الوقت- في تحليل يصفع الاحتلال وداعميه، رأى الجنرال في الاحتياط كوبي ماروم أن "التصعيد في الجبهة الشمالية بعد اغتيال صالح العاروري، والرد الجدي لحزب الله في نهاية الأسبوع، يُعزِّز السؤال: هل إسرائيل في الطريق إلى حربٍ في الشمال، أم ترتيباتٍ سياسيّةٍ؟ ومن الواضح اليوم، بعد ثلاثة أشهر على بدء الحرب، أنّنا نواجه أزمةً استراتيجيّةً في هذه الساحة"، وأضاف في مقال نُشر على موقع القناة الـ 12 العبريّة: "حرب الاستنزاف التي تجري على طول الحدود في عدّة كيلومترات، تمنح حزب الله إنجازات على صعيد الوعي، مثل إجلاء 70000 إسرائيليٍّ عن منازلهم على طول الحدود الشمالية، وحدوث إصابات، وتحقيق الدمار الكبير في البلدات الحدودية"، في وقت خسر فيه الاحتلال الإسرائيليّ في كل النواحي دون تحقيق أي هدف من أهداف حربه الشعواء على غزة.
فشل إسرائيليّ متزايد
تتوالى الاعترافات الإسرائيلية بفشل جيش الاحتلال في تحقيق أي إنجاز في حربه المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لمدة تقارب 100 يوم، وقد أظهرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية اعترافها بأن "إسرائيل" قد سقطت في حفرة عميقة نتيجة للحرب التي تخوضها بلا أفق، وإلى أين تتجه الأمور مع فشلها في تحقيق أهداف العدوان الذي شنته؟، وخاصة أن "إسرائيل" ليست مستعدة لخوض حرب جديدة مع حزب الله، وقد شدد ماروم على أنه "بعد السابع من أكتوبر، على "إسرائيل" السيطرة على مصيرها بيدها، وأن تحافظ على المبادرة وحرية العمل في الساحة اللبنانية، هكذا فقط يمكن الحفاظ على ردعٍ حقيقيٍّ في مواجهة حزب الله، إذ إن أي ترتيبات سياسيّة ستكون قصيرة المدى، "إسرائيل"، كدولةٍ تريد الحياة، سيكون عليها التعامل مع حزب الله في الشمال وتفكيك تهديده"، وفقًا لأقواله.
وفي عنوان رئيسي على الصفحة الأولى، أطلقت الصحيفة مقالها بعنوان: "ما الذي يحدث لنا.. كيف نخرج من الحفرة التي سقطنا فيها؟"، حيث إنّ فشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها المعلنة في العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر كان مدويا، مع عدم استعداد "إسرائيل" لخوض حرب جديدة مع حزب الله، ووصف الإسرائيليون الوضع العام بأنه "سقوط في الحفرة"، إضافة إلى فشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها المعلنة في قطاع غزة، وأشارت وسائل إعلام الكيان إلى أن "إسرائيل" تتحدث عن كيفية التغلب على العدو، ولكن من غير الواضح كيف ستعيد الأسرى وتنهي الحرب.
وبعد ثلاثة أشهر، يبدو أن كل ما يمكن أن يقدمه القادة الإسرائيليون هو المزيد من الحروب، وكان يوم الاثنين يومًا صعبًا للجيش، مع دفع ثمن باهظ بمقتل 9 ضباط وجنود وإصابة آخرين في هجومين منفصلين في قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، إلى جانب استهداف تل أبيب برشقات صاروخية، والإسرائيليين يبحثون عن حل، بينما حكومتهم تعاني من قصة مختلفة، حيث أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أهدافًا لا يمكن تحقيقها، ما يجعل "إسرائيل" على وشك خوض حرب لا نهاية لها، وقد وجه الإعلام العبري سؤالاً حيال الوضع الحالي في "إسرائيل" بعد مرور ثلاثة أشهر على بداية الحرب في 7 أكتوبر، وأكد أن "إسرائيل" وقعت في حفرة عميقة، وأنه لا يمكن تصور حجم الخسائر والضرر والتكلفة التي ستدفعها على المدى القصير والطويل في ذلك اليوم، والسؤال المهم هو: كيف يمكن للإسرائيليين الخروج من هذه الحفرة؟.
ولا شك أن الخروج من الحفرة يتطلب إعادة الأسرى وإعادة إعمار المستوطنات المدمرة، وتحقيق الأمان لسكان الجنوب والشمال، وتسريح جنود الاحتياط، مع الاهتمام بإنهاء الحرب، ولكن هذا الأمر ليس تحديًا بسيطًا، وخاصة أن الأنباء التي تحدثت عن هزيمة حماس والقضاء عليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية لا تعكس الواقع، حيث إن تدمير حماس يبتعد كثيرًا عن هذه التصريحات، وإن تفجير نفق لا يعني تدمير كل القدرات العسكرية لحماس، وحتى لو تم القضاء على قادة مثل يحيى السنوار أو محمد الضيف أو كليهما، فإن نتائج الحرب لن تتغير، وسيتم العثور على بديل لهما.
وبالتالي، إن الحرب لا تغيّر الواقع، بل إنها تكلّف "إسرائيل" حياة جنودها وتزيد من خطر وقوع كارثة إنسانية في غزّة التي ستكون "إسرائيل" مسؤولة عنها، وتلحق الضرر بصورتها الدولية أكثر، وخاصة أن الحرب لا تقرب "إسرائيل" من نصر غير موجود، بالإضافة إلى أن مقتل الأسرى الإسرائيليين عند المقاومة الفلسطينية في غزة بنيران صديقة سيكون وصمة عار لا تُمحى عن "إسرائيل"، وتهدّد تماسك الإسرائيليين، ناهيك عن أن "إسرائيل" ليست مستعدة حاليًا لفتح جبهة في الشمال.
مأزق استراتيجيّ
"إسرائيل" تجد نفسها في مأزق استراتيجي بسبب الحرب التي اندلعت في أكتوبر، حيث بلغت تكلفة الحرب أكثر من 18 مليار دولار، وعادت صراعاتها مع الفلسطينيين وحزب الله إلى الساحة الإقليمية، ووفقًا لتحليل نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، قد تواجه "إسرائيل" حرب استنزاف ومحاولات لتقويض الديمقراطية من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يرى محللون أن المأزق الاستراتيجي يتسع ليشمل ليس فقط التحديات مع حركة حماس وحزب الله ولكن أيضًا تأثيره على الرأي العام الإسرائيلي.
والجيش الإسرائيلي يتبنى استراتيجية تراكمية وتدريجية بطيئة من خلال تدمير المزيد من الأنفاق والآبار، وقتل مقاتلين من حماس وتدمير مخزونهم العسكري، بهدف القضاء على قدرات حماس العسكرية، ولكن الرأي العام الإسرائيلي له أهمية كبيرة في هذه المعادلة، حيث يتأثر بتزايد الخسائر الإسرائيلية، ويشعر بأن الإنجازات قليلة، وفي السياق نفسه، إن التهديدات الأمنية التي تمت محاربتها بشكل قوي في الأراضي الفلسطينية، أدت إلى تصاعد كبير في حياة اليوم الإسرائيلية، ما أدى إلى تغيير جذري في تجربة الحياة اليومية للإسرائيليين، وفي هذه المرحلة، ليس واضحًا بعد ما إذا كان من الممكن الخروج من هذا الوضع وكيف، حيث قد ينشأ وضع شبه دائم حيث يتم شن حرب استنزاف طويلة الأمد على جبهتين على الأقل، وما زال الخطر قائمًا في أن تلتهب الجبهة اللبنانية، التي تعد الأكثر تهديدًا، وقد نشهد حربًا تتسع أكثر فأكثر.
ولا شك أن مشكلتي الصراع الفلسطيني والمواجهة مع حزب الله قد عادتا إلى مركز الساحة الإقليمية، وأن خطوة حماس قد ألهمت منظمات أخرى في المنطقة تأمل في الاتحاد لهزيمة "إسرائيل" تدريجيًا، لأن الرؤية التي عبر عنها قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، حول "حلقة النار" التي ستطوق "إسرائيل"، ويُظهر الوضع حتى الآن أن رئيس الوزراء، بنيامين نيتنياهو، لا ينوي التخلي عن السلطة بمحض إرادته، وهذا يعني أن "إسرائيل" قد تواجه حربًا طويلة بوجود رئيس وزراء لا يحظى بالشعبية ويتمسّك بالسلطة، ويواصل جهوده لسن تشريعات مناهضة للديمقراطية.