الوقت- لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن استشهاد السنوار في الصراع مع الجنود الإسرائيليين في رفح جعل منه "أسطورة" لدى الفلسطينيين، وخاصة بين الشباب في معظم الدول العربية والإسلامية.
خطأان فردي ونظامي ساهما في رسم هذه الصورة ومنعا "إسرائيل" من خلق رواية مفيدة حول هذه الحادثة،
الخطأ الأول هو الذي وقع فيه أحد جنود الاحتلال الذين عادوا إلى مسرح النزاع بعد يوم واحد من الاشتباك مع السنوار ومقتله هناك، وعند رؤيتهم الجثث وبسبب تشابه وجه أحد القتلى، اشتبه بوجود السنوار بينهم، وسرعان ما التقط جندي إسرائيلي صورته لجذب الانتباه في الفضاء الإلكتروني، وفي حرب الشبكات الافتراضية ضعفت هيمنة وحدة الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
وقد حرم هذا الإجراء "إسرائيل" من الفرصة التاريخية لبناء رواية كاملة ومثالية حول اكتشاف مكان السنوار واغتياله مقابل استثمار إعلامي كبير عليه بأهداف مختلفة، كما لم يكن أمام الجيش الإسرائيلي خيار سوى قول الحقيقة بعد مشاركة الصور ونشرها على نطاق واسع.
هذا على الرغم من أنه في حالة تقديم الرواية الإيجابية عن اكتشاف مكان السنوار واغتياله، فإن هناك مثال آخر، ومن ناحية، بمثل هذه الرواية، يمكن لنتنياهو أن يقلل من احتجاجات عائلات الرهائن ويكسب المزيد من الوقت لمواصلة الحرب، ويؤكد لهم أنه سيجدهم كما وجد السنوار.
ومن ناحية أخرى، فمن خلال هذا العمل، قد يتم الخلط بين قادة حماس الآخرين في غزة وإجبارهم على تغيير مواقعهم، حتى يمكن الحصول على دليل في هذه الحركة وتحديد موقعهم.
علاوة على ذلك، فقد تم نقل صورة مهمة لقوة "إسرائيل" الأمنية والاستخباراتية إلى "إسرائيل" وأعدائها والخارج بعد المفاجأة الكبرى لهجوم الـ 7 من تشرين الأول (أكتوبر)، على وجه الخصوص، خلال العام الماضي، قامت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية بالبحث عنه بشكل مكثف، ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، أنفقت "إسرائيل" عدة ملايين من الدولارات للعثور على السنوار.
لكن خطأ ذلك الجندي الإسرائيلي والتعبير القسري عن حقيقة القصة حرم "إسرائيل" من هذه الفرصة التاريخية، ومع ذلك فقد أحرق روايات "إسرائيل" السابقة عن اختبائه تحت الأرض وتحصنه بالرهائن، وفي هذا الوضع فشلت العملية النفسية الإسرائيلية.
وقد خلقت هذه الحرب النفسية أجواء ثقيلة على المهجرين وأسر الضحايا في غزة؛ لدرجة أن بعض الناس كتبوا في هذا الاتجاه وقالوا إنه هو نفسه يختبئ في أنفاق جيدة وينعم هناك ونحن نذبح على الأرض، وكان بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الإسرائيلية يروجون لهذه الصورة باستمرار.
ولم تتمكن حماس من الحديث عن حالة السنوار بحجة الوضع الأمني الصعب الذي قد يؤدي إلى كشفه واغتياله.
لكن خطأ "إسرائيل" الثاني كان رسميًا، وهو السماح لوحدة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بعرض فيلم اللحظات الأخيرة من حياة السنوار وصراعه مع الجنود الإسرائيليين وإصابته وحركته الأخيرة برمي الكوادكوبتر بقطعة من الخشب بعد إصابته بجروح خطيرة في يده اليمنى.
ومن المرجح أن يكون الهدف من إطلاق هذا الفيلم هو التحفيز على أن يؤدي هذا الإجراء إلى إضعاف الروح المعنوية وربما الانهيار النفسي للقوات الفلسطينية وسكان قطاع غزة.
ويعود هذا الدافع إلى عدم المعرفة بفكر الجماعات الجهادية والمجتمعات العربية والإسلامية، ربما اعتقدت "إسرائيل" أن حماس لديها هيكل حكومي مثل عراق صدام حسين، وأنه إذا هرب أو تم اعتقاله فإنه سيتم تدمير الجيش والجهاز الحاكم.
لكن هذا الفيلم نفسه أكمل رواية صراع السنوار حتى أنفاسه الأخيرة، وأظهر له وجه الفدائي للمجتمع الفلسطيني ومعظم الجاليات العربية وغير العربية، الذين وقفوا إلى جانب قضيته حتى اللحظة الأخيرة، لدرجة أن بعض معارضي حماس والسنوار - سواء في غزة أو في الضفة الغربية وعلى المستوى الإقليمي - فتحوا أفواههم للثناء عليه، كما كتب البعض أن السنوار كان أول زعيم فلسطيني يُقتل بسلاح أثناء الصراع.
كما نشرت حماس اليوم أيضًا أخبارًا تفيد بأن السنوار كان دائمًا خلال الحرب متحديًا لمختلف محاور الصراع، وبعد بدء الهجوم البري ذهب إلى رفح لقيادة العملية.
ويبدو أن طريقة استشهاد السنوار هذه جعلت قوى حماس الأخرى أكثر إصراراً على اتباعه، كما أن إطلاق الفيلم كخطأ ثانٍ كان له تأثير معاكس، في وسائل الإعلام العبرية، بما في ذلك يديعوت أحرونوت وبعض القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، تم انتقاد نشر الصور الأولية وإصدار الفيلم، وهو ما كان انتهاكًا لأهدافهم.