الوقت - روسيا وتركيا، خلافات سياسية ومصالح اقتصادية، هذا هو واقع الحال بين البلدين، فالعداء التاريخي بين البلدين قديم جداً، بدأً من الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية مروراً بمرحلة الحرب الباردة عندما كانت تركيا تقوم بدور الشرطي الأطلسي في مواجهة الاتحاد السوفييتي ، انتهاءاً بأزمات الشرق الأوسط وتحديداً الأزمة السورية.
يكمن السرفي تجاوز عمرالتعاون الاقتصادي بين البلدين الخمسة قرون، رغم الاختلاف في الاستراتيجيات والتناقض في السياسات، اتفاق كل من روسيا وتركيا على تنحية كل الأزمات والخلافات جانبا بهدف الحفاظ على الروابط الاقتصادية التي تجمعهما، فالأزمات السياسية والتصريحات النارية بين موسكو واسطنبول لا تؤثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
حط القيصر الروسي في انقرة لملاقاة السلطان، زيارة تهدف لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ولعلها تقرب وجهات النظر في شقها السياسي والازمة السورية تحديداً، وسريعاً ما أثمرت في بعدها الاقتصادي عبر توقيع اتفاقيات في العديد من المجالات في مقدمتها توقيع مذكرة تفاهم لزيادة القدرة التمريرية لخط أنابيب الغاز "السيل الأزرق"، اضافةً الى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما ليصل إلى مستوى 100 مليار دولار بحلول عام 2023.
روسياً،ساهمت الزيارة في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة، وأكد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أن موقف الحكومة التركية إزاء العقوبات “يفتح فرصا جديدة لزيادة التجارة الثنائية، وأضاف “نحن نقدر بشدة القرارات المستقلة التي اتخذتها تركيا بما فيها التعاون الاقتصادي مع روسيا، فقد رفض شركاؤنا الأتراك التضحية بمصالحهم من أجل طموحات سياسية لشخص آخر”.
أما تركياً، تبحث أنقرة عن سبل خفض الفاتورة التي تدفعها لشراء الغاز الطبيعي، فقدتم الاتفاق على زيادة إمدادات الغاز الروسي بنسبة 3 مليارات متر مكعب وخفض سعره بنسبة 6 بالمئة، كما أن الغاز الخاص بخط أنابيب “بلو ستريم” سينبغي تجديده العام المقبل لذلك طالبت تركيا بضخ مزيد من الإمدادات في هذا الخط.
الانتعاش الملموس في العلاقات التجارية والاقتصادية، لم يقابله توافق سياسي موازي، فالعلاقات السياسية بين البلدبن بمثابة"حرب باردة"، وتعتبر موسكو خطوات حكومة أنقرة تدخل في سياق تهديد الأمن القومي الروسي.
خلافات سياسية
لعل من أهم الإجراءات التركية التي تشكل قلقا لروسيا، نشر تركيا منظومة الدرع الصاروخية على أراضيها على الرغم من الاعتراضات الروسية والإيرانية حيث يرى البلدان هذا الاجراء تهديداً لأمنهما والمنطقة ككل.
أوكرانياً، شكل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والحرب الأهلية الدائرة في شرق أوكرانيا مصدراً آخر للاحتكاك بين البلدين، فأنقرة أعربت عن قلقها على مصير أقلية التتار فيها الناطقة باللغة التركية، لا تعترف بعملية الضم وتركز على ضرورة الحفاظ على سلامة أراضي أوكرانيا.
على الساحة المصرية، لم تكن أنقرة راضية عن الإطاحة بحكم “الإخوان المسلمين”، وأخذت تطلق الاتهامات على الجيش المصري وتهاجم السلطة الحالية وتتهمها بـ”الانقلاب على الشرعية”، ما جعل العلاقات بين انقرة والقاهرة تتدهور، فيما تزدهر العلاقات المصرية-الروسية، من خلال تعاون ثنائي يتجاهل تركيا تماماً.
أما في أزمة القوقاز، تقف تركيا بجانب الحكومة الأذربيجانية ضد الانفصاليين الأرمن في مرتفعات “قره باغ” في أذربيجان، وتتهم تركيا روسيا بعدم الضغط بصورة كافية على أرمينينا لوقف دعهما للانفصاليين .
من المؤكد أن الملف الأكثر حدة وإلحاحًا في دائرة الخلافات السياسية التركية-الروسية هو ملف الأزمة السورية، وقد احتلت سوريا موقعًا متقدمًا في مباحثات بوتين أردوغان، وهذا ما ظهرفي تصاريح الطرفين بعد اللقاء.
تعتبر روسيا أن أنقرة تلعب دورا خطرا في الأزمة السورية، منذ أن تورطت في هذه الأزمة سياسيا وعسكريا، ولطالما أصرت انقرة على إسقاط النظام السوري وبالتالي إخراج روسيا من منطقة المتوسط، مما يشكل خسارة كبيرة للأمن القومي الروسي لأن سوريا تشكل عمقا استراتيجيا لها لا يمكن التخلي عنها بأي شكل من الأشكال، فهي القاعدة العسكرية الوحيدة لها في االمتوسط(طرطوس). بما أن روسيا تخوض صراعا استراتيجيا مع الغرب على الشرق الأوسط فان الشق السوري من لقاء أنقرة بين بوتين – أردوغان كان بمثابة لقاء تثبيت المواقف بسبب اصرار الجانبين على المواقف السابقة.
اذاً،أثمرت زيارة بوتين في شقها الاقتصادي الا أنها بقيت في شقها السياسي"مكانك راوح"، فتركيا وروسيا تعرفان حجم الخلافات بينهما وتقدران ضرورة معالجة هذه الخلافات بالتجاهل، والبحث عن سبل التوافق، بدون أن تؤثر على تطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، لأن هذا الأسلوب خدم البلدين الى حد كبير حتى يومنا هذا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه:
بما أنه من الاستحالة السياسية أن تتخلى روسيا عن حليف وشريك قديم يشكل قيمة أمنية عالية في الإستراتيجية الروسية، هل سيؤدي الموضوع السوري الى تفجير العلاقات بين البلدين،اذا ما أصرت تركيا على إسقاط النظام السوري عبر خطوات واجراءات عسكرية مباشرة؟