الوقت- بعد أسبوع من إغلاق المعابر ووقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة جاء القرار الاسرائيلي بقطع الكهرباء عن غزة، ليكمل نهج الإبادة الجماعية التي انتهجها الكيان منذ بدأ عدوانه على غزة في أكتوبر الماضي في خطوة تعزز سياسة الابتزاز الرخيص للكيان الغاصب كما وصفتها حركة حماس.
في الـ 9 من مارس/ آذار، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، قرار قطع الكهرباء عن غزة التي يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة، وذلك في محاولة للضغط على حماس وإركاع الشعب الفلسطيني لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها في سياق مفاوضات معقدة لوقف إطلاق النار.
وجاء القرار بعد نحو أسبوع من قطع كيان الاحتلال الغاصب جميع الإمدادات الإنسانية عن القطاع، ما يزيد من أزمة إنسانية آخذة في التفاقم بالقطاع، وفي الـ 3 من مارس/ آذار، كان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، قد هدد بقطع إمدادات المياه والكهرباء عن غزة، مشددا على ضرورة شن هجوم عسكري واسع النطاق يفضي إلى "احتلال القطاع".
بدورها، اعتبرت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز القرار الإسرائيلي بمثابة "إنذار بإبادة جماعية".
الكهرباء قبل بدء حرب الإبادة
قبل اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، كانت قدرة الكهرباء المتوافرة بقطاع غزة تقدر بنحو 212 ميغاوات من أصل احتياج يبلغ حوالي 500 ميغاوات لتوفير إمدادات الطاقة على مدار 24 ساعة يوميا.
مقدار العجز وصل آنذاك إلى نحو 288 ميغاوات، فأطلقت شركة فلسطين للتنمية والاستثمار (باديكو) في الـ 21 من سبتمبر/ أيلول 2023 مشروع "طاقة أمل" لتزويد القطاع بنحو 50 ميغاوات من الكهرباء من الطاقة الشمسية فيما حالت الإبادة الجماعية دون تنفيذه.
من إجمالي الكهرباء التي توفرت بغزة قبل الـ 7 من أكتوبر 2023، كان يتم شراء نحو 120 ميغاوات منها من "إسرائيل" وتصل القطاع عبر 10 خطوط تغذية.
بينما كان يتم شراء نحو 32 ميغاوات من إجمالي الكهرباء المتوافرة بغزة من مصر وتصل القطاع عبر 3 خطوط.
فيما كانت شركة توليد الكهرباء توفر ما إجماله 60 ميغاوات فقط قبل اندلاع الإبادة، كانت هذه الكميات تزداد أحيانا وتقل في أحيان أخرى وفق الدعم الذي يتم توفيره من قطر لشراء الوقود .
وفق ما كان متوافرا، فإن شركة توزيع الكهرباء كانت تعمل وفق جدول يومي لوصل التيار بمعدل 8 ساعات، فيما تتسبب بالعادة زيادة الأحمال حسب الشركة، وخاصة في ذروتي الصيف والشتاء بتقليل ساعات الوصل لتصل إلى 6 فقط.
ولجأ الفلسطينيون في تلك الفترة إلى الحصول على التيار الكهربائي البديل عبر مولدات كبيرة تزود مناطق بالطاقة مقابل أجر مدفوع، لكن قطع الوقود بعد الإبادة أوقف عمل هذه المولدات.
ماذا يعني قطع الكهرباء عن غزة
في الحقيقة كانت حكومة الاحتلال قد قطعت مصادر الطاقة كافة عن قطاع غزة منذ اليوم الأول للحرب، وذلك من خلال فصل 10 خطوط رئيسية كانت تغذي القطاع من الطاقة، بقدرة إنتاجية تقدر بنحو 120 ميغاوات، كما منعت إدخال مادة المازوت وكل أنواع المحروقات عقب قرار إغلاق جميع المعابر في بداية الحرب، ما أدى لاحقا إلى توقف تام لمحطة الكهرباء الوحيدة بعد نفاد مخزون المازوت، وحينها بات سكان القطاع بلا كهرباء لنحو 521 يوما.
ولكن بقي خط كهرباء واحد موصول بمحطة تحلية مياه البحر في مخيم دير البلح وسط القطاع وذلك بعد تنسيق من منظمة اليونيسيف وبالتعاون مع سلطات المياه والكهرباء المحلية، وهو الخط الذي قررت "إسرائيل" قطعه في الـ 9 من مارس/آذار، إلا أن هذا الخط كان قد تعرض في السابق لأعطال فنية جراء القصف الإسرائيلي الشديد، قبل أن تنجح شركة الكهرباء في إصلاحه مرة أخرى، وهو يمتد على طول ثمانية كيلومترات من داخل "إسرائيل" مباشرة إلى المحطة.
من الجدير بالذكر أن قطاع غزة كان يعاني عجزا كبيرا في الكهرباء قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة وربما القصد من القرار الإسرائيلي اليوم أنها قُطعت بشكل نهائي عن المرافق الإنسانية العاجلة كالمستشفيات ومحطات توليد المياه والصرف الصحي فقرار قطع الكهرباء اليوم قد عطل عمل محطة تحلية المياه الوحيدة في غزة، ما سيزيد الكارثة الإنسانية والمأساة الصحية بسبب أزمة شح المياه الموجودة أصلا منذ بدء الحرب.
في هذا السياق حذر الناطق باسم شركة كهرباء غزة من تداعيات انقطاع الكهرباء عن القطاع مشيرا إلى أن الأمر سيؤدي لحرمان أكثر من مليوني نسمة من شرب المياه النظيفة، وهو ما يؤدي بالتبعية لزيادة الأمراض والأوبئة، وارتفاع نسب التلوث في البحر، لأن البلديات ستضطر لضخ مياه الصرف الصحي دون معالجة تجاه البحر، إلى جانب ذلك، سيؤدي القرار إلى توقف عمل المخابز فانقطاع الكهرباء ومنع إمدادات الوقود تسبب أيضا بتوقف عمل المخابز ما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء التي تحولت إلى مجاعة مع تقنين دخول المساعدات الغذائية بشكل كبير خلال الإبادة.
التداعيات العكسية
على الرغم من أن قرار قطع الكهرباء عن غزة يأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى الضغط على حماس كهدف معلن، إلا أن تداعياته العكسية على حكومة الاحتلال باتت محور نقاش واسع داخل الأوساط الإسرائيلية والدولية، فلا خلاف على أن الضغط على حماس لتسليم الرهائن يُعد هدفًا إسرائيليًا أساسياً، لكن العواقب القانونية والإنسانية والسياسية لهذه الخطوة قد تزيد من عزلة كيان الاحتلال الاسرائيلي دوليًا، وخاصة مع الاتهامات الموجهة له بارتكاب جرائم حرب.
التحديات القانونية والسياسية
يرى أريك رودنيتسكي، الأكاديمي في جامعة تل أبيب، أن قطع الكهرباء جزء من سياسة العقوبات التي تنتهجها حكومة الاحتلال الغاصب منذ بداية الحرب، لكنه يحذر من أن التأثير الكارثي على المدنيين في غزة قد يعزز الملاحقات القانونية ضد "إسرائيل"، فقد تؤدي هذه الإجراءات إلى تحقيقات دولية وربما تصعيد في الضغوط الدبلوماسية على كيان الاحتلال، ما قد يؤثر على علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخصوصًا في ظل التحركات المتزايدة في المحافل الدولية ضد الانتهاكات الإسرائيلية.
انعكاس القرار على ملف الرهائن
إلى جانب التداعيات القانونية، هناك مخاوف داخل "إسرائيل" من تأثير هذا القرار على مصير الرهائن المحتجزين في غزة، فبدلاً من الضغط على حماس، قد يؤدي قطع الكهرباء إلى تعقيد المفاوضات حول صفقة التبادل، ولا سيما مع تزايد الغضب الدولي والاتهامات لـ"إسرائيل" بإلحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء.
انقسام داخلي
أما على الصعيد الداخلي، فيشير يوحنان تسوريف، الباحث في معهد البحوث الأمنية والقومية، إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواجه صعوبة في تحقيق توازن بين إرضاء اليمين المتشدد، الذي يدفعها لاتخاذ خطوات أكثر قسوة، وبين الضغوط القانونية والدولية المتزايدة، وعلى الرغم من سعي الحكومة لاستغلال هذه الخطوة في إضعاف قدرة غزة على المقاومة، إلا أن تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل كامل يبدو صعبًا على المدى البعيد بسبب الانتقادات المتواصلة.
لذلك يمكن القول إنه وبينما تعتبر حكومة الاحتلال أن قطع الكهرباء جزء من الحرب النفسية ضد حماس، فإن هذا القرار يحمل تداعيات خطيرة قد تضر بموقفها أكثر مما تخدم أهدافها، فالتصعيد الإنساني في غزة يزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، ويضعها في مواجهة اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة، ما قد يؤدي إلى خسائر دبلوماسية وقانونية قد لا تستطيع تحملها في المستقبل.