الوقت - تعكس الإشارات "النفطية" التي صدرت عن أكثر من مصدر سعودي رسمي كـ"صحيفة الحياة" و"قناة العربية" الموقف السعودي الحقيقي من "العدوان الإقتصادي" الذي إرتد على أصحابه.
وتفتح هذه الإشارات التي أكّدت أن "الرياض تريد التعاون مع باقي الدول المنتجة من أجل دعم سوق النفط" فتحة أمل في إعادة الإستقرار الإقتصادي إلى المنطقة التي خسرت أكثر من 1000 مليار دولار جرّاء السياسات السعودية، كما أنها تبقي الباب مورباً للتراجع العسكري في المرحلة المقبلة.
لم تنتظر السعودية طويلاً لتأكيد المؤكد بالنسبة للأوضاع الإقتصادية هناك حيث كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الرياض تستعد لأول مرة في تاريخها للإستدانة من السوق الدولية، بسبب انخفاض أسعار النفط، ما يؤكد أن الحرب النفطية السعودية سلاح "ذو حدين"، والتسريب الأخير، وما تلاه، يعكس تراجعا عن الموقف السعودي الذي رفض اقتراحا من داخل "الاوبك" وخارجها لتخفيف الانتاج لاهداف سياسية، ابرزها الحاق الاذى بالاقتصادين الروسي والايراني.
وفي حال أقدمت السعودية على التنسيق مع "أوبك" وكل من إيران وروسيا فيما يخص الإنتاج وأسعار النفط، فإن النتيجة ستكون في صالح الدول الخليجية عموماً، والرياض على وجه الخصوص قبل كافّة الدول الأخرى بإعتبار أن إقتصاد هذه الدول نفطي بإمتياز. ولكن لازلنا اليوم في مرحلة الإشارات التي تتليها المفاوضات ومن ثم التنفيذ.
ولا يمكن حصر العجز السعودي بأسعار النفط، بإعتبار أنها تشن عدواناً عسكرياً على الشعب اليمني منذ حوالي الـ11 شهراً كلّفها مئات المليارات من الدولارات، فهل في حال تراجعت السعودية نفطيا ستتراجع عسكريا؟
للإجابة على هذا السؤال الجوهري تكفي قراءة التاريخ الدموي لهذه العائلة الحاكمة، حتى لا تلبث أن تترسخ قناعة واضحة لدى القارئ بأن الرياض اذا ما تراجعت نفطياً فالعين تبقى على العسكر سواءً في اليمن، سوريا والعراق. لذلك قد لا يكون كافياً الوضع الإقتصادي الحالي كذريعة لوقف العدوان ما يعني أن الرياض ستُبقي على دعمها للجماعات المسلحة في سوريا وعدوانها على الشعب اليمني، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: مشكلة السياسة الخارجية والداخلية للسعودية أن قوامها "الهمجية" لا العقل، لذلك من الصعب التنبؤ بموعد إنهاء صراعاتها العسكرية في المنطقة، ولكن رغم كل ذلك فإن أصوات "العقل" ستعلو في الداخل السعودي حتى لو حاول النظام تغطيتها.
ثانياً: بما أن السعودية لم تضع خطّاً للعودة فمن المستبعد أن ينسحب هذا التراجع الإقتصادي على الشق السياسي، أو بالأحرى العسكري، وهذا ما دفع بالرياض لفرض سياسة التقشف وحالياً الإستدانة من الخارج.
ثالثاً: إن العدوان السعودي على اليمن وتدخلها في سوريا سينتهي إما في حال الهزيمة العسكرية الساحقة، يعني دخول الجيش اليمني إلى مشارف الرياض حيث لا يكفي السيطرة على محافظات عسير وحيزان ونجران، أو في حال بروز أي هزة داخلية غير مستبعدة خاصةً أن التقارير الأخيرة تتحدّث عن إحتدام الصراع بين محمد بن نايف ولي العهد، ومحمد بن سلمان ولي ولي العهد.
رابعاً: لا بد للخارج من فرض القانون على الرياض عبر مجلس الأمن في حال إستمرت في إرتكابها للجرائم الإنسانية على الأراضي اليمنية، وهذا ما هو مستبعد من أمريكا حتى الساعة خاصّة أن إحتدام الصراع الطائفي والعرقي في المنطقة يصب في صالحها كما هو الحال بالنسبة للسعودية.
خامساً: قد لا نحتاج إلى مجلس أمن أو مواجهة عسكرية لكف شرّ السعودية، لأن الأزمات الداحلية قد تكون كفيلة "بتربية الرياض"، لاسيّما مع إرتفاع بعض أصوات العقل من أبناء العائلة الحاكمة الذين يرفضون سياسات محمد بن سلمان سواءً في الداخل أو في الخارج.
رغم كل ذلك، نأمل أن تعود الرياض إلى صوابها الذي غاب منذ زمن بعيد، لأنها تضر بنفسها وشعبها قبل بقيّة الدول والشعوب، فالعدو الحقيقي اليوم هو الكيان الإسرائيلي الذي يعيث في أراضينا المقدّسة فساداً، والقضية الفلسطينية يجب أن تعود قضيتنا العربية الإسلامية الأساس. فإشارات التراجع الإقتصادية لا تعني الأمر ذاته عسكريا.
إن السعودية تتجه اليوم وبسرعة إلى "خانة اليك" إقتصاديا بعد العدوان الذي إرتد عليها، وعسكرياً والذي سيرتد عليها لاحقاً، خانة سترسم مستقبل بلاد الحجار أسرع مما نتوقّع.