الوقت- يبدو أن السعودية قد بدأت في الخضوع لعملية التحول كما توقع عدد من الخبراء. أصبح ذلك واضحا مع جلوس الملك «سلمان بن العزيز» على العرش خلفا لأخيه الملك الراحل «عبد الله بن عبد العزيز» في يناير/كانون الثاني من العام 2015. قام «سلمان»، بشكل هاديء، بإدخال بعض الترتيبات غير المعتادة داخل صفوف النخبة الحاكمة، حيث قام بتعيين ابن أخيه، وزير الداخلية «محمد بن نايف» في منصب ولي العهد، بينما قام بتعيين ابنه البالغ من العمر 33 عاما، في منصب نائب ولي العهد.
منذ ذلك التوقيت، بدا من الواضح أن الملك يسعى، خلال فترة قصيرة إلى تسليم كل السلطة في البلاد لابنه بالتفاف على «محمد بن نايف» قبل أن يقوم هو بالتقاعد بسبب حالته الصحية ليشغل منصبا شرفيا، «الملك الأبن» بلا صلاحيات حقيقية، ولكن مع الحق في التصويت الاستشاري على القرارات الهامة. وجدير بالذكر إن ذلك يمثل انتهاكا مباشرا لتقاليد الخلافة في المملكة العربية السعودية والتي تقضي بنقل العرش من الأخ إلى أخيه، والتي سوف تستبدل على هذا النحو، بانتقال السلطة من الأب إلى ابنه. من أجل القيام بهذا التحول، فإن الأمر يتطلب القدرة على تنفيذ انقلاب قصر أو الحصول على موافقة مجلس الخلافة «هيئة البيعة».
خلال الأسبوع الماضي، أشارت تقارير خرجت من الرياض أن المرض قد بدأ يؤثر سلبا على الملك «سلمان بن عبد العزيز» وأن يريد التخلي عن حكمه لصالح ولي العهد. ولكن بعض التلميحات قد بدأت في الظهور إلى العلن حول كون بعض أفراد العائلة المالكة، جنبا إلى جنب مع بعض شيوخ القبائل، وهم أساس حكم آل سعود، غير راضين عن التدهور الحاد في الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، والذي تسبب في انخفاض حاد في مستوى الدخول الشخصية.
وليس سرا أن الرياض قد قامت بزيادة حجم إنتاجها النفطي من أجل إضعاف مواقف منافسيها الرئيسيين، روسيا وإيران وفنزويلا. ولكن المملكة كانت مضطرة بدورها لتحمل بعض الصدمة في سبيل ذلك. حيث اضطرت إلى فتح صندوق الاحتياطيات الخاص بها كما اضطرت إلى خفض تمويل العديد من البرامج الاجتماعية.
ثم جاء أمر إعدام 47 شخصا مؤخرا من بينهم آیة الله شیخ «نمر النمر». تم تصميم حكم الإعدام كشكل من أشكال الانتقام من إيران وحزب الله كثمن للمساعدات التي قدموها للنظام السوري في المعركة ضد المسلحين الموالين للسعودية. أثارت هذه الخطوة الاضطرابات واسعة النطاق في المناطق الشيعية في المملكة، والتي تستأثر بالجزء الأكبر من إنتاج النفط السعودي.
وقد اشار معهد شؤون الخليج الفارسي إن العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» يستعد للتنازل عن العرش لصالح ابنه «محمد بن سلمان آل سعود»، ما ينذر بحدوث حالة من عدم الاستقرار في البلاد.
هذا يعني أن الملك سلمان البالغ من العمر 80 عاما سوف يسعى إلى إقناع إخوته في مجلس الخلافة لتغيير مبدأ خلافة العرش السعودي، لأنه على استعداد للمغادرة، لكنه ليس على استعداد أن يفعل ذلك لصالح ابن أخيه «محمد بن نايف»، الذي لا يمتلك أولادا من الذكور. مثل هذه التغييرات ربما تهدد الاستقرار في المملكة وتؤجج الاضطرابات في المناطق الشيعية وكذا على الحدود اليمنية حيث تعود معظم القبائل في هذه المنطقة إلى أصول يمنية.
والواقع أن هناك أزمة متنامية في المملكة العربية السعودية بدت واضحة من خلال التخفيضات في الإعانات والمكافآت التي بدأ بها الملك «سلمان» عامه في الحكم. بعد عقود من الاستخدام الواسع النطاق للعائدات النفطية لتمويل الحلفاء وتوفير المنافع الاجتماعية، فقد ضرب انخفاض الأسعار السعودية في قلبها.
يمكننا أن نقول أن إيرادات النفط قد انخفضت إلى النصف خلال عام 2015. على وجه الحقيقة فإنه من الصعب أن نحدد أي الدولتين قد عانت بشكل أكبر من انخفاض أسعار النفط، روسيا أم المملكة العربية السعودية، في ظل كونه الأخيرة لا تمتلك أي قطاعات أخرى قادرة على دعم الاقتصاد. ويرى الخبير الاقتصادي السعودي «تركي فاداك» أن المملكة العربية السعودية في طريقها إلى إنهاء سياسة «الرعاية الشاملة»، لذا فإن هناك تحولات هامة في عقلية النخبة الحاكمة السعودية. ويرى «فاداك» أن الهدف النهائي لتدابير الملك «سلمان» هو القضاء على الاعتماد السعودي على النفط، وإن كان النجاح في ذلك يعد محلا لجدل كبير.
ففي البداية، بدا أن الملك «سلمان» الذي تولى السلطة في أعقاب أخيه الملك «عبد الله» سوف يواصل نفس سياساته و هو أنفق بسخاء أكثر من 30 مليار دولار من الميزانية على المكافآت لموظفي الخدمة المدنية والعسكريين، والطلاب. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم الحفاظ على أسعار السلع والخدمات الأساسية، بما في ذلك الوقود والكهرباء وأسعار المياه عند مستويات منخفضة للغاية بسبب الدعم الحكومي. ولكن بسبب انخفاض أسعار النفط، فإن هذه الالتزامات قد تحولت إلى ضغوط تستنزف بدورها الموازنة السعودية.
أهم شيء الآن بالنسبة للمملكة هو تنفيذ عملية الانتقال من نظام الضمان الاجتماعي السخي إلى نظام اقتصادي منتج. ولكن حتى ذلك الحين، فإن سلمان سوف يكون مضطرا إلى خفض التكاليف ويبدو أن هذا الأمر ليس محلا للاتفاق. مخاوف الانهيار الاقتصادي الوشيك سوف تظل تعترض طريق الملك «سلمان»، ولذلك فإنه ربما يفضل أن يترك السلطة الآن، قبل أن تبدأ معالم هذه الاضطرابات.
وقد كانت السعودية أكثر واقعية في إعداد موازنتها للعام 2016، حيث استندت إلى متوسط يبلغ 29 دولارا للبرميل لسعر النفط. في العام الماضي، بلغ عجز الموازنة السعودية ما يقرب من 98 مليار دولار، وقد تحملت تكاليف أكبر بكثير مما كان مخططا له بفعل المكافآت لموظفي الخدمة المدنية والعسكريين والمتقاعدين. في عام 2016 قررت السلطات أن تضع ما يصل إلى 49 مليار دولار في صندوق خاص لتوفير التمويل اللازم لأهم المشاريع في حال انخفاض أسعار النفط إلى أبعد من ذلك.
ربما تواجه السعودیة شبح الاختيار بين الاندفاع نحو الانهيار أو إعطاء المزيد من السلطة للتكنوقراط الشباب الأكثر براغماتية الذين ربما يحدثون تغييرات جوهرية في سياساتها. وفي كل الأحوال، سوف تضطر المملكة العربية السعودية إلى وضع حد للمغامرات العسكرية المكلفة في سوريا واليمن، وكذلك المواجهات مع قوی الأخری في المنطقة.
نقلا عن موقع "جلوبال ريسيرش " البحثي