الوقت - فشل الکيان الإسرائيلي في توقع ومنع عملية طوفان الأقصى في الـ7 من أكتوبر 2023، رغم أنه وجّه ضربةً كبيرةً لهيبة وصورة الکيان الأمنية، إلا أن تبادل إطلاق النار بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، يمكن اعتباره ثاني أهم حدث في الحرب الأخيرة، والذي ألحق أضراراً جسيمةً بالکيان الإسرائيلي.
ووفقاً لإحصائيات معهد دراسات الأمن الداخلي الإسرائيلي، فإن حزب الله اللبناني نفّذ حتى الآن 1128 هجوماً ضد المواقع الصهيونية، وبالإضافة إلى ذلك، قُتل 30 إسرائيليًا نتيجةً لهذه الهجمات، ولم ينشر الإسرائيليون إحصائيات دقيقة عن عدد المصابين.
کما قُتل جندي إسرائيلي هذا الأسبوع وأصيب ما لا يقل عن 12 آخرين، في هجوم بطائرة دون طيار تابعة لحزب الله اللبناني على المناطق الشمالية من الأراضي المحتلة في "حرفيش"، هذا الجندي القتيل هو الرقيب رافائيل كاودريس، وهو عضو في الكتيبة 5030 من لواء ألون.
خلال هذه العملية، لم يتم إطلاق أي إنذار، وحتى تنفيذ الهجوم، لم يلاحظ جنود الاحتلال وجود طائرات مسيرة للمقاومة في المنطقة، وقد لعب هذا دورًا مهمًا في ارتفاع عدد الضحايا في هذا الهجوم، ويقال إن بعض الجرحى في حالة خطيرة، وإن عدد القتلى في عملية المقاومة هذه قد يرتفع.
وبعد العمليات التخريبية التي نفّذها الکيان الإسرائيلي في سوريا، والتي أدت إلى استشهاد مستشار عسكري إيراني، تكثفت هجمات المقاومة الإسلامية في لبنان ضد المواقع الصهيونية.
معادلة الردع الجديدة
منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما بدأ تبادل إطلاق النار بين المقاومة الإسلامية في لبنان والکيان الإسرائيلي، توقف هذا الاتفاق في فترة 7 أيام فقط (وقف مؤقت لإطلاق النار).
في الأشهر الأولى من الحرب، أدت عمليات حزب الله، التي منعت الجيش الإسرائيلي من التركيز علی مهاجمة قطاع غزة بكل قواته، إلى إرسال ثلث جيش هذا الکيان إلى الحدود الشمالية.
ومن ناحية أخرى، أدى تبادل إطلاق النار بين الجانبين، إلى جعل القطاع الشمالي من حدود الكيان الصهيوني خارج نطاق سيطرة هذا الکيان بشكل كامل، واضطروا إلى إخلاء 120 مستوطنة في هذه المنطقة.
وبلغ إجمالي عدد المستوطنين الذين تم إجلاؤهم في المرحلة الأولى من الحرب في الحدود الشمالية، أكثر من 120 ألف شخص، وبعد أكثر من 7 أشهر من الحرب، لا تزال 50 مستوطنة في حالة إخلاء، وتبقى إدارة حياة ومعيشة أكثر من 66 ألف صهيوني علی عاتق حكومة بنيامين نتنياهو.
وفي هذا الصدد، اعترف كوبي ماروم، العقيد الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي، مؤخرًا على القناة التليفزيونية 13 الإسرائيلية: "لقد فقدت حكومة الحرب الإسرائيلية الشمال"، وقال أيضًا: إن "إسرائيل" تواجه قضيةً أمنيةً استراتيجيةً، وهي "حرب استنزاف جديدة".
وأضاف ماروم: "باعتباري من سكان المنطقة الشمالية، أعتقد أن حكومة الحرب على الجبهة الشمالية فشلت ضد حزب الله، وحرب الاستنزاف التي نواجهها على هذه الجبهة ستستمر لأشهر، وستكون بمثابة أزمة أمنية استراتيجية".
وتابع: "أعتقد أن التصرفات السياسية للحكومة وتبادل إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي، لا توفر الظروف اللازمة لعودة 70 ألف نازح من منازلهم، ولم يتخذ الشمال ومجلس الوزراء الحربي قراراً حاسماً فيما يتعلق بالهدف، وهو القضاء على تهديد حزب الله".
وفي السياق ذاته، انتقد أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب السابق في الکيان الصهيوني، إدارة الحرب، وقال منذ فترة: "في الجبهة الجنوبية (غزة) نشهد الفوضى والركود، وفي الجبهة الشمالية" (لبنان) نعيش الاستسلام والذل، والحرب الوحيدة المستمرة هي الحرب داخل مجلس الوزراء".
يبدو أن ما تم طرحه كمفهوم "وحدة الساحات" من قبل مختلف أجزاء محور المقاومة، يظهر الآن إنجازاته بوضوح أكبر، حيث فرضت إجراءات حزب الله اللبناني معادلة ردع جديدة على الکيان الصهيوني.
ومن الناحية العملية، لم يتمكن الکيان الإسرائيلي من تغيير هذه المعادلة، ومن خلال هجماته العديدة على لبنان، لم يتمكن من صدّ حزب الله أو حتى إعادة السلام والأمن إلى القطاع الشمالي، وبهذا يبدو أن ثغرةً جديدةً ظهرت في الجانب الإسرائيلي، ستؤثر على المعادلات والصراعات المستقبلية من الآن فصاعداً.
وبعيداً عن الضغوط الاقتصادية التي تسببها الحياة، يعيش نصف المستوطنين النازحين في 180 فندقاً، والنصف الآخر يعيش في منازل مستأجرة، ويحصلون على مخصصات شهرية قدرها 6000 شيكل (1650 دولاراً).
وحقيقة أن هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 70 ألفاً، لم يتمكنوا من العودة إلى أماكن إقامتهم بعد 7 أشهر من القتال، تظهر استمرار الأزمة الأمنية في الأراضي المحتلة.
وهکذا، كلما انخرط الکيان الإسرائيلي في جبهة أخرى، فإن حزب الله اللبناني سوف يعطل تركيز هذا الکيان ويجبره على التراجع، من خلال بدء تبادل إطلاق النار.
وتتجلى هذه الأزمة بشكل أكثر وضوحاً على طول الحدود الشمالية للکيان الصهيوني مع لبنان، حيث نشهد، على عكس جبهة غزة، حرباً واسعة النطاق.
لأنه من ناحية، في الجبهة الشمالية، لم تصل حدة الصراعات إلى مستوى الحرب، ولم يحدث سوى تبادل إطلاق النار من خلال الهجمات الصاروخية، ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من استمرار هذا التهديد من حزب الله اللبناني، فقد اكتفى الکيان الصهيوني بهجمات صاروخية متبادلة، وبعض الضربات الجوية في الأشهر السبعة الماضية.
وبشكل عام، فإن تصرفات الجيش الإسرائيلي في الجبهة الشمالية خلال الأشهر التي مرت على الحرب، لم تتمكن من إعادة السلام إلى المستوطنات الشمالية، وإحياء قوة ردع الکيان الصهيوني ضد المقاومة الإسلامية في لبنان.