الوقت - موجة انتقادات واسعة يواجهها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إذ إن هذه الانتقادات التي تدور حول ملفات شائكة عديدة منها: تحمُّل المسؤولية في الهجوم، وملف الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، ومساعدة أهالي مستوطنات غلاف غزة، تزداد مع كل يوم يمر من الحرب التي شنَّها الاحتلال على قطاع غزة.
خلافات قيادات الكيان حول الحرب والأسرى
تتطرق وسائل الإعلام التابعة لكيان الاحتلال إلى وجود خلافات مستمرة بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وقد اتّسعت حدة هذه الخلافات داخل الحكومة ومجلس الحرب الإسرائيليين، بعد مرور أكثر من 100 يوم من الحرب على قطاع غزة، وتتعلق تلك الخلافات بكيفية إدارة الحرب على القطاع، وما بعد الحرب، إضافة إلى محاولات نتنياهو المتكررة تحميل الجيش مسؤولية الحرب على القطاع.
نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط، مايك ملروي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" في ديسمبر الماضي قال: "إنه بعد هجمات 7 أكتوبر، أنشأت "إسرائيل" ما تسمى حكومة الحرب التي تجمع كبار قادة الأحزاب السياسية المعارضة، وشمل ذلك بيني غانتس، وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي"، موضحاً أن "هناك انقساما راهنا في مجلس الحرب بشأن مسار العمليات في غزة، فهناك من يرغب في الانتقال إلى مرحلة جديدة من العمليات، بينما يدعو وزير الدفاع لمواصلة مرحلة الكثافة العالية لعدة أشهر أخرى، فإن أبرز النقاط الرئيسة للخلاف بين نتنياهو وقادة الجيش تتمثل حالياً في كيفية الانتقال للمرحلة الثانية من الحرب".
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” التابعة للاحتلال عن غادي آيزنكوت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق والوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي، قوله" "إن سلوك الحكومة الإسرائيلية قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبعده يتّسم بالإخفاق بشكل كبير، وإن نتنياهو وكل من كان في منصب عسكري وسياسي يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقبله بـ10 سنوات يتحمّل مسؤولية واضحة، وإن القيادة الإسرائيلية لا تقول الحقيقة للشعب".
وقال آيزنكوت في وقت سابق: "إن على تل أبيب التوقف عن الكذب على نفسها، وإبرام صفقة تعيد المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، بدلا من استمرار الحرب على قطاع غزة"، مؤكداً أنه كان يجب بذل كل الجهود للحفاظ على وقف إطلاق النار المؤقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما نقلت صحيفة "هآرتس" التابعة للكيان عن مصدر في المجلس الوزاري الأمني المصغر قوله: "إنه لا مستقبل للحرب على قطاع غزة، فنتنياهو يماطل لكسب الوقت بكل وضوح، كما أنه يتهرب من المسؤولية".
وتتزامن تلك التوترات في حكومة الكيان مع ما تشهده مناطق مختلفة في تل أبيب والقدس وحيفا من مظاهرات، لمطالبة الحكومة الإسرائيلية بإبرام صفقة لإطلاق سراح المحتجزين لدى المقاومة في غزة.
مطالبات بالتنحي
تتصاعد حدة الأصوات التي تطالب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بالتنحي، والذي أظهر عدم اكتراثه بالدعوات المتزايدة لوضع حد للقتال، إذ قال في مؤتمر صحفي بالتزامن مع مرور 100 يوم على الحرب: "سنواصل الحرب حتى النهاية.. لحين النصر التام"، وإنه ليس "باستطاعة أحد أن يمنع إسرائيل من القتال حتى النصر في غزة".
وفي تقرير لها، نقلت صحيفة فاينانشيال تايمز، عن أنشيل فيفر، مؤلف السيرة الذاتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، قوله إن "نتنياهو وقح جداً (...) إنه يدرك تماماً أن هذه هي أكبر مأساة في تاريخ إسرائيل ومسيرته السياسية، لكن ّالاعتذار في نظره هو الخطوة الأولى نحو الاستقالة، وهو لا ينوي الاستقالة".
وكتب المحامي الإسرائيلي إيتاي ماك، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، إن "نتنياهو يمثل خطراً وجودياً على إسرائيل"، مُرجعاَ الهجوم الذي تعرضت له مستوطنات غلاف غزة، إلى السياسات اليمينية المتطرفة لرئيس الحكومة وائتلافه، وتجييش المستوطنين لارتكاب انتهاكات ضد عرب أراضي 1948 والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية.
وتابع ماك "إن نتنياهو يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل في حال كانت خسائر حربه كبيرة، أو ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى أرقام فلكية، وذلك ما سيتسبب في تفكك البلاد من الداخل، لأن "الجرائم الجسيمة ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة لا يمكن أن تؤدي فقط إلى عدد لا يُحصى من القتلى الفلسطينيين في غزة، بل أيضاً إلى النهاية السياسية والأخلاقية لإسرائيل نفسها".
أما رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان فقد قال: "إن الحكومة الإسرائيلية الحالية لم تعُد قادرة على قيادة الشعب"، مشيرا إلى ضرورة تشكيل حكومة جديدة، فتخلي وزير الدفاع يوآف غالانت عن حكومة الحرب يعدّ مستوى متدنيا لم تصل إليه الحكومة من قبل.
وقد طالب غالانت نتنياهو بعدم "التشويش" على عمله داخل الحكومة، في وقت تزايدت فيه التوترات والخلافات داخل مجلس الحرب.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد للإذاعة الإسرائيلية: "إن نتنياهو لا تهمه إسرائيل، وإن كل ما يهمه هو مصالحه السياسية الشخصية، ويجب تغييره بسرعة".
كما أثارت مشاركة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس في مظاهرة حاشدة بتل أبيب تعارض الحكومة وتهاجم تعاطيها مع ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة، العديد من التساؤلات حول تماسك الحكومة الإسرائيلية بعد مرور أكثر من 100 يوم على الحرب، إذ يعدّ غانتس الرجل الأبرز في حكومة نتنياهو ويشكّل ضمانا لبقاء الحكومة، حيث تحالف مع نتنياهو بعد معركة طوفان الأقصى، ورفض مطالب العديد من الساسة الإسرائيليين بالاستقالة لإسقاط نتنياهو وحكومته.
ووفقا لمحللين سياسيين، يسود اعتقاد واسع بأن نتنياهو يدير هذه الحرب بدوافع سياسية شخصية، ولا يتهمه خصومه بالإخفاق فقط في تحقيق أي من أهدافها؛ بل بالوقوع -أيضا- رهينة لوزراء اليمين المتطرف الذين يشتري بقاءهم بجواره بأي ثمن، حتى لا تنهار الحكومة التي تشير استطلاعات رأي إلى تراجع شعبيتها.
وقالت عائلات محتجزين إسرائيليين في قطاع غزة، إنهم فقدوا ثقتهم بحكومة نتنياهو، وإنهم سيجرون تحركاتهم الخاصة، دون أن يشيروا إلى ماهيتها، كما أن العائلات، خلال اعتصام العشرات منهم أمام منزل نتنياهو في قيسارية (شمال) حيث يقضي عطلته الأسبوعية، طالبته بالتعهد بعقد مؤتمر دولي للعمل على إعادة ذويهم، وبتقديم إجابات عن خططه لإعادة المحتجزين إلى منازلهم.
فالمستقبل السياسي لنتنياهو يعتمد على نتائج هذه الحرب، وبالتالي هو يريد على الدوام إلقاء اللوم بشأن هجوم 7 أكتوبر على قادة الجيش وعدم استعدادهم لمنعها، وهو ما يرفع عنه المسؤولية، وبالتالي يخرج سالما حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية.