الوقت– بعد عام من فشل التيارات السياسية العراقية في انتخاب رئيس مجلس النواب، انتهى هذا الجمود السياسي أخيراً، وانتخب العراقيون "محمود المشهداني" رئيسا جديدا للبرلمان في تصويت أجراه البرلمان، الخميس الماضي، وبذلك، شارك في الجولة الأولى من التصويت 271 نائباً، وأخيراً حصل المشهداني على 153 صوتاً، والعيساوي على 96 صوتاً، وعبد الجبار على 9 أصوات.
ونظراً لعدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية، امتد التصويت إلى المرحلة الثانية، وهذه المرة فاز المشهداني بمقعد رئيس البرلمان بحصوله على 168 صوتاً من مجموع 269 صوتاً، ويتطلب التصويت لاختيار رئيس مجلس النواب العراقي الحصول على نصاب "النصف زائد واحد" من عدد مقاعد البرلمان، وهو ما يعادل 166 نائبا من أصل 329 نائبا.
مع إلغاء المقعد النيابي لمحمد الحلبوسي بقرار المحكمة الاتحادية العراقية بسبب المخالفات القانونية لرئيس البرلمان السابق، نشأت فجوة وخلافات بين الأطراف السنية حول طريقة مواجهة هذا القرار القضائي ومن جهة أخرى، زادت وتيرة عملية اختيار خليفة الحلبوسي، وتسبب استمرار هذه الخلافات في بقاء المقعد دون حسم، وظل الحلبوسي رئيساً للمجلس التشريعي لأشهر متتالية.
ولذلك، نظمت قيادات "الإطار التنسيقي الشيعي"، منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سلسلة اجتماعات دورية في منزل "عمار الحكيم"، زعيم تيار الحكمة وتحالف القوات الحكومية في بغداد، لإنهاء هذا الوضع الذي أدى في نهاية المطاف إلى التوصل لانتخاب رئيس لمجلس النواب.
وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن الإطار التنسيقي وبعض فصائل أهل السنة توصلوا إلى اتفاق بشأن انتخاب محمود المشهداني بعد جولات عدة من المفاوضات والضغوط السياسية، ويبدو أن دعم المشهداني لم يكن ليحصل لولا المبادرة السياسية للإطار التنسيقي الذي يعتبر نفسه الضامن لاستقرار العراق.
تجنب حدوث أزمة سياسية وأمنية محتملة
وجاء شغور منصب رئيس البرلمان عقب قرار المحكمة الاتحادية العليا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، القاضي بإقالة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، بتهمة التعاون مع شركات تابعة للكيان الصهيوني، وهو ما اعتبر مخالفة للقانون العراقي.
وبما أن العراق يواجه مشكلة الحكومات غير المستقرة وحل البرلمانات منذ الاحتجاجات المرتبطة بـ "حركة تشرين" عام 2019، فإن غياب رئيس البرلمان كان إحدى الحالات التي أدت إلى الأزمة نظراً لأهميته السياسية في هذا البلد، وهو ما ألمح إليه أيضاً هادي العامري رئيس منظمة بدر في البرلمان، فقال: "اليوم شهدنا منافسة حقيقية والحمد لله بانتخاب الدكتور محمود المشهداني، تم حل هذه المسألة بطريقة جيدة مع المكون السني وتم حل هذه القضية التي أقلقته كثيراً، لقد انتهى الأمر".
وبما أن استمرار الأزمة السياسية في العراق يتيح الفرصة للجهات الأجنبية لتأجيج انعدام الأمن وأعمال الشغب في الشوارع من خلال الركوب على خلافات العراقيين، لذلك فإن انتخاب رئيس مجلس النواب الذي يلعب دورا مهما في خلق الانسجام بين العراقيين والتيارات السياسية، وخاصة السنية، لأن هذه القضية كانت ذريعة تأخذها بعض الدول الغربية التي كانت تسعى لجعل العراق غير آمن.
لقد حاولت الولايات المتحدة، التي تصطاد دائماً من المياه العكرة، وكانت تخلق الكثير من التحديدات للعراق من الداخل من خلال استغلال هذا الفراغ السياسي في العام الماضي، لأن الشغور في رئاسة البرلمان حدث عندما بدأ الكيان الصهيوني الحرب ضد غزة وكانت جماعات المقاومة العراقية تستهدف أيضًا القواعد الأمريكية في المنطقة دعماً للفلسطينيين، الأمر الذي كان مقلقاً للغاية لمسؤولي البيت الأبيض. .
وبما أن الإطار التنسيقي الشيعي يتمتع بأغلبية المقاعد في البرلمان، فقد قصدت واشنطن إسقاط البرلمان والحكومة تحت إدارة المقاومة من خلال خلق أزمة سياسية، لكن الإطار التنسيقي كان على علم بالاستغلال الأمريكي واستطاع بلباقة، تعيين شخصية مقربة من مواقف المقاومة رئيساً للبرلمان.
وتمكن الإطار التنسيقي للشيعة في قضية انتخاب رئيس الوزراء، التي تحولت إلى أزمة سياسية، من استقطاب رأيهم الإيجابي لتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن من خلال المشاورات المستمرة مع قيادات وأطراف أخرى، ويرى الخبراء أن انتخاب المشهداني يعد انتصارا كبيرا لحركة المقاومة وهزيمة أخرى لأمريكا في المشهد السياسي العراقي، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز الاستقرار في هذا البلد.
إن دور رئيس مجلس النواب مهم جدا في دفع العملية التشريعية بشكل أسرع وأقل تحديا وتسهيل الحوار بين الفصائل المختلفة، وتشمل هذه المسألة أيضا التوسط في النزاعات وبناء التوافق بين المشرعين، وهو ما يعتبر في غاية الأهمية من وجهة نظر المنقسمين والسلطة السياسية في العراق، وهو ما أكد عليه أيضا الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في كلمته، حيث قال: "إن انتخاب رئيس مجلس النواب خطوة مهمة في استكمال الحقوق الدستورية والوطنية".
خيار المشهداني؛ انتصار المقاومة على أمريكا
يمكن كشف أهمية اختيار المشهداني في الوقت الحالي من عدة زوايا، أحدهما أن المشهداني من أنصار فصائل المقاومة في المنطقة، وخاصة في فلسطين، وله الموقف نفسه مع الإطار التنسيقي، كما أكد المشهداني مرة أخرى مواقفه الداعمة لفلسطين ولبنان بعد التصويت البرلماني وكتب على موقع التواصل الاجتماعي X: "لن نكتفي بالخطابات والشعارات فقط، بل بكل المحافل والضغوط العربية والدولية من أجل التوصل إلى اتفاق، وسنعمل على الصعيد العالمي من أجل وقف إطلاق النار".
ولذلك فإن انتخاب أحد أنصار المقاومة على رأس البرلمان العراقي يمكن أن يعزز الوحدة بين التيارات السياسية في هذا البلد دعماً لفلسطين ولبنان، وإن دعم الشعب لمحور المقاومة يضعه تلقائياً في صف المواجهة مع أمريكا، وقد أثبت المشهداني في الماضي أنه يعارض بشدة سياسات أمريكا التدميرية في العراق.
ويعتبر البرلمان الركيزة الأساسية للسلطة السياسية في العراق ويعتبر صاحب القرار النهائي في إقرار وتغيير قوانين هذا البلد، وبناء على ذلك، قصدت واشنطن تعيين شخص منسجم مع مصالحها وخصم للمقاومة على رأس البرلمان العراقي، يستطيع أن يقلل من حجم الاحتكاك والتحديات التي يواجهها البرلمان الحالي لمصالحها، لكن انتخاب المشهداني حوًل أمل البيت الأبيض هذا إلى يأس، وربما مع الانتخابات يجب متابعة خطة طرد الغزاة من العراق بجدية، لأنه منذ بداية حرب غزة ودعم أمريكا لجرائم الكيان الصهيوني، تزايدت النظرة السلبية للوجود العسكري الأمريكي في العراق أكثر من ذي قبل بين العرب السنة.
ومع انتخاب الرئيس الجديد واستمرار اجتماعاته، يجد العراقيون الأمل في أن كل شيء جاهز لحل الأزمات، وبهذا المعنى سيكون الأمر مشجعا للشعب، وعند الأخذ في الاعتبار أن الانتخابات البرلمانية العراقية ستجرى نهاية عام 2025، ويمكن للتيارات السياسية داخل البرلمان أن توفر الظروف لإجراء الانتخابات بتقارب أكبر، وهذا من شأنه تحسين آفاق تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد.