الوقت - في تحول نوعي يعارض المسار الأمريكي والدول الداعمة لكيان الاحتلال أعلنت بريطانيا أنها لن تمضي قدما في السعي للتشكيك في ما إذا كانت الجنائية الدولية لديها السلطة القضائية لإصدار مذكرتي اعتقال ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للصحفيين إن الحكومة السابقة لم تقدم هذا الاقتراح المتعلق بتقديم الطلب للمحكمة الجنائية الدولية قبل انتخابات الرابع من تموز الماضي، مشددا على أن "الحكومة لن تمضي قدما في الاقتراح بما يتماشى مع موقفنا الراسخ منذ وقت طويل بأن هذه مسألة يعود القرار فيها للمحكمة".
وحسب وسائل الإعلام البريطانية، صرح المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء البريطاني، أن الحكومة الجديدة بقيادة ستارمر لن تستمر باعتراض الحكومة السابقة، موضحا أن السبب في ذلك هو أن القضية "تخص عمل المحكمة".
وشدد المتحدث على أن قرار الحكومة "لا يمثل اعتراضا ولا موافقة" على قضية المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو.
وقال إن "الحكومة تؤمن بقوة بسيادة القانون وفصل السلطات"، مشيرا إلى أن المحكمة يجب أن تتخذ قرارات مستقلة.
وفي أيار الماضي، قال ستارمر حول هذه المسألة: "يجب أن تكون المحكمة قادرة على اتخاذ قرارها عندما يحين الوقت.. أنا أؤيد المحكمة والقانون الدولي".
وقبل اتخاذ هذا القرار، قالت مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في المملكة المتحدة، ياسمين أحمد، إن الحكومة البريطانية الجديدة يجب أن تسحب الطعن القانوني الذي قدمه ريشي سوناك أمام اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة.
وشددت على أنه "من المهم ألا تواصل المملكة المتحدة تحدي حق المحكمة الجنائية الدولية في طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت".
في حين قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن حكومة المحافظين السابقة في بريطانيا كانت تتوافق تقريبا مع الولايات المتحدة في ردها على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أما الآن في ظل حكومة حزب العمال الجديدة، فإن بريطانيا تبتعد عن أقرب حلفائها في هذه الحرب.
ومن هذه الدلائل إعلان وزير الخارجية ديفيد لامي، أن الحكومة قررت استئناف تمويل وكالة "الأونروا".
في سياق متصل انتقد مجلس القيادة اليهودية ومجلس نواب اليهود البريطانيين قرار الحكومة بعدم الطعن في طلب المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقالت الجماعات في بيان مشترك يوم الجمعة "إن هذه الخطوة مؤسفة ورجعية".
وأعربوا عن مخاوفهم من أن الحكومة الجديدة قد تبتعد "عن كون إسرائيل حليفا رئيسيا للمملكة المتحدة".
يُظهر قرار الحكومة البريطانية الجديد وفق مراقبين تبايناً واضحاً مع الموقف الأمريكي، حيث لم تصادق واشنطن على نظام روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد وصف قرار المحكمة في مايو بـ"الصادم"، مشيراً إلى أنه يساوي بشكل غير دقيق بين دولة ديمقراطية وجماعة حماس المسلحة حسب قوله.
كما أعادت بريطانيا تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في تباين مع الولايات المتحدة التي أوقفت تمويلها حتى منتصف عام 2025 بعد اتهام كيان الاحتلال لـ13 من موظفي الوكالة بالمشاركة المباشرة في هجمات ال 7 من أكتوبر.
من المحتمل أن يتأخر القرار النهائي بشأن أوامر الاعتقال، حيث يمكن أن تتدخل دول أخرى مثل ألمانيا وجنوب إفريقيا في القضية.
وسبق أن أعلن كريم خان في أيار الماضي، أنه طلب من المحكمة إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت على خلفية عدة اتهامات، بينها ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في غزة.
وردا على موقف لندن الأخير أعرب مسؤول في حكومة الاحتلال في وقت سابق عن خيبة الأمل إزاء احتمال إسقاط لندن تحفظها على طلب المحكمة إصدار مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مسؤول لم تسمه قوله إن إسرائيل "تشعر بخيبة أمل عميقة إزاء قرار الحكومة البريطانية الجديدة إسقاط تحفظات سابقتها على طلب الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت".
ورأى هذا المسؤول أن القرار "خاطئ بشكل أساسي" بينما أكدت هآرتس أن "هذه هي المواجهة الأولى بين إسرائيل والحكومة البريطانية بقيادة كير ستارمر التي لم تسحب تحفظاتها بشكل رسمي بعد".
وكانت الحكومة البريطانية السابقة برئاسة ريشي سوناك قدمت تحفظا على طلبات أوامر الاعتقال وسط ترحيب كبار المسؤولين الإسرائيليين، قبل أن تنقل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية -أمس- عن مسؤولين بريطانيين لم تسمهما قولهما إن من المتوقع أن تسحب لندن بقيادة ستارمر نهاية الأسبوع الجاري اعتراضها على مذكرة الاعتقال تلك.
وتتحدى "إسرائيل" طلب المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان -في مايو/أيار الماضي- إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على خلفية اتهامات عدة، بينها ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" في غزة.
وتشنّ "إسرائيل" بدعم أمريكي حربا مدمرة على غزة خلفت قرابة 129 ألف شهيد وجريح فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
ويواصل الاحتلال حربه متجاهلا قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا وأوامر العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
وللعام الـ18 يحاصر كيان الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة، وأجبرت حربه نحو مليونين من سكانه -البالغ عددهم نحو 2.2 مليون فلسطيني- على النزوح في أوضاع كارثية، مع شحّ شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء.