الوقت- بالتزامن مع ردود الفعل الحادة للفصائل والرأي العام الفلسطیني علی القرارات الأمنیة الخاصة بالمسجد الأقصی في شهر رمضان المبارك، حذر مسؤولون أمنیون إسرائیلیون من أن هذا القرار قد یحول الحرب مع حماس إلی "حرب مع المسلمین کافة".
وقالت مصادر إعلامية: إن إعلان الخطة الصهیونیة الأمنیة للمسجد الأقصی في شهر رمضان المبارک بخصوص تشدید القیود علی المصلین الفلسطینیین يثیر جدلا کبیرا وردود أفعال غاضبة وواسعة النطاق من قبل الفلسطینیین، کما أعرب الصهاینة عن قلقهم من تدهور الوضع الأمني، وخاصة أنه بالإضافة إلی سکان الضفة الغربیة، فالقرار ایضا یشمل جمیع العرب والمستوطنیین في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
وجاء هذا القلق بعد أن ذکرت القناة ثلاثة عشر الإسرائیلیة، الإثنین الماضي أن نتنیاهو وافق علی خطة لتقیید دخول الفلسطینیین إلی المسجد الأقصی خلال شهر رمضان، بناء علی طلب إیتامار بن غفیر المتشدد ووزیر الأمن الإسرائیلي.
وحسب ما تناقلته وکالات الأنباء العالمیة والمحلیة فقد تم اتخاذ هذا القرار بعد جلسة مجلس الوزراء الإسرائیلي یوم الأحد المنصرم، وبحضور کبار مسؤولي المؤسسات الأمنیة التابعة للنظام الإسرائیلي وذلک لإجراء مشاورات أمنیة قبل شهر رمضان المبارك، والتي تقرر خلالها، بالإضافة إلی القیود السابقة، فقد أضاف النظام الإسرائیلي معاییر جدیدة لدخول المصلین إلی المسجد الأقصی بناء علی التعلیمات الصادرة عن شرطة النظام.
علما أنه لم یتم تحدید القرار النهائي في هذا الشأن بشکل کامل بعد، وقد أعلن بیني غانتس وزیر الحرب في النظام، أن المشاورات الأمنیة لا تزال مستمرة.
تکهنات حول خطة بن غفیر الأمنیة
لم یعلن مجلس الوزاء عن خطة بن غفیر لکن وسائل إعلام داخلیة تابعة للنظام الصهيوني، نقلا عن مصادرها في مجلس الوزراء والمؤسسات الأمنیة، ذکرت تفاصیلها خلال الیومین الماضیین.
کما أعلنت هیئة الإذاعة والتلفزیون الإسرائیلیة – الإثنین- أن الأجهزة الأمنیة سترفع توصیاتها إلی مجلس الوزراء بشأن طبیعة القیود المفروضة علی دخول المصلین إلی المسجد الأقصی خلال شهر رمضان.
وأعلنت السلطات الإسرائیلیة أن هذا الإجراء سیتم تطبیقه في الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، وفي نهایته سیتم اتخاذ قرار بشأن إذا ما کانت هذه الآلیة ستستمر في العمل أو تضاف إلیها قیود آخری.
وجاء في التقاریر الإخبارية التابعة لتلفزیون النظام الإسرائیلي أن الشرطة الإسرائیلیة تقدمت بمقترح لمنع الرجال الذین تقل أعمارهم عن أربعین سنة من دخول المسجد الأقصی خلال شهر رمضان فضلا عن تحدید السن المسموح به للأطفال والنساء.
کما اقترحت الشرطة، حسب ما صرح به تلفزیون النظام الصهيوني، نشر قوات مسلحة في باحة المسجد الرئیسیة خلال شهر رمضان المبارك، بهدف إحباط أي محاولة حسب ما وصفها بالـ"استفزازیة"، أو رفع أعلام حماس.
في غضون ذلك قالت بعض وسائل الإعلام: إن الشاباک وجیشه یقترحان السماح فقط للفلسطینیین الذین تبلغ أعمارهم خمسة وأربعين سنة فما فوق بدخول المسجد الأقصی، بینما تعتقد الشرطة الإسرائیلیة أنه من الأفضل ألّا یسمح إلا للأشخاص الذین تزید أعمارهم على الستين عاما بالدخول.
وذکرت وکالات الأنباء العالمیة أیضا أن بن غفیر یطالب سکان الضفة الغربیة بعدم دخول المسجد الأقصی إلا من تجاوز سنه السبعين عاما فما فوق بالنسبة للعرب الذین یعیشون في الأراضي المحتلة.
منذ بدایة حرب النظام الإسرائیلي المدمرة علی قطاع غزة في السابع من تشرین الأول / أکتوبر، فرض الصهاینة قیودا مشددة لمنع وصول الفلسطینیین إلی المسجد الأقصی – ولا سیما في أیام الجمعة- تزامنا مع تصاعد الهجمات علی الضفة الغربیة.
المسجد الأقصی هو ثالث أقدس الأماکن في الإسلام، وهو أساس الصراع بین كيان الإحتلال الإسرائیلي والفلسطینیین، بینما أطلق الإسرائیليون " الیهود" علی المسجد الأقصى اسم "جبل الهیکل" ویعتبرونه أقدس الأماکن لدیهم.
إن القوات العسکریة الصهیونیة المحتلة تسیطر منذ فترة طویلة علی المسجد الأقصی وتفرض لمن یرید الدخول إليه قوانین صارمة ومشددة، ومن الجدیر بالذکر هنا أن المسجد الأقصی یقع تحت ولایة الأردن وفقا للاتفاقیات الدولیة، ولکن مع تشکیل حکومة نتنیاهو ومع بدء – عاصفة الأقصی- تزایدت اعتداءات الجنود الصهاینة علی المستوطنین الفلسطینیین والمسجد الأقصی وتزایدت المضایقات بحق المصلین الفلسطینیین بشکل کبیر.
وحسب البیانات، تسارعت وتیرة العنف ما أدی إلی مقتل أکثر من ثلاثمئة وتسعة وتسعين فلسطینیا علی ید الجیش الإسرائیلي کما ذکرت وزارة الصحة الفلسطینیة.
غضب الفلسطینیین واسع النطاق هو بسبب تهوید القدس
أثار الإعلان عن تشدید الإجراءات الأمنیة علی المصلین في المسجد الأقصی خلال شهر رمضان المبارك، موجة ردود فعل غاضبة بین المقاومة الفلسطینیة وعامة الفلسطینیین، ونقلت وکالات الأنباء عن المجلس الأعلی للافتاء الفلسطیني والشیخ عکرمة صبري خطیب المسجد الأقصی، أن قرار منع المسلمین من دخول المسجد الأقصی " باطل ومتعارض مع الحریات الإنسانیة والدینیة" وحذر من نشوب حرب دینیة، کما دعا المجلس الأعلی للافتاء في فلسطین علی من یستطیع الوصول إلی المسجد الأقصی التوجه إلیه وحمایته، کما أشار هذا المجلس إلی أن قرار "إسرائیل" في إخلاء المسجد من المصلین یأتي متماشیا مع خطة تهوید القدس.
کذلک أدانت حرکة المقاومة الإسلامیة (حماس) قرار الکیان الإسرائیلي في وضع الشروط والعراقیل لمنع وصول المسلمین للمسجد الأقصی، خلال شهر رمضان المبارك.
وأعلنت حرکة حماس في بیان لها أن قبول نتنیاهو لاقتراح الوزیر الصهیوني المتطرف بن غفير بالحد من دخول الفلسطینیین إلی المسجد الأقصی خلال شهر رمضان المبارك، هو توسیع للجریمة الصهیونیة والحرب الدینیة التي یشنها المستوطنون المتطرفون ضد الشعب الفلسطیني.
واعتبرت حرکة حماس انتهاک حریة العبادة في المسجد الدقصی مؤشرا علی نیة الغزاة لتکثیف هجماتهم علی المسجد الأقصی في شهر رمضان.
ودعت "حرکة حماس" في بیان لها الشعب الفلسطیني في الأراضي المحتلة والقدس والضفة الغربیة إلی رفض هذا القرار الإجرامي ومقاومة همجیة المحتلین، کما حذرت "حماس" الصهاینة من المساس بالمسجد الأقصی أو تقیید حریة العبادة فیه.
من جهتها أعلنت الجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین أیضا أن قرار نظام الاحتلال الإسرائیلي منع أهلنا من دخول المسجد الأقصی خلال شهر رمضان هو جزء من حرب العدو الإسرائیلي الشاملة لإنهاء وجود شعبنا بالتدمیر والتهجیر وحصار الأماکن المقدسة وتوسیع الاستیطان الإسرائیلي.
وأکدت هذه الجبهة أن لا خیار أمام شعبنا سوی الدفاع عن وجوده ومواجهة هذا الحقد الأعمی والجرائم الوحشیة في قطاع غزة والضفة الغربیة والتي تعاني من الغطرسة والجور والظلم والتعسف من قبل العدو الإسرائیلي منذ عام "1948"، وذلك من خلال تکثیف المقاومة بکل أشکالها.
وأکد البیان علی التحذیر لجمیع الفصائل الفلسطینیة من خطط النظام الإسرائیلي الشریرة لتغییر وضع المسجد الأقصی والإسراع في تهویده بذریعة المخاوف الأمنیة والذي بدأت أول مظاهرها الآن علی لسان وزیر المالیة الإسرائیلي " سموتریش بتسلئیل" الذي قال لصحیفة معاریف" إن تقیید الدخول إلی المسجد الأقصی فرصة عظیمة وهو تغییر للاتجاه".
المسجد الأقصی "مفتاح الحرب والسلام"
تزامنا مع ردود الفعل الحادة للفصائل والرأي العام الفلسطیني علی قرارات النظام الصهيوني الأمنیة الخاصة بالمسجد الأقصی خلال شهر رمضان المبارك، حذر مسؤولون أمنیون إسرائیلیون من أن هذا القرار قد یحول الحرب مع حماس إلی (حرب ضد جمیع المسلمین) ویعرض أمن "إسرائیل" للخطر، وإن جهاز الأمن التابع للکیان الصهیوني حذر من أن المسجد الأقصی سیوحد المسلمین ضد "إسرائیل".
وحسب تقریر وکالات الأنباء فإن جهاز الأمن العام الإسرائیلي وصف ما یحدث من أوضاع حرجة في مدینة القدس وثمانیة وأربعين مدینة أخری، من مناطق الأراضي المحتلة منذ عام "1948" بأنه أخطر من الانقلاب الأمني في الضفة الغربیة.
وفي السیاق نفسه ذکرت إذاعة العدو الصهیوني أن الجیش وجهاز الأمن الداخلي" الشاباک" لم ینجحا في تنفیذ اقتراح بن غفیر بسبب الخوف من تصاعد التوتر في القدس (بیت المقدس) والضفة الغربیة وتخوفا من حصول اضطرابات واسعة داخل الكيان الإسرائیلی.
وتأکیداً لهذه المسألة، یری المحللون السیاسیون الفلسطینیون کـ (زید الأبوي) أن الإجراءات التي تنوي "إسرائیل" تنفیذها ستؤدي إلی تصعید التوتر في کل مدن الضفة الغربیة، وذلک لأن الإجراءات الجدیدة من قبل الإسرائیلیین تمثل اعتداء علی الحقوق الدینیة.
ویؤکد هذا البیان أن حکومة نتنیاهو الیمینیة تتعمد توسیع الحرب إلی الضفة الغربیة من أجل البقاء في السلطة والبروز علی الساحة السیاسیة، وخاصة في ظل الضغوط التي یمارسها الإسرائیلیون لإلقاء اللوم علی الفشل في إطلاق الرهائن في السابع من أکتوبر.
وأکد البيان أن المسجد الأقصی هو مفتاح الحرب والسلام بین الإسرائیلیین والفلسطینیین، وأوضح أن الانتفاضتین الفلسطینیتین الأولی والثانیة، وکذلک الحروب التي شهدها قطاع غزة في السنوات الأخیرة معظمها لها علاقة بتهوید المسجد الأقصی وجاءت هذه القیود علی المصلین استمرارا لذلک النهج الخبیث.
وفي هذا الصدد حذر رئیس القضاء الفلسطیني ومستشار الرئیس للشؤون الدینیة والعلاقات الإسلامیة الدکتور محمود الهابش، في الحدیث لـ" الوقت" من مغبة هذا القرار ووصفه بمحاولة إسرائیلیة في إشعال حرب دینیة لیس في فلسطین فحسب بل في المنطقة کلها وربما في العالم أجمع وأضاف:" إن تم تنفیذ هذا القرار فلن یکون عابرا وستکون له عواقب خطیرة وسیتسبب في تأجیج الأوضاع".
وأکد الهابش: بالنسبة لنا الفلسطینیین والعرب والمسلمین کافة المسجد لیس مجرد مسجد ومکان، بل هو رمز للهویة الدینیة والحضاریة، ولذلک فإن الشعب الفلسطیني لن یسمح باتخاذ مثل هذا القرار.
وطالب الهابش بالتدخل الفوري من الدول العربیة والدولیة قبل وقوع کارثة الحرب الدینیة التي سببتها سیاسة "إسرائیل" المتغطرسة واذا لم تنفجر الآن فسوف تنفجر في أي لحظة وسیدفع العالم الإسلامي ثمنها.