الوقت- في ظل حالة الفوضى التي نشأت على المستوى السياسي والعسكري للكيان الصهيوني واحتدام الخلافات بين قيادات هذا الكيان في خضم حرب غزة، نُشر قبل أيام مقطع فيديو يظهر فيه جندي إسرائيلي يدعو إلى التمرد على كل الأطراف التي تقف مع مخالفي بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وآرائه السياسية غداة حرب غزة.
التمرد العسكري في الجيش الصهيوني في منتصف الحرب
وفي المقطع المذكور، دعا هذا الجندي الإسرائيلي إلى التمرد على يوآف غالانت، وزير الحرب في حكومة الاحتلال، واستخدام السلاح ضد معارضي سياسات نتنياهو في حرب غزة، ويأتي نشر هذا المقطع في ظل الوضع الحالي الذي وصلت فيه الخلافات بين القادة العسكريين والسياسيين لكيان الاحتلال إلى ذروتها، كما أن الصهاينة، وخاصة عائلات الأسرى الإسرائيليين، غاضبون بشدة من نتنياهو وحكومته وزادت الضغوط عليهم لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى من غزة، ما أدى إلى زيادة الفوضى في المجتمع الإسرائيلي ونشر الخوف والقلق بين الصهاينة، وصاحب ذلك رد فعل السلطات السياسية والعسكرية لهذا الكيان.
ظاهريا، قد يبدو أن نشر هذا المقطع وطلب جندي إسرائيلي في الجيش التمرد على المعارضين لسياسات نتنياهو يعني ولاء الجنود الإسرائيليين لرئيس وزراء هذا الكيان، لكن أوساطاً عبرية وخبراء يرون أن هناك العديد من الأهداف الخفية وراء ذلك، فهذا المقطع له علاقة مباشرة بنتنياهو.
وفي السياق نفسه، قال أرييه شبيت، الخبير الصهيوني والكاتب في صحيفة ماركور ريشون، في إشارة إلى نتنياهو وحكومته: إن من يريد إدخال "إسرائيل" في تمرد عسكري كارثي في هذا الوضع وفي خضم الحرب الوجودية التي وقعت فيها "إسرائيل" الآن، يتعين عليهم أن يتحملوا المسؤولية عن العواقب المترتبة على العصيان المدني المدمر.
وبطبيعة الحال، فإن مناقشة التمرد العسكري في الجيش الصهيوني ليست قضية جديدة، وخاصة منذ أن بدأ بنيامين نتنياهو وحكومته العمل بسياساتهم المتطرفة، وقد أثيرت مناقشة التمرد العسكري في الجيش الإسرائيلي عدة مرات، ولكن في الفترة الحالية وفي منتصف حرب غزة، مثل هذا الحديث، يشير إلى وجود أهداف خفية خلف ستارها، نحن هنا نتحدث عن 100 ألف جندي احتياطي مسلح إسرائيلي يخططون لتمرد عسكري ويهددون وزير الحرب في هذا الكيان إما بإطاعة نتنياهو أو الاستقالة والرحيل.
وقال يائير لابيد، رئيس المعارضة في الكيان الصهيوني، عن نشر هذا المقطع: "على مر التاريخ، عادة ما تدعو التيارات المتعارضة والمعارضة إلى الفوضى، لكن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها حكما وتأسيسا يسعى عمدا إلى الفوضى، المقطع الذي تم نشره هو ما كان يبحث عنه مكتب نتنياهو وهو يعبر عن موقف نتنياهو.
كفاح نتنياهو للبقاء في السلطة حتى على حساب تدمير الجيش الإسرائيلي
وترى أوساط وخبراء إسرائيليون أن نشر مقطع العصيان العسكري في الجيش الإسرائيلي هو في الواقع رسالة من نتنياهو بأنه لن يرضخ لأي ضغوط داخلية أو خارجية ومستعد للقتال من أجل بقائه السياسي والبقاء في السلطة حتى، والتضحية بالجيش الإسرائيلي الذي هو العمود الفقري للمشروع الصهيوني؛ حتى لو كان الثمن هو حرب أهلية في المجتمع اليهودي وتدمير الجيش الإسرائيلي.
منذ تشكيل الكيان الصهيوني المزيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحتى قبل ذلك، حاول قادة الحركة الصهيونية والسلطات الإسرائيلية دائمًا إبعاد جيش هذا الكيان عن الخلافات السياسية الداخلية، وفي وثيقة الجيش الإسرائيلي في عام 2015، تم التأكيد على أن رئيس أركان الجيش يعتبر القائد الأعلى للجيش ولا يحق لأي سلطة سياسية أخرى التدخل في شؤون الجيش، ووفقاً لهذا فإن وزير الحرب هو أيضاً مسؤول سياسي وهو حلقة الوصل بين مجلس الوزراء والجيش الإسرائيلي نيابة عن رئيس الأركان.
فوضى في الجيش الإسرائيلي
ولهذا السبب يتحدث الكثير من الناس عن الفوضى في الجيش الإسرائيلي اليوم، وتم نشر مقطع التمرد العسكري في الجيش الإسرائيلي في وقت تزايدت فيه الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو لإنهاء الحرب وتقديم خطة مفصلة وشاملة لليوم التالي للحرب، كما أصدروا أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو وجالانت، في الوقت نفسه، اعترفت عدة دول أوروبية بدولة فلسطين، ولا يزال الجدل حول الاعتراف بدولة فلسطين على المستوى الدولي يتزايد.
كل هذه الحالات تظهر أن نشر المقطع المذكور هو عمل ذو معنى من جانب نتنياهو، الذي لا يرغب في التنحي عن السلطة بأي ثمن، ويطيل أمد حرب الاستنزاف في غزة لهذا السبب.
نتنياهو يكافح للهروب من مستنقع غزة
يدرك نتنياهو جيداً الآن مستوى غضب الرأي العام الإسرائيلي ضده، ويعلم أن المزيد من الضغوط والمظاهرات ستأتي ضده، ويتفاقم هذا الوضع عندما تحشد المعارضة الإسرائيلية ومعارضو نتنياهو جهودهم للإطاحة به؛ في الوقت الذي تبدو فيه حكومة الحرب الإسرائيلية غير فعالة عملياً، ويبدو أن بيني غانتس وجادي آيزنكوت، كبار أعضاء هذه الحكومة، سيغادرون قريباً.
نتنياهو نفسه يعرف جيداً أنه فشل فشلاً ذريعاً في الإدارة الاستراتيجية للحرب، وليس لديه رؤية لليوم التالي للحرب في غزة، كما يعتبر الصهاينة نتنياهو مسؤولا عن الفوضى الحالية في المجتمع الإسرائيلي، وكذلك الجيش ودخوله مستنقع غزة دون تحقيق أي من أهداف "إسرائيل".
نتنياهو، الذي وضع تدمير حماس وعودة الأسرى الإسرائيليين من غزة على رأس أهدافه الحربية، أصبح الآن في وضع يرى فيه أن قوات حماس لا تزال موجودة في غزة بقوة أكبر من ذي قبل.
ومن ناحية أخرى، لم يقتصر الأمر على عدم تمكن "إسرائيل" من إعادة أسراها السابقين من غزة، بل تمكن المقاومون الفلسطينيون في كتائب القسام التابعة للذراع العسكري لحركة حماس من قتل عدد من الجنود الصهاينة وأسر بعضهم في عملية عسكرية قبل أيام، ما يعني زيادة في عدد الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، ونتيجة لذلك تصبح أوراق الفلسطينيين أقوى في أي مفاوضات محتملة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
ويتعمق هذا المستنقع الذي وقع فيه نتنياهو عندما يدرك أن غالانت يقوم سراً بتحركات للإطاحة به (نتنياهو)، وقد حاول غالانت، بالإضافة إلى إقامة علاقات واسعة مع الأمريكيين، ترسيخ نفسه كشخصية مستقلة تماماً عن نتنياهو.
يُذكر أن يوآف غالانت كان ضد نتنياهو في العديد من القضايا من قبل، بما في ذلك عندما ناقش نتنياهو وبعض وزرائه تغييرات قضائية، ما أدى إلى فوضى واسعة النطاق في صفوف الصهاينة، لذا فإن نتنياهو يشعر بعدم الأمان الشديد بشأن موقفه ويخشى أن يقوم جالانت ومعارضوه الآخرون بحل حكومته قريباً، وبناء على ذلك، فإن نشر مقطع التمرد العسكري في الجيش الإسرائيلي لا يمكن اعتباره منفصلا عن سعي نتنياهو للبقاء في السلطة حتى على حساب تدمير الجيش الإسرائيلي.
