الوقت- ماذا يعني انضمام مصر للبريكس هو السؤال الأبرز على الساحة الآن، وخاصة بعد تسلّم مصر رسميًا مقعد عضويتها في مجموعة بريكس بلس التي تشهد توسعاً تاريخياً وتعلق الآمال الاقتصادية الكبرى عليه، وهو ما تحدث عنها خبراء كثر، فما هو تجمع البريكس وأهميته وماذا يمكن أن يقدم لمصر ولماذا تسعى الدول للانضمام إليه؟.
من الجدير بالذكر أن مصر تشهد أزمة في توفير العملة الصعبة، منذ سنوات، مع تفاقم معدلات التضخم خلال العامين الأخيرين، وحرّرت القاهرة عملتها ثلاث مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، ما دفع سعر الجنيه المصري إلى الانخفاض أمام الدولار بنحو 25% خلال عام 2023، وبنحو 50% منذ مارس 2022.
يذكر أنه في 24 أغسطس من عام 2023 جاء إعلان انضمام مصر لأحد أقوى التكتلات الاقتصادية في العالم "بريكس"، خلال قمة تجمع بريكس الأخيرة التي عقدت في جنوب أفريقيا ليتم تسلم مقعدها رسمياً مطلع العام الحالي.
ما هي مجموعة البريكس و أهميتها اقتصادياً
في عام 2006، اتفقت البرازيل وروسيا والهند والصين على تشكيل مجموعة اقتصادية وسياسية تعرف بـ "بريك"، باستخدام الحرف الأول من اسم كل دولة، وفي عام 2010 انضمت جنوب إفريقيا إلى هذه المجموعة، ما أدى إلى تغيير اسمها إلى "بريكس".
و قد أصبح تكتل البريكس اليوم أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم؛ نظرًا للثقل الاقتصادي لدوله في ظل ما يتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما يجعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين، وذلك على النحو التالي:
1- الحصة من الناتج الإجمالي العالمي: يُشكل مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في البريكس نحو 25.9 تريليون دولار خلال عام 2022 أي بما نسبته 25.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ نحو 101 تريليون دولار في عام 2022 فيما قفز إلى 29% في عام 2023، كما تُعَد دوله من الدول التي شهدت معدلات نمو اقتصادي سريعة؛ ما جعلها من أكبر الاقتصادات العالمية، كالصين الاقتصاد الثاني الأكبر عالميًّا بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
2- المساهمة في التجارة العالمية: تُسيطر دول البريكس على 17% من حجم التجارة العالمية، وذلك وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، وبالنظر إلى الثقل التجاري العالمي لتكتل البريكس في عام 2022، وجد أن الصين تتصدر دول العالم بحصة تصديرية تبلغ نحو 15% من إجمالي الصادرات العالمية، وتأتي في المرتبة الثانية من حيث الاستيراد بحصة عالمية تجاوزت 11%، ولم يقتصر الثقل على الصين وحسب، فهناك روسيا -الثانية عالميًّا في تصدير الوقود- تأتي في الترتيب 15 عالميًّا من حيث الصادرات، فيما تحتل الهند المرتبة 21 على مستوى التصدير عالميًّا والـ 17 عالميًّا من حيث الاستيراد.
3- الثروة البشرية: بجانب اتساع المساحة الجغرافية لدول البريكس التي تُشكل مجتمعة نحو 26% من مساحة العالم، تمتلك أيضًا نحو 40.9% من إجمالي تعداد سكان العالم بإجمالي 3.25 مليارات نسمة من الإجمالي العالمي البالغ نحو 7.95 مليارات نسمة خلال عام 2022، بما يجعلها سوقًا عالمية هائلة من حيث قوة العمل والإنتاج وكذلك التوزيع والاستهلاك.
4-تنوع الهيكل الإنتاجي: يتميز الهيكل السلعي لصادرات دول البريكس بالتنوع؛ وذلك نتيجة تنوع هيكلها الإنتاجي بما يمنح تلك الدول فرصًا كبرى للتجارة البينية وتكامل سلاسل التوريد والإنتاج بينها، فعلى سبيل المثال: تمتلك روسيا قوة إنتاجية هائلة من النفط والغاز الطبيعي والحبوب، وهي الثانية عالميًّا في تصدير الوقود، وكذلك الأولى عالميًّا في تصدير الأسمدة، والثالثة في تصدير النيكل ومصنوعاته، هذا بخلاف تميزها في عدد من الصناعات الثقيلة، فيما تتميز الصين بتنوع هيكلها الإنتاجي الصناعي غير النفطي وتتصدر العالم في تصدير العديد من المنتجات الصناعية الثقيلة والخفيفة، بينما تتميز جنوب إفريقيا بصناعة واستخراج المعادن والأحجار الكريمة ولا سيما اللؤلؤ؛ فضلا عن تميز البرازيل بمنتجاتها الزراعية كاللحوم والسكر والبن والشاي والحبوب، بينما كانت الملابس والمنسوجات الصادرات الأبرز لدى الهند التي تمتلك صناعة برمجيات متطورة.
ماذا يعني انضمام مصر للبريكس
يعد تجمع بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم نظرا للثقل الاقتصادي لدوله، ويأتي انضمام مصر للبريكس الذي يعد أكبر تكتل اقتصادي والذي يضم اقتصاديات كبرى مثل روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والسعودية والإمارات خطوة إيجابية للاقتصاد المصري، لأن من شأنه أن يساهم في زيادة حجم التجارة البينية بين مصر ودول التكتل.
استخدام العملات المحلية
فى ظل اتجاه البريكس نحو دعم العملات المحلية للدول الأعضاء، كمحاولة مبدئية لإنشاء وحدة حساب أو عملة موحدة خاصة بدول التكتل ، فقد تستفيد مصر من دخولها البريكس عن طريق دعم الجنيه المصرى في العلاقات التجارية، حيث يمكن لانضمام مصر إلى "بريكس" أن يسهم في زيادة التبادل التجاري مع مصر، وخصوصاً مع إمكانية استخدام مصر لمبادلة العملة، ما يسهل التجارة والتبادل بالعملات المحلية، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي لا نلجأ إلى مزيد من خفض قيمة الجنيه أو زيادة سعر الدولار للاستيراد ما يساهم في فتح فرص للتصدير مع دول المجموعة والتشجيع على زيادة حجم الصادرات وتقليل عجز الميزان التجاري.
حيث إن مصر، كعضو في "بريكس +"، الذي يشمل 11 دولة بعد انضمام 6 دول، يمكنها الآن إجراء مبادلة العملة، كمثال، وقعت مصر اتفاقية مقايضة بين الجنيه المصري والدرهم الإماراتي بقيمة اسمية تصل إلى 42 مليار جنيه مصري و5 مليارات درهم إماراتي (1.4 مليار دولار).
ومثل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" حوالي 29% من الاقتصاد العالمي في عام 2023، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، وذلك بعد موافقة التكتل على توسيع عضويته.
وتشير المعلومات إلى وجود حوالي 40 ألف شركة تابعة للدول الخمس المؤسسة لـ "بريكس" في مصر، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد بشكل ملحوظ مع تنفيذ خطط التعاون الاستثماري بين الدول الأعضاء، وفقاً لمسؤول في الهيئة العامة للاستثمار في مصر.
كما تطمح دول البريكس إلى إنشاء عملة بديلة للتجارة العالمية، من المحتمل أن تكون مدعومة بالذهب، لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي لتسعير السلع الأساسية في الأسواق العالمية، يمكن أن يفيد دولاً مثل مصر، التي واجهت نقصاً حاداً في الدولار الأمريكي ، ومن خلال اعتماد عملة بديلة، يمكن لمصر أن تعالج الفجوة التمويلية التي تقدر بنحو 17 مليار دولار والمتوقعة حتى عام 2026.
زيادة الاستثمارات الواردة إلى مصر
يتطلع الاقتصاد المصرى إلى جذب عدد كبير من المشروعات المستقبلية، وخاصة مشروعات الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية الخضراء والبنية التحتية، كذلك مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، ويسمح الوجود الرسمى فى البريكس فى دفع مزيد من الاستثمارات فى تلك المجالات التنموية المهمة، هذا فضلا عن تبادل الخبرات والكفاءات بشكل مباشر من الدول الأعضاء فى الجماعة وخاصة تلك الخبرات المتعلقة بالصناعة والتكنولوجيا.
تأمين احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية
مثل الحبوب كالقمح والأرز، وخاصة أن هذا التجمع يستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمى فى تجارة الحبوب التي تظهر وبوضوح فى دولتى الهند وروسيا، وناقشت مصر وروسيا والهند في السابق تداول القمح والأرز، إلى جانب سلع استراتيجية أخرى، بالجنيه المصري والروبل والروبية، ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، يمكن أن تؤتي هذه المحادثات ثمارها.
توفير فرصة تمويلية كبيرة لمصر
من خلال الحصول على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية التابع للتكتل الذى تأسس في عام 2015 وانضمت إليه مصر فى عام 2021، بما يساعد على الحد من اللجوء إلى المؤسسات الدولية كالبنك والصندوق الدوليين، وتجدر الإشارة إلى أن بنك التنمية متعدد الأطراف يهدف إلى تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة داخل البريكس وفي الأسواق الناشئة والبلدان النامية الأخرى، وتخطط دول البريكس لتطوير بنك التنمية الجديد كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ودعم الدول الأعضاء من خلال ترتيب احتياطي الطوارئ، وهو إطار لتوفير سيولة إضافية ومزايا أخرى لدول البريكس خلال الأزمات الاقتصادية والتي خصصت له بشكل مبدئي مبلغ 100 مليار دولار.
إلى جانب المكاسب المنتظرة من هذه العضوية يواجه الاقتصاد المصري مجموعة من التحديات.
التحديات و الصعوبات
يواجه الاقتصاد المصرى مؤخرا تحديات اقتصادية ناجمة عن تداعيات وباء كورونا ومن بعده الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذى أثر سلبا على معدل النمو الاقتصادى فى مصر، واحتياطى النقد الأجنبي، ودفع معدلات التضخم نحو الارتفاع بشكل كبير، وكل تلك التداعيات أضعفت نسبيا من الأداء الاقتصادي لمصر، وحتى تتمكن مصر من مواجهة تلك المشكلات لضمان تواجد أفضل في البريكس، يتطلب الأمر خطوات محسوبة وجهوداً مستمرة لدفع السياسات المرتبطة بالتصنيع والإنتاج وتوفير العملات الأجنبية.
التحدي الثاني يتمثل في أن معظم الاحتياطي النقدى الأجنبي فى مصر بالدولار، والقليل منه بالعملات الدولية الأخرى؛ وبالتالى يحتاج الأمر إلى خطة نقدية تهدف إلى تنويع الاحتياطي الأجنبي بسلة عملات دولية مختلفة تشمل على سبيل المثال الروبل الروسى واليوان الصينى.
بالإضافة إلى ذلك إن الانضمام إلى البريكس يعني ضرورة أن يكون الاقتصاد المصري قادراً على المنافسة والإنتاج والتصدير حتى لا يتعرض للمنافسة الحادة أو الإغراق من باقي الدول الأعضاء فى التكتل، وخاصة الصين التى تغزو منتجاتها الأسواق النامية ومنها مصر وبالتالي لابد من الحكمة البالغة في التعامل مع هذا الالتحام.
ختام القول
يمكن تلخيص أهمية انضمام مصر للبريكس من خلال مجموعة من النقاط:
يمكن أن يكون هذا التحالف بديلاً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تقديم خدمات الدعم الاقتصادي، ويتيح لمصر الاستغناء عن الاعتماد على الدولار في التبادل التجاري مع دول التحالف، كما يمكنه أن يعيد إحياء عملات الدول الأعضاء المحلية وتبادلها مع الجنيه المصري في التجارة، وإن التوسع التجاري مع أكبر اقتصادات ناشئة في العالم، فتح المجال للنمو الاقتصادي السريع وإنهاء أزمات تسبب في تفاقمها الاعتماد على الدولار، وإنهاء أزمات الاستيراد والتصدير وفتح أسواق جديدة للمنتج المصري، وزيادة العلاقات المصرية الدولية مع أكبر الدول الاقتصادية وتوقيع اتفاقيات تجارية جديدة وصفقات استثمارية ضخمة.