الوقت- في تطور جديد للأحداث، طلبت "إسرائيل" من السلطة الفلسطينية المساعدة في إدارة معبر رفح، في خطوة تثير العديد من التساؤلات حول الدوافع والنتائج المحتملة لهذا الطلب، حيث إن هذا الحدث يحمل في طياته أبعادًا سياسية وأمنية وإنسانية تستدعي النظر فيها بعمق، وشهدت منطقة رفح توترات مستمرة نتيجة للعمليات العسكرية والسياسية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
معبر رفح، يعد المنفذ الرئيسي لسكان غزة إلى العالم الخارجي، وتعرض للإغلاق المتكرر، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، ويأتي طلب الاحتلال الإسرائيلي من السلطة الفلسطينية للمساعدة في إدارة المعبر كجزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى محاولة تقليص سيطرة حركة حماس على القطاع وتعزيز دور السلطة الفلسطينية في إدارة الشؤون اليومية باعتبارها تابعة لتل أبيب.
محاولة لتغيير التوازنات
من الناحية السياسية، يبدو أن "إسرائيل" تسعى إلى تغيير التوازنات القائمة في غزة، ورغم إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرارًا وتكرارًا رفضه العمل تحت الحكم الإسرائيلي، فإن الطلب الإسرائيلي الحالي يأتي كمحاولة لإشراك السلطة الفلسطينية في إطار غير رسمي، وهو ما يعكس تعقيدات العلاقات الداخلية الإسرائيلية والفلسطينية، وهذا الطلب يعكس أيضًا ضغوطًا دولية، ولا سيما من الولايات المتحدة، على الأطراف المختلفة للتوصل إلى حلول عبر مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة معبر رفح، والتي قد توفر لـ"إسرائيل" غطاءً دوليًا يسمح لها بتخفيف الانتقادات المتعلقة بالحصار المفروض على غزة.
وأمنيًا، يهدف الاحتلال الإسرائيلي من خلال إشراك السلطة الفلسطينية إلى تقويض نفوذ حماس وإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية في القطاع، رئيس الشاباك، رونين بار، أجرى محادثات مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، مؤكداً على ضرورة إعادة فتح معبر رفح بأسرع وقت ممكن، ولكن بشرط عدم عودة حماس إلى السيطرة، وخاصة أن إغلاق معبر رفح أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث انخفضت كميات المساعدات الإنسانية بشكل حاد، ما زاد من معاناة السكان المحليين، وإعادة فتح المعبر بمساعدة السلطة الفلسطينية قد تساهم في تحسين الأوضاع ولكن من جهة استهداف الوحدة الفلسطينية ومحاربة حماس، ناهيك عن التحديات السياسية والأمنية المرتبطة بهذا القرار.
وهذا الطلب أثار ردود فعل متباينة، فالسلطة الفلسطينية وضعت شرطًا لإعادة النظر في تعاونها، يتمثل في الإفراج عن عائدات الضرائب المحتجزة، وهو ما يعكس مدى تعقيد العلاقات المالية والسياسية بين الجانبين، وهذا الشرط قد يشكل عقبة أمام تنفيذ الخطة الإسرائيلية، ولكنه أيضًا يبرز قدرة السلطة الفلسطينية على استخدام أوراق ضغط في التفاوض، كما أن طلب الاحتلال الإسرائيلي مساعدة السلطة الفلسطينية في إدارة معبر رفح يمثل خطوة جديدة وخطيرة في محاولات إعادة ترتيب الأوراق في قطاع غزة وفقط لمصلحة الكيان، وهذا الطلب يعكس تعقيدات السياسة الداخلية الإسرائيلية والضغوط الدولية، كما يبرز التحديات الأمنية والإنسانية المرتبطة بالوضع في غزة، والأيام القادمة ستكشف مدى قدرة الأطراف المختلفة على التوصل إلى حلول وسطى تسهم في تخفيف حدة التوترات وتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع، على شرط ألا تكون ضد مصلحة الفلسطينيين ووحدتهم.
وبموجب هذه الخطط، يُعتقد أن ماجد فرج، قائد الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، سيلعب دورًا حاسمًا في تنفيذ هذه الإستراتيجية، التي تتضمن مراحل متعددة تهدف ظاهريا فقط إلى تحقيق الأمن الشامل في قطاع غزة، وتشتمل الخطة على جمع معلومات استخباراتية من داخل غزة قبل العملية الإسرائيلية الأخيرة، ما يدل على وجود تخطيط دقيق يهدف إلى ضبط الوضع داخل القطاع لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
خطوة إسرائيلية ضد حماس
تُظهر التقارير أن تل أبيب قدمت تعهدات للولايات المتحدة ومصر بأن العملية العسكرية في رفح ستكون محدودة، ما يعكس تركيز الجهود على السيطرة على المعبر دون إحداث أضرار كبيرة في البنية التحتية، ومن المتوقع أن تؤثر هذه الخطوة في حال تمت بشكل كبير على قدرات حماس في القطاع، حيث ستفقد إدارة توزيع المساعدات القادمة من مصر، وعلى الرغم من هذه الخطط المثيرة للجدل، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى نجاح هذه المبادرات في مواجهة عزيمة المقاومة الفلسطينية، والواقع يشير إلى أن حماس ما زالت قوية وتواصل قيادة القطاع، ما يؤكد أن الحلول العسكرية لن تكون كافية لإنهاء الصراع، ويرى بعض المحللين أن هذه الخطط قد تكون محاولة للهروب من تحقيق وقف دائم للحرب.
والوضع في قطاع غزة معقد للغاية ولا يمكن حله بسهولة، وخاصة مع تعقيد الأمور من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ويتطلب التحقيق في هذه التطورات فهمًا عميقًا للديناميات السياسية والأمنية للاحتلال في المنطقة، يجب على الدول توجيه جهودها لإيقاف الحرب وحل الصراع بشكل دائم وشامل، وإن تطبيق الخطط الإستراتيجية للسيطرة على معبر رفح يمثل تحديًا كبيرًا وعرقلة للجهود الإغاثية في ظل الأزمة الإنسانية الحادة في القطاع.
وبالتزامن مع تعقيدات الوضع السياسي والأمني في المنطقة، تحاول تل أبيب قطع التواصل بين سكان غزة وحركة حماس التي تتمتع بشبكة دعم شعبي محلية قوية، حيث يُعد معبر رفح شريان حياة حيوي، وأي عرقلة لهذا المعبر تنذر بكارثة إنسانية خطيرة، ما يزيد من التحديات التي تواجه أي محاولة للسيطرة عليه بهدف الضغط على حماس وتسليم السلطة الفلسطينية التي تفتقر للشعبية في غزة.
وفي ضوء الخطوات المقترحة، يبدو أن التعاون بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" والشركة الأمنية الأمريكية لن يوفر فرصة فعالة لإدارة المعبر، بل سيزيد من تعميق الخلافات والمواجهات مع السلطة، ومن المؤكد أن هذا التعاون سيثير احتجاجات وانتقادات داخلية في فلسطين، وخاصة في غزة، حيث ستُعتبر هذه الخطوة تعزيزًا للانقسام الفلسطيني وتجاهلاً لرغبات سكان القطاع.
ومن الجدير بالذكر أن أي إستراتيجية لإدارة معبر رفح يجب أن تراعي رغبات السكان واحتياجاتهم الإنسانية، حيث تعتمد العديد من السلع والخدمات على حركة المرور عبر المعبر، لذلك، ينبغي أن تتضمن الخطط المستقبلية ضمان استمرار تدفق المساعدات والسلع الضرورية بشكل فعال ودون تعطيل، بعيدًا عن تدخلات السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، لضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة لسكان غزة الذين يعانون من آثار الحصار والدمار الإسرائيلي.
ومن الواضح أن التحديات المتعلقة بالتحكم في معبر رفح تأتي ضمن سياق إسرائيلي أوسع يهدف إلى مضاعفة التوترات السياسية والصراعات الإقليمية، لذا، يتوجب على السلطة الفلسطينية البحث عن حلول دائمة وشاملة للوضع في قطاع غزة وليس العكس، بدلاً من الانخراط في خطط قد تزيد من تعقيد الأوضاع، يجب أن يشمل ذلك تعاونًا دوليًا وإقليميًا يركز على دعم جهود حماس لتلبية الاحتياجات الإنسانية وتحقيق الاستقرار والسلام، وهو ما ترفضه تل أبيب ومن يدعمها.
نتيجة لكل ذلك، يشير الوضع إلى رغبة الكيان بالضغط على حماس ومحاربتها لكن المشروع الإسرائيلي للسيطرة على المعبر غير قابل للتنفيذ، وخاصة مع سجل السلطة الفلسطينية ومحمود عباس فيما يتعلق بمعاملتهم لأهالي غزة والضفة الغربية، ويعتقد الفلسطينيون في قطاع غزة أن أي محاولة لتنفيذ هذا المشروع لن تلقى قبولًا وستواجه بمقاومة قوية، وتلك العوامل وغيرها تجعل من الصعب على السلطة الفلسطينية تلبية طموحات الفلسطينيين وتحقيق مطالبهم الوطنية بشكل فعال.