الوقت - كما هي الحال عندما صمتت معظم وسائل الإعلام الدولية والاقليمية إزاء حصار ومعاناة سكان بلدتي "نبل والزهراء" من قبل الجماعات الإرهابية والتكفيرية علی مدی مايقارب الـ 4 أعوام الماضية، ها هو نفس هذا الإعلام يلتزم الیوم صمتاً مطبقاً تجاه الإنتصار الإستراتيجي الذي حققه الجيش العربي السوري بالتعاون مع المقاومة الإسلامية وسائر الحلفاء الإقليميين والدوليين، بعد فك حصار هاتين البلدتين. إذن لقد إنتصر سكان نبل والزهراء من خلال مقاومتهم الاسطورية، علی جميع الجماعات الإرهابية والتكفيرية المدعومة من قبل عدد من دول المنطقة والكيان الإسرائيلي، وتمكن الجيش السوري عبر خطط معقدة ومدروسة إنقاذ عشرات الآلاف من سكان بلدتي نبل والزهراء من حصار كاد أن يودي بارواحهم جميعا. إذن ما قيمة هذا الإنتصار وما هي أبعاده الإقليمية والإستراتيجية؟ لمعرفة هذه القضايا، أجری موقع الوقت حوارا مع العميد د. أمين حطيط - الخبير والباحث الإستراتيجي اللبناني في القضايا السياسية والعسكرية.
الوقت: ما هي الآفاق والآثار والتداعيات العسكرية والإستراتيجية لكسر حصار بلدتي "نبل والزهراء علی يد الجيش السوري والمقاومة الإسلامية؟
أمين حطيط: لهذا الإنتصار أبعاد ثلاثة، البعد الأول هو البعد الإنساني، فقد تمكنت هذه القوات التي فكت الحصار، أن تنهي أسر منطقة يقطنها 70 ألف مواطن سوري. هؤلاء كانوا محاصرين وقطع عنهم الدواء والغذاء وشلت حياتهم الطبيعية وكادوا يتعرضون الی الإبادة الجماعية البطيئة، لو لم تكن هنالك حكمة وحسن إدارة من قبل الأهالي في هاتين البلدتين.
والبعد الثاني يتعلق بالموضوع العسكري والميداني وفي هذا البعد نسجل أمرين: الامر الاول هو قدرة الجيش العربي السوري على تنفيذ خطة الاقتحام وخبرته العسكرية الفائقة لتنفيذ الهجوم وحسن استخدام النيران التي أسندت الهجوم في محيطٍ معادٍ. حيث تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من خنق المحيط المعادي والمحاصر للنبل والزهراء وحقق الجيش التماسا مع القوی الصامدة داخل هاتين البلدتين، في عملية عسكرية بالغة الإحتراف وبالغة الدقة، لأن استعمال النار دائما ضد العدو في جوار الصديق يمكن أن يكون خاضعا لقيود وأيضا هذا الاختراق السريع يقع في عمق أرض يسيطر علیها عدو خاضع لمحاذير أيضا. هذه المحاذير لم تثنِ القوة المقتحمة وكذلك لم تثنِ القوی المحاصرة التصرف بما يؤدي الی إنجاح المهمة.
الامر الثاني في المسألة العسكرية، هو أن القوی الإرهابية التي كانت تحاصر نبل والزهراء، كانت تراهن علی أن القوی المحاصَرة، هي قوة ضعيفة، بعد ثلاث سنوات ونصف من الحصار، لكن التجربة في الميدان أثبتت أن هذه القوی لازالت تمتلك المعنويات العالیة والإرادة الفولاذية، وتستطيع أن تقوم بعمل هجومي، وهذا سجل بالخرق الهائل الذي قامت به القوی المحاصرة، من نبل والزهراء باتجاه معركة الخان، فاحدثت ذهولا لدی الإرهابيين ووضعتهم بين كفي الكماشة، من جهة هم يقاتلون القوی التي جاءت لفك الحصار ومن جهة ثانية وجدوا أنفسهم في يد القوی المحاصرة، وتحت نيرانها وبالتالي أحدثت هذه الوقائع الكثير من الإرتباك في صفوف المسلحين مما أدی الی إستسلام أو فرار الكثير منهم نحو تركيا.
وحول البعد الإستراتيجي لهذه العمليات النوعية للجيش السوري وحلفائه التي أدت الی تحرير بلدتي نبل والزهراء، أضاف العميد أمين حطيط: وأما ما يخص البعد الإستراتيجي وهو برأينا الاخطر والأهم في هذا الموضوع، فهو يتصل مباشرة بتركيا. تركيا هي كانت صاحبة الحصار ضد بلدتي نبل والزهراء، وذلك لانها كانت تريد أن تحتفظ بورقة النبل والزهراء كورقة ضغط ليس علی الحكومة السورية فقط، بل علی إيران وحزب الله انطلاقا من مذهب السكان والحالة الديموغرافية في هذه المنطقة. حيث كانت (تركيا) تريد أن تضغط وتقايض وعندما كسر الحصار وجدت نفسها أمام وضع تخسر فيه ورقة ثمينة كانت بيدها وكانت تؤخر إستعمالها للوقت المناسب.
وأضاف قائلا: مزيدا علی ذلك في البعد الإستراتيجي أيضا أن تركيا كانت تشرف وتمسك بورقة المسلحين الذين يسيطرون علی المنطقة من حلب الی حدودها. وبالتالي عندما كانت ترفع عنوان المنطقة الآمنة أو منطقة الحظر الجوي كانت دائما تأخذ بحسابها أن منطقة حلب تكون داخل هذه المنطقة. لأنها تريد إضافتها الی لواء الإسكندرون المغتصب. وكانت تتصور أنه إن لم تستطع أن تسيطر علی كامل سوريا، فانها ستستطيع علی الأقل اقتطاع أرضٍ منها تكون تحت سيطرتها بقيادة عملاء ومرتزقة وجماعات إرهابية. وبهذه العملية ودخول القوی السورية الی عمق الأراضي السورية، لان نبل والزهراء تقع في نصف المسافة بين حلب والحدود السورية التركية، فقد منيت تركيا بخسارة إستراتيجية، وذلك بسبب أن القوات السورية بعد دخولها نبل والزهراء، فانها علی مايبدو تشعبت الی إتجاهين، إتجاه يذهب الی الحدود مع تركيا لافصال الحدود عن هذه الدولة كليا وإتجاه آخر يذهب باتجاه الجنوب لإحكام الطوق علی حلب.
وفي نهاية حديثة مع الوقت، أكد العميد أمين حطيط: علی هذا الأساس نحن نری أن البعد الإستراتيجي لهذا الإنتصار يؤدي الی إنقلاب جذري في المشهد، مما جعلنا نسمع التهديد التركي للدخول الی سوريا والتحريض السعودي الأمريكي لإعداد قوة برية تأتي الی سوريا يدعون أنها من أجل محاربة داعش، لكن في الحقيقة هم يريدون وقف الإندفاعة السورية المميزة التي تحصل في شمال حلب.