الوقت - كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن زيارة قام بها وزير الطاقة الإسرائيلي من حزب الليكود الحاكم يوفال شطاينتس في الأيام القليلة الماضية وتحت حراسة مشددة إلى أبو ظبي في الإمارات من أجل بحث "المصالح المشتركة بين البلدين".
الزيارة التي تركّزت على بحث إمكانية فتح ممثلية إسرائيلية في أبو ظبي وفي دول عربية أخرى، كانت موضعاً للبحث والجدل في الشارع العربي المُرهق حالياً بسبب الأزمات الإقتصادية من ناحية، والسياسية والأمنية من ناحية أخرى، وفتحت باب التساؤل على مصرعيه فيما يخص إلتزام الدول العربية عموماً، والخليجية على وجه الخصوص، فيما يتعلّق بمبادرة السلام العربية.
وتأتي هذه الزيارة بعد حوالي ثلاثة أعوام على إعلان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العام 2013 أمام الأمم المتحدة أن "مخاطر امتلاك إيران أسلحة نووية، وظهور تهديدات أخرى في منطقتنا، قد دفعت العديد من جيراننا العرب إلى الاعتراف أخيرا أن (إسرائيل) ليست عدوا لهم، وهذا يتيح لنا فرصة للتغلب على العداوات التاريخية وبناء علاقات جديدة، وصداقات جديدة وآمال جديدة"، مما يؤكد نجاح "الدبلوماسية الإسرائيلية في جرّ بعض "الأعراب" إلى حيث تريد.
رغم أن هذا اللقاء ليس الأول من نوعه، وبالتاكيد لن يكون الأخير، سواءً فيما يخصّ الإمارات أو بقيّة الدول العربية التي تربطها علاقات سريّة أو علنية مع الكيان الإسرائيلي، إلا أنه يأتي في خضم التغيّرات الإقليمية البارزة، ويحمل جملة من الدلالات والأهداف، أبرزها:
أولاً: يعد هذا اللقاء خيانة كبرى للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين مع هذه الدول الخليجية ولم يتلقّ رصاصة واحدة منها، خاصةً أنه يأتي في خضم الإنتفاضة الثالثة "إنتفاضة السكاكين"، مما يضرب كافّة المساعي التي تقوم بها العديد من المنظمات الفلسطينية والعربية والإسلامية عرض الحائط، بل تعد رسالة واضحة في إبراز الرضا العربي عن تل أبيب.
ثانياً: إن إفتتاح ممثلية "إسرائيلية" في الإمارات يضيف بلداً عربياً آخر إلى قائمة الدول التي لا تلتزم بعدم تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي دون إعترافه بـ"الحقوق الشرعية" للشعب الفلسطيني بما في ذلك اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق مبادرة السلام العربية التي تلتزم بها الامارات. وبالتالي، ستكون الإمارات مقدّمة للعديد من الدول الخليجية التي ستحذو حذو أبوظبي.
ثالثاً: تؤثر هذه العلاقات بشكل كبير على الحملة الإقتصادية التي تشنّها العديد من الدول الأوروبية على الكيان بسبب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، سواء من ناحية إعادة العلاقات الأوروبية الإسرائيلية إلى طبيعتها بإعتبار أن أبناء جلدة الشعب الفلسطيني تخلّوا عنهم، أو لناحية تعزيز الإقتصاد الإسرائيلي عبر رفع مستوى العلاقات الاقتصادية مع الإمارات، وبالتالي الإستفادة من هذه الأموال لاحقاً في قتل أبناء الشعب الفلسطيني.
رابعاً: لقد إتخذت السلطات الإسرائيلية ذريعة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) للدخول بشكل علني إلى الإمارات، وهذا من الممكن أن يتكرّر مع العديد من الدول الخليجية الأخرى، رغم أن الإعلام يتحدّث منذ زمن عن لقاءات إسرائيلية خليجية تحت الطاولة.
خامساً: يحاول البعض ربط هذا الأمر بالملف النووي الإيراني و"إيران فوبيا"، في خطوة تهدف لتعزيز سياسة التخويف من إيران من ناحية، والضرب على وتر الفتنة المذهبية من ناحية أخرى. لكن الشارع العربي، المخالف لطهران قبل الموافق لها، يرفض ربط هذين الأمرين ببعضهما البعض، ويدرك جيّداً أن هذه "الصلافة" الخليجية ما هي إلا ذريعة لنقل العلاقات من السرّ إلى العلن.
رغم كافّة الأسباب والأهداف المذكورة أعلاه، إلا أنه يعترض "التطبيع" مع الكيان الإسرائيلي عوائق عدّة، أبرزها الرأي العام في شبه الجزيرة العربية الذي لا يزال ثابتا على معاداته لها، مما يحجم كثيرا من مدى قدرة دولة الإمارات على الانخراط مع الدبلوماسية الإسرائيلية قبل أن تحدث الأخيرة تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية وعلاقتها مع الشعب الفلسطيني. ولكن لاندري مدى قدرة "دول المشيخات" على تطويع شعوبها في هذا الصدد.
مهما فعلت الدول "المطبّعة" مع الكيان الإسرائيلي أو تلك لتي تسعى لفتح علاقات مع مغتصبي الأقصى وقتلة الشعب الفلسطيني، فإن فصل الخطاب يبقى في يد الشعوب. ومع زوال هذه المشيخات من أنظمة الحكم الخليجية، ستعيد الشعوب العربية العلاقة مع الكيان الإسرائيلي إلى مكانها الطبيعي، أي من القصور إلى القبور.