتيجة الإسراف والتبذير الذي سببه حكمه الفوضوي والفردي والعشوائي وكيف تدخلت الحكومة الأمريكية التي كان يترأسها هاري ترومان آنذاك لإنقاذ هذا الحكم مقابل تعهد عبد العزيز بأن لا تشارك السعودية ابداً في أية حروب ضد إسرائيل لاستعادة فلسطين.
وفي الفترة بين عامي 1967-1973 كان هناك تفاهم واضح بين الرياض وتل ابيب تقوم الاخيرة بموجبه بالتدخل للدفاع عن الحكومة السعودية وبمساعدة اميركا طبعاً إذا حدثت تغييرات في الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط.
ورغم اعلان الرياض بأنها ليست مع اسرائيل إلا أن صانعي القرار في تل ابيب يدركون جيداً أن المملكة مؤيدة لهم وكانت المخابرات المركزية الأمريكية على علم دوماً بالاتصالات السرية السعودية - الإسرائيلية وتشجعها باستمرار.
وذكر الباحث ألكساندر بلاي من معهد ترومان في مقال نشره في مجلة "جيروزاليم كوارترلي" أنه أجرى مقابلة مع السفير الإسرائيلي الاسبق في لندن آهارون ريميز أعلمه فيها أن الملك سعود والملك فيصل كانا على علاقة حميمة مع إسرائيل وعلى اتصال وثيق معها.
وقال الجنرال الأمريكي جورج كيفان رئيس مخابرات سلاح الجو الأمريكي أثناء مؤتمر عقد في واشنطن عام 1978 لدراسة التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط: "حدثت خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة ثلاث محاولات على الأقل للإطاحة بالعرش السعودي عن طريق اغتيال الملك، ونحن على دراية بأن المخابرات الإسرائيلية تدخلت وأحبطت محاولتين منها". وأيد كلامه ثلاثة من كبار العسكريين الأمريكيين المشاركين في المؤتمر هم الجنرال آرثر كولينز نائب قائد القوات الأمريكية في أوروبا والأدميرال إلمو زومريلت قائد العمليات البحرية الأمريكية والجنرال بنجامين دافيس قائد القوات الضاربة الأمريكية.
وجاء في تقرير عن الشرق الأوسط صدر في (10/6/1978) أن راديو إسرائيل نقل عن جريدة "لوماتين" الفرنسية قولها إن وزير الحرب الإسرائيلي عايزر وايزمان التقى سراً بولي العهد السعودي الأمير فهد في إسبانيا أثناء رحلة سرية قام بها وايزمان لأوربا في تلك الفترة، وقد حضر اللقاء زبيغنيو بريزيزنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي كارتر.
كما أجرت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية (23/6/1994) مقابلة مع ضابط المخابرات الإسرائيلي سينون كشف خلالها أن ولي العهد السعودي في وقته الأمير فهد سعى لإجراء اتصالات سرية مع إسرائيل بغية الوصول إلى تفاهم بين الجانبين.
ونقلت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية الصادرة في نفس التاريخ عن السفير السعودي في واشنطن إن السعودية تضغط على منظمة التحرير الفلسطينية لإصدار بيان تعترف فيه بإسرائيل من خلال التطرق إلى قرار التقسيم الدولي رقم 181.
من جانبها ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية بتاريخ 19/11/91 إن السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان التقى مع مجموعة من زعماء الجالية اليهودية في نيويورك ووصف الحضور هذا الاجتماع بأنه عقد في جو ودي للغاية، وأكد فيه السفير السعودي أن الرياض ليست لديها تحفظات على سياسة إسرائيل في الاراضي المحتلة. وأشارت الصحيفة إلى أن اجتماعاً آخر عقد قبل ثلاثة أشهر، بين بندر وشخصية يهودية معروفة في منزل أحد السفراء العرب في واشنطن. حيث أكد بندر إنه يلتقي بالزعماء اليهود ممثلاً عن الملك فهد. وصرح رئيس المؤتمر اليهودي العالمي هنري سيغمان في أعقاب الاجتماع أن بندر وافق على لقاء مؤيدي إسرائيل علناً والاستماع إلى آرائهم.
وفي عددها الصادر يوم 92/11/2 ذكرتجريدة"الشعب المقدسية" أن الرياض استقبلت وفداً أمريكياً إسرائيلياً بسرية تامة، وقد أشرف بندر نفسه على ترتيب هذه الزيارة بعد أن حصل على ضوء أخضر من القصر الملكي ،وقد تقدم الوفد بعدة مطالب منها الضغط على الدول العربية للتعجيل بإلغاء المقاطعة مع اسرائيل وقطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين واستخدام نفوذ المملكة من أجل إطلاق سراح الطيار الإسرائيلي الاسير في لبنان رون أراد.
وكتب ألكساندر بلاي مقالاً في مجلة "جيروزاليم كوارترلي" تحدث فيه عن عمليات بيع النفط السعودي لإسرائيل، وذكر أن النفط يغادر الموانئ السعودية وما أن يصل إلى عرض البحر حتى يتم تغيير مسار ناقلة النفط وتزييف أوراقها وتحويل حمولتها إلى الموانئ الإسرائيلية. واشار بلاي ايضا في مقال نشره في"مجلة "جينز" البريطانية 21/7/1984” ان خزانات وقود طائرات إف-15 السعودية قد صنعت في إسرائيل .
وذكر الخبير العسكري سليغ هاريسون في كتاب "الحرب ذات الكثافة المحدودة: أن مصدراً رفيعاً ومسؤولاً في المخابرات المركزية الأمريكية أعلمه أن المخابرات المركزية دفعت في عام 1986 مبلغ 35 مليون دولار من الأموال السعودية لإسرائيل لشراء أسلحة ومعدات.
ومن هذه الوثائق ما كشفه مؤخراً الكاتب البريطاني ورئيس تحرير موقع هيرست بشأن العلاقة بين السعودية وإسرائيل خلال العدوان الاخير على قطاع غزة حيث أكد ان هذا العدوان جاء بتكليف ملكي سعودي، وأن هذا الأمر ليس سراً في إسرائيل، ويتحدث عنه مسؤولون سابقون وحاليون بارتياح بينهم وزير .الحرب السابق شاؤول موفاز
ومن هذه الوثائق ايضاً ما اعلنه وزير النفط السعودي علي نعيمي مؤخراً على هامش قمّة أوبك بفيينا من ان الرياض مستعدة لإمداد اسرائيل بالنفط، مضيفاً انّ بلاده لا تحمل أي عداء ضد أي "دولة" في العالم، ومن بينها "إسرائيل".
وفي احدى تصريحاته مدح إبراهام هاليفي رئيس الموساد السابق السياسة السعودية تجاه اسرئيل وذكر العديد من الأدلة التي توضح التعاون السعودي - الإسرائيلي، موكدا وجود تحاور بين مستشاري الملك عبد العزيز بن سعود وبين الزعامات الاسرائيلية. وأوضح هاليفي أن أميرين من العائلة السعودية المالكة تم علاجهما في اسرائيل خلال القرن الماضي وهم الملك فهد بن عبد العزيز والأمير منصور أول وزير دفاع للسعودية .
وأقرت إسرائيل مراراً بدور السعودية في وقف عمليات تزويد السلاح للمقاومة الفلسطينية عبر سيناء ومنها إلى قطاع غزة . وأول من كشف النقاب عن هذا الدور هو الصحافي الإسرائيلي رون بن يشاي، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت ".
ومن المؤسف ان نشير هنا الى ما اعلنه مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ والذي نقلته" صحيفة عكاظ "من "إن المظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول الإسلامية لنصرة الفلسطينيين في غزة هي مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها ولا رجاء منها .
ومنذ ثمانينات القرن الماضي، أبدت السعودية موقفًا استرضائيا تجاه إسرائيل عبر مبادرة الأمير فهد عام 1981، ومبادرة الأمير عبد الله التي أصبحت فيما بعد المبادرة العربية للتسوية عام 2002، وعرضت جميعها الاعتراف بإسرائيل مقابل دولة فلسطينية. وأخبر الإعلام عن لقاءات سرية بين مسؤولين إسرائيليين وسعوديين عامَي 2006 و2007، بهدف جعل المبادرة أكثر قبولًا على إسرائيل. وتفوّهت القيادة الإسرائيلية مؤخّرًا بالكثير من التصريحات التي تعبّر عن المصالح المشتركة بين إسرائيل والسعودية. وبين هؤلاء عاموس جلعاد، رئيس القسم السياسي - الأمني في وزارة الحرب.
والسؤال المطروح هنا هو؛ لماذا ترتبط السعودية بهذه العلاقة الحميمة مع تل ابيب؟ ولماذا لا تولي اهمية للقضية الفلسطينية والقدس الشريف. ولماذا لا تستنكر الجرائم التي ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين ؟؟
الوثائق التي اشرنا اليها تنطق بالحقيقة وهي كما سبق التنبيه تمثل فقط قمة جبل الجليد الطافي على السطح وما خفي كان أعظم، ولكنه ممنوع من النشر تحت يافطة حماية السرية .
والسعودية تبدو حائرة حيال علاقاتها مع إسرائيل. ولكن مما ذكرناه يتبين ان الأسرة الحاكمة في المملكة لا تهمها القضية الفلسطينية وباقي قضايا المسلمين وانما تهمها مصالحها ومصالح اسرائيل؛ بل يمكن القول ان بقاء احدهما بات مرتبطا ببقاء الآخر وهذا ما تخشاه الرياض كما تخشاه تل ابيب وهذا واضح وجلي اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الحقائق والادلة الدامغة التي اشرنا اليها خلال المقال.