الوقت - منذ أربع سنوات والجرح ينزف ألماً. لكن هذا الجرح، لم يستسلم. قرَّر منذ ذلك الوقت، أن يطعن المُجرم بخنجره. فلا الألم يمنع الصبر، ولا الجرح يُنهك صاحبه، ولا الدم يُضعف جسده. هي بإختصار قصة منطقةٍ، لم تتغلَّب فقط على حصارها، بل كانت سبباً في قلب الموازين وصنع مقدمات النصر الحتمي. إنها نُبل والزهراء، تحكي قصتها.
بعيداً عن السياسة التي أصبحت تستخدم أبشع الأدوات لتحقيق الأهداف، وبعيداً عن كل ما يرتبط بأوساخها التي جعلت بعض الأطراف يظنون بأن حصار شعبٍ أعزلٍ قد يكسر قدرتهم، ويجعلهم تابعين، فقصة نبل والزهراء ليست فقط سياسية أو عسكرية، بل هي إنسانية.
اليوم يحاكي العالم بأسره النتائج. يتربع المحللون على عروش كلماتهم، يتسابقون لإطلاق قراءاتهم الملطخة بالسياسة. لكن هل ذكر أحدٌ سوى البعض، أن ما جرى لم يكن ليحصل لولا صمود أهالٍ أتقنوا فن الصبر، واستخدموا الإيمان بالأرض والوطن بعد الله، فكان التوكل صِفتَهم، والعزم سِمتَهم، وسلاحهم إيمانهم بأن الأرض لن تلفظ أبناءها، ولا بد أن يأتي يومٌ، تقول الأرض كلمتها، ولو دام الحصار ألف عام. إنها الحقيقة التي ولَّدت الإنتصار.
اليوم يقف العالم مبهوراً. فما جرى يقول الكثيرون بأنه إنجازٌ عسكريٌ أو سياسي. لكن الحقيقة خلف ذلك، هي أن هذا الإنجاز يحمل في طياته ألم وتضحيات سنواتٍ قاربت الأربع. فهل يتذكَّر العالم أن في المنطقة يعيش 70 ألف نسمةٍ كانوا مُهددين بالذبح؟ وهل يعرف الجميع بأن المنطقة عُزلت عن العالم الخارجي براً وجواً منذ صيف 2012؟
اليوم عادت نبل والزهراء الى أهلها. والتاريخ سيُحدِّث الأجيال المقبلة، عن حكاية منطقةٍ تميَّزت بين مثيلاتها من المناطق في سوريا. سيتحدث التاريخ عن ألم الحصار، وسيُوثِّق الدم الذي سقط فخلَّف 822 شهيداً سقطوا نتيجة قذائف وصواريخ الإرهاب التي كانت تنهمر على أحياءٍ يعيش فيها عُزَّل.
لا بد للتاريخ أن يكتب كيف انتصرت نبل والزهراء على مؤامرة المقامرين من الإقليم. كيف أثبتت أن الصمود مفتاح الفرج، طالما أنه يمتزج بالإستعداد لتقديم التضحيات. سيكتب التاريخ كيف قاومت العين الساهرة على حماية الأهالي، مخرز الإرهاب. فأسقطت معادلة الإذلال التي حاول ترسيخها الأرذال. سيكتب التاريخ بأن أبناء الشعب السوري الذي امتزجت دماؤهم بعروبتهم هم ليسوا ورقةً على طاولة المقامرين من الأتراك والغرب وأهل الخليج. سيكتب التاريخ أن سوريا الأسد والتي طالما كانت تنطق بسلاح العروبة، ما تزال تمتلك أكبر احتياطيٍ من هذا السلاح، بين دولٍ خانت عروبتها وقامرت بشعوبها، حتى أصبح مصير الأمة بالنسبة لها كمصير نفطها المُحترق.
ليس صحيحاً أن المال والسياسة هما بوابة العزة والإنتصار. فقد أثبتت حكاية نبل والزهراء، بأن كل سياسة العالم، ومفاوضاته، لا يمكن أن تنال من أبناء شعبٍ يحمل العروبة كشرف له. لقد قالت نبل والزهراء كلماتها، بعد صمتٍ طال سنوات. لكنها لم تقل أي كلمات. بل وجَّهت كلماتها لأولئك الذين يقامرون بشعبهم تحت مسمى المعارضة. أرسلت لهم رسالةً ممهورةً بدم أربع سنوات مفادها، بأن الكلمة التي يمكن أن يقولها شعبٌ محاصرٌ تحت نار وخطر الذبح والإرهاب، يمكن أن تكون أقوى وأكثر أثراً من خطابات القابعين في فنادق العالم الفخمة، والذين يتاجرون بقضيتهم الوطنية حُلماً بمنصبٍ أو دورٍ سياسيٍ وُعدوا به فيما يجولون المؤتمرات ويا ليتهم يتفقون!.
لقد روت نبل والزهراء حكايتها، وارتفعت من منطقةٍ مُحاصَرةٍ الى منطقةٍ ستكون مُقدمةً لحصار الإرهابيين. لقد طوت نبل والزهراء حكاية المعاناة بفخر الإنتصار الممزوج بالدم. فيما سقطت رهانات دولٍ وأطراف أمام نعال أهاليها. واليوم يدوس أهالي المنطقة بنعالهم التي كانت محاصرة، على مخططاتٍ إقليمية ودوليةٍ حاولت كسرهم. يعبرون من معاناتهم نحو المستقبل المُشرق الذي خطُّوه بقلم الدم. فإذا كان المستقبل لهم، فما نفع رهانات المتآمرين؟ وإذا كان أقوى سلاحٍ ماديٍ وهو الإرهاب لم ينفع في إخضاعهم، فمن يمكن أن يُخضعهم؟
عادت نبل والزهراء لما يجب أن تكون عليه. فيما فرَّ الإرهابيون الى حيث لا مأوى لهم. فالأرض ليست إلا لأبنائها وتحضن أبناءها فقط. أما أولئك الذين جاؤوا البارحة كجلبٍ الى منطقةٍ من سوريا الأسد، فهم اليوم فارّون الى اللاوجهة. ولعلهم سيعودون إلى أحضان أمهاتهم الإرهابية. لنقول إن المُحاصِر هو من حُوصِرَ في النهاية، واللاجئ هو من يلجأُ في النهاية. أما أهالي نبل والزهراء، فهم ليسوا محاصرين اليوم، بل أصبحوا مفخرةً لكل العالم، كنموذجٍ لمن يكسر عبر الصمود والتضحيات، كل التوقعات، ويدخل التاريخ من بوابة العزة والكرامة.
هي نبل والزهراء تروي قصتها السورية، وتُخبر العالم كيف أنه حين تمتزج العروبة بالعزم يولد الإنتصار.