الوقت- كتب الدکتور سعد الله زارعي، الخبير في قضايا المنطقة في مقال: مرت حرب الکيان الصهيوني ضد الشعب المضطهد في قطاع غزة والضفة الغربية بأسبوعها الخامس، لكن الکيان لم يقترب بعد مما اعتبره "الهدف الرئيسي" للحرب.
ولم يكن هدفه قتل سكان غزة ولا الدخول إلى غزة عن طريق البر؛ بل كان هدفه طرد المقاومة، وخصوصاً حماس، من غزة، وهو ما ورد مراراً وتكراراً في تصريحات كبار مسؤولي الکيان الإسرائيلي.
لقد تعاون الکيان الإسرائيلي وأمريكا والحكومات الأوروبية علناً وبعض الحكومات الأخرى سراً على هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية أو طردها من غزة، وقدمت لذلك إمکانات ضخمة، ومازلنا نرى يومياً إرسال طائرات شحن محملة بالأسلحة من أمريكا وأوروبا إلى تل أبيب، ومعارضة الحكومات الغربية لوقف إطلاق النار في الحرب، تعبر عن هذا التواطؤ من جهة، ومن جهة أخرى تظهر صعوبة تحقيق هذا الهدف.
وبناءً على ذلك، يبدو أنه حتى لو ترافقت الحرب مع إعلان وقف مؤقت لإطلاق النار -وفقاً لمصالح الغرب والکيان- فإنها لن تنتهي في الوقت الراهن، وإلى أن يشعروا بخيبة أمل كاملة من الهدف المقصود، فإن هجماتهم المشتركة ضد سكان غزة ستستمر، وهناك عدة نقاط في هذا الصدد:
1-إن إخلاء قطاع غزة من المقاومة الفلسطينية كان هدفاً دولياً وإقليمياً متفقاً عليه، وقد تم تصميمه قبل فترة طويلة من عملية طوفان الأقصى العظيمة.
وتظهر وثيقة خرجت من داخل حكومة نتنياهو، أنهم يعتبرون المقاومة الفلسطينية أهم عائق في عملية التطبيع العربي الإسرائيلي، واعتبروا زوال المقاومة الفلسطينية شرطاً ضرورياً لإحياء عملية التطبيع التي توقفت خلال العامين الماضيين.
وبناءً على ذلك، فقد دعوا إلى تنفيذ أحد السيناريوهات الثلاثة اللازمة لإدارة غزة...
أولاً، توسيع الوضع الإداري للضفة الغربية إلى قطاع غزة -أي الجمع بين الجيش الإسرائيلي وحكومة السلطة الفلسطينية- بحيث تتواجد وحدات من الجيش الإسرائيلي في غزة وتتولى منظمة السلطة الفلسطينية إدارتها العامة الظاهرة، بحيث يزيل هذا المزيج أي عمل معادٍ للکيان الإسرائيلي من قطاع غزة.
ثانياً، احتلال قطاع غزة على المدى القصير من قبل الجيش الإسرائيلي، ومن ثم تسليمه للسلطة الفلسطينية وأخذ ضمانات منها، بما في ذلك كبح جماح مقاومة غزة، وفي الوقت نفسه تقبل السلطة الفلسطينية بفكرة دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة إذا لزم الأمر.
وثالثاً، احتلال غزة على المدى القصير، وإسقاط المقاومة ثم تسليم إدارتها لوفد مكون من مصر والأردن تحت إشراف الأمم المتحدة.
دخل الکيان الإسرائيلي غزة بعد عملية طوفان الأقصى، ونظر أولاً إلى السيناريو الأول، وتحدث مسؤولوه عن اجتثاث المقاومة من غزة، وكانت طريقتهم هي إزالة إمكانية العيش في غزة من خلال قصف غزة وضرب جميع البنى التحتية العامة والخدمية، وإجبار الناس على مغادرة قطاع غزة. وبعد السيطرة الكاملة على غزة، سيعود جزء من سكانها إلى غزة بعد الفرز، ويخضعون للإدارة المشتركة لغزة من قبل الجيش الإسرائيلي ومنظمة السلطة الفلسطينية.
لقد مر أسبوعان على الدخول البري للکيان إلى غزة، لكن لا أثر لنجاحه في تهجير الأهالي من القطاع، وإضعاف مقاومة الجماعات الجهادية، في غضون ذلك، أوضحت الحكومات الأمريكية والأوروبية وبعض الحكومات الإقليمية للکيان، أن هذه الخطة ليست عمليةً، ويجب النظر في خيارات أخرى.
وعلى هذا، فقد خلص محمود عباس يوم الجمعة الماضي، بعد فشل هذه المرحلة، إلى "أننا لن نقبل أبداً تكرار نكبة 1948 أو تهجير 1967، ولن نوافق أبداً على احتلال غزة أو أجزاء منها تحت أي ذريعة".
2- الآن الخطة الثانية مطروحة على الطاولة، وتعمل الحكومات الأمريكية والأوروبية وبعض الدول العربية، التي تتعاون في إخراج السلطة من أيدي حماس، على خطة إعادة حكومة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وقد بدأت تحرکات وزيارات في هذا الصدد أيضاً.
وتشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن رؤساء وكالة المخابرات المركزية والموساد التقوا برئيس وزراء قطر في الأيام القليلة الماضية، وناقشوا خطة إدارة غزة. علاوةً على ذلك، تشاورت وفود أخرى من أمريكا وفرنسا مع بعض الحكومات العربية في المنطقة، وناقشت إحياء خطة حل الدولتين وسيطرة السلطة الفلسطينية على غزة.
في غضون ذلك، قال مسؤولون أمريكيون، ومن بينهم جون كيربي، إنهم لا يستطيعون منع استمرار الحرب، لكنهم حذروا المسؤولين الإسرائيليين من ضرورة وقف الخسائر البشرية الكبيرة.
ومعنى كلامهم أن الحرب في غزة ستستمر بهدف التعرف على قوى المقاومة وتدميرها وتدمير منشآتها، بما في ذلك الأنفاق، ولكن بكثافة أقل، وأخيراً، بعد أن حقق الکيان الإسرائيلي إضعافاً خطيراً للمقاومة الفلسطينية، فإن المنظمة التي يرأسها محمود عباس في رام الله ستتولى أيضاً إدارة غزة.
وبطبيعة الحال، يواجه هذا الخيار أيضاً العديد من المشاكل، المشكلة الأولى هي الفلسطينيون أنفسهم؛ لأنه من ناحية، شعب غزة والمقاومة الفلسطينية متشابكان ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، إذ لم يتقدم هذا الانفصال ولو مليمتراً واحداً في الأسبوعين الماضيين، ومن ناحية أخرى، لا مكان لمحمود عباس ومنظمة السلطة الفلسطينية بين الفلسطينيين، وخاصةً بين سكان غزة.
ولعل هذا هو السبب الذي جعل محمود عباس يقول قبل يومين، بعد جدية الحديث عن عودة منظمة السلطة الفلسطينية إلى غزة، "إنه مستعد للقيام بمسؤوليته في الضفة الغربية والقدس وغزة في إطار الحل السياسي الشامل فقط".
هذا في حين أن الکيان الإسرائيلي لن يسمح أبدًا للسلطة الفلسطينية بالسيطرة الكاملة على الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتهدف سياساته إلى الحدّ بشكل مستمر من صلاحيات محمود عباس في إدارة الضفة الغربية.
3- الحرب بين المقاومة والجيش الإسرائيلي في غزة بدأت للتو، ولم تصل إلى منتصف الطريق بعد، وعلى هذا، فإن مصير الصراعات الحالية لا تحدده المفاوضات السياسية بين الأطراف الغربية العربية.
إن استمرار إرسال الأسلحة من الغرب إلى الکيان الإسرائيلي، والاتجاه المتزايد لعمليات حركات المقاومة في المنطقة ضد الکيان، يظهر أن الحرب ستحافظ على اتجاهها التصاعدي في الأسابيع المقبلة، ولن يكون للمفاوضات السياسية تأثير كبير عليها.
وبطبيعة الحال، قد تصبح هذه الحرب أكثر نوعيةً من الجانبين، أي إنه من ناحية، ستتبع العمليات العسكرية الإسرائيلية إجراءات أمنية وأهدافاً محددة، ومن ناحية أخرى فإن عملية المقاومة في المنطقة، والتي تم تصميمها وتنفيذها خلال الـ 37 يومًا الماضية بهدف الحفاظ على الردع ضد الکيان، توجّه نحو أهداف محددة وحيوية للکيان الإسرائيلي.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن عملية التصرفات وردود الفعل خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين، ستكون على الأرجح حاسمةً للغاية، وإذا تمكنت المقاومة الفلسطينية من منع مدرعات الکيان من الوصول إلى أهدافها في غزة، وفي الوقت نفسه زيادة الخسائر البشرية، فإنها ستحدد العملية المقبلة، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك على العملية السياسية أيضًا.
4- المقاومة الفلسطينية في غزة هي المنتصرة في ساحة المعركة حتى هذه اللحظة، وبالطبع يمكن للجيش الإسرائيلي أن يعتبر نفسه منتصراً في نظر اليهود من خلال قتل أكثر من 11 ألف شخص وأكثر من 27 ألف جريح من النساء والأطفال والمدنيين في غزة، والدعاية علی هذا الأساس، لكن الحقيقة هي أنه في أي تقويم تاريخي، لا يتم تفسير مقدار الجريمة على أنه انتصار للمجرم.
مجرد أن المقاومة لا تزال تطلق النار على مناطق خارج غزة، وفي نفس الوقت تطارد معدات الکيان الإسرائيلي وقواته المدرعة في غزة بشكل يومي، فإنها المنتصرة في الميدان، هذا في حين أن يد المقاومة مغلقة للحصول على السلاح العادي، ويد الکيان مفتوحة لتلقي القنابل متعددة الأطنان.
وفي هذا المشهد غير المتوازن، النجاح لمن يسعى إلى تحقيق النصر في ساحة المعركة، وليس أمام النساء والأطفال الأبرياء، والناس سيبقون في غزة، وهذا يعني أنه لا يوجد بديل للمقاومة.
کما كتب "إيلون ماسك"، الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس(تويتر سابقًا)، قبل يومين، إلى الجيش الإسرائيلي: "إذا قتلتم طفلاً في غزة، فإن ذلك سيزيد من عدد أعضاء حماس، أي الأشخاص المستعدين للموت من أجل تدميركم".