الوقت - أمام المواقف المخزية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدفاعه عن مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي، يبرز زعيم اليسار الفرنسي جان لوك ميلونشون بمواقف إنسانية حيث يعتبر ما يجري في قطاع غزة بمثابة مجزرة.
وتحاول السلطات الفرنسية التحكم في ردود الفعل الشعبية والسياسية تجاه مجازر "إسرائيل"، وتساندها بعض قنوات التلفزيون التابعة لرجال أعمال فرنسيين من أصول يهودية، ولكن خطتها فشلت أمام الأصوات الحرة الفرنسية.
ومنذ اندلاع النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي في قطاع غزة، تميز زعيم اليسار الفرنسي “فرنسا الأبية” ميلونشون بمواقفه الجريئة، فهو لم يتردد في اتهام "إسرائيل" بارتكاب المجازر. وكتب ليلة الجمعة الماضية في موقع إكس (تويتر سابقا) عندما قطعت "إسرائيل" الكهرباء والإنترنت على القطاع ” “هذه اللحظة من التاريخ هي عار إلى الأبد للمجرمين الذين يرتكبون المجزرة، ولأولئك الذين يدعمونهم دون قيد أو شرط، ولأولئك الذين سمحوا بحدوث ذلك، ولأولئك الذين يخافون من ذلك”.
ولم يسلم زعماء الدول المؤثرة من رسالته على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتهمهم المرشح الرئاسي السابق بـ”رفض فرض وقف إطلاق النار”، وعلق في تغريدة على زيارة رئيسة البرلمان الفرنسي يائيل براون الى تل أبيب لدعم "إسرائيل"... “إن رئيسة البرلمان ذهبت إلى “المخيم في تل أبيب للتشجيع على المجازر”.
ويتواجد أعضاء هذا الحروب في مقدمة المسيرات المنددة ب"إسرائيل" والمتضامنة مع الفلسطينيين، وهي المسيرات التي تعمل الحكومة على منعها، وكان هذا الحزب في مقدمة من انتقدوا مقترح ماكرون بتحالف دولي ضد حماس، واعتبروه جاهلا بوضع الشرق الأوسط.
وتتخوف السلطات الفرنسية من تداعيات حرب غزة على الداخل الفرنسي، حيث تعيش أكبر جاليتين عربية - إسلامية ويهودية في أوروبا، وذلك على غرار ما عرفته البلاد في مناسبات سابقة تشبه إلى حد ما الحرب الراهنة، ولذا؛ تسعى السلطات الفرنسية لتدارك هذا الأمر.
ومنذ صباح السبت الماضي ومباشرة بعد انتشار خبر طوفان الأقصى، سارع الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيسة الحكومة إليزابيث بورن ووزيرا الداخلية والخارجية جيرالد درامانان وكاترين كولونا إلى التنديد بالأعمال التي ارتكبها مقاتلو «حماس» وتأكيد الدعم المطلق ل"إسرائيل".
ومنذ السبت الماضي، طلب ماكرون من درامانان تعزيز الحراسة حول المعابد والمدارس وأماكن تجمع اليهود، في حين منعت السلطات الأمنية والإدارية مظاهرات عدة، منها اثنتان كانتا مقررتين تضامناً مع غزة؛ وذلك بحجة «مخاطر الإخلال بالنظام العام».
في المقابل، شهدت باريس، الاثنين، مظاهرة كبرى دعا إليها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا وشارك فيها الكثير من المسؤولين، بينهم رئيسة مجلس النواب. ووفق وزارة الخارجية، فإن 12 فرنسياً قُتلوا في محيط غزة، بينما مصير 17 آخرين ما زال مجهولاً، ويظن أنهم من بين أسرى «حماس» أو «الجهاد الإسلامي». وكررت كولونا المطالبة بـ«الإفراج الفوري» عن الرهائن المحتجزين لدى المنظمتين الفلسطينيتين.
من جانبها، قالت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن: إن فرنسا «لن تتسامح مع أي عمل أو تصريح معادٍ للسامية»، ووجهت كلامها الثلاثاء إلى الجالية اليهودية قائلة: «نحن معكم... الهجوم عليكم هو هجوم على الجمهورية بكاملها».
يكمن التخوف الفرنسي من الأثر الذي يمكن أن تتركه أعداد الشهداء الفلسطينيين ومشاهد الدمار المنهجي واسع النطاق الذي تتسبب به الضربات الإسرائيلية براً وجواً وبحراً في غزة، وما يمكن أن ينتج عنه من تحركات وردود فعل في الضواحي والأحياء التي تعيش فيها جاليات عربية - مسلمة وازنة، والغضب الذي قد يتحول إلى أعمال عنف.
كذلك، فإن المواقف الرسمية الصادرة عن الحكومة والمزاج الفرنسي العام الداعم بصراحة ل"إسرائيل" وتحيز بعض وسائل الإعلام من شأنه أن يثير حنق هذه الجاليات وأطراف أخرى ترى أن باريس «تزن بميزانين وتكيل بمكيالين» في تناولها ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وقال وزير الداخلية في حديث صباح الأربعاء لإذاعة «فرانس أنتير»: إن أجهزته أحصت تزايد الأعمال المعادية للسامية وطلب من القوى الأمنية التشدد في ملاحقة أي مرتكب لها.
بيد أن الدولة الفرنسية لا تريد أن تكتفي بالمعالجة الأمنية وهمها المحافظة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية، من هنا، فإن الرئيس ماكرون دعا كبار المسؤولين في الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ وقادة الأحزاب الممثلين في البرلمان إلى اجتماع موسع في قصر الإليزيه للتداول في تبعات حرب غزة على الداخل الفرنسي، والتوافق على أفضل السبل لإبقائها خارج الحدود، أو على الأقل للتخفيف من آثارها.
وبالتوازي مع الحراك الداخلي، تسعى الدبلوماسية الفرنسية لتوسيع دائرة اتصالاتها أوروبياً وأمريكياً، ولكن أيضاً مع قادة الشرق الأوسط للنظر في كيفية التعاطي مع الحرب الجديدة التي تبدو الأعنف والأكثر دموية في العقود الماضية.
أما على المستوى السياسي، فإن الجدل ما زال قائماً والهجمات السياسية والإعلامية متواصلة على حزب «فرنسا المتمردة»، وتحديداً على زعيمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون المتهم بالامتناع عن التنديد بهجمات «حماس».
وفي حين الاهتمام الإعلامي منصبّ على العمليات الحربية ومعرفة ما إذا كانت "إسرائيل" ستقتحم قطاع غزة براً، وبرز الحديث الصحفي لرئيس الحكومة ووزير الخارجية الأسبق دومينيك دو فيلبان، الذي جاء متميزاً بتركيزه على ضرورة العودة إلى أساسيات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وأشار دو فيلبان إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبته الأسرة الدولية التي تناست الملف الفلسطيني و«توهمت أنه سيمحى بفضل اتفاقيات اقتصادية واستراتيجية ودبلوماسية»، في إشارة إلى ما تسمى «اتفاقيات إبراهيم».
ونبّه دو فيلبان من ردة الفعل الإسرائيلية العمياء التي لا تميز بين من هو عسكري ومن هو مدني، عادّاً أنها ستقود إلى «اشتعال كل المنطقة»، وإذ أقرّ بحق الدفاع عن النفس ل"إسرائيل"، إلا أنه حذّر من تحوله إلى «عملية انتقام عمياء»، مضيفاً، السكان المدنيون كشعب «لا يعني أن عليهم أن يدفعوا ثمن جرائم ارتكبها أفراد»، وأن «محاربة (حماس) لا تعني حجز مليوني فلسطيني في قطاع غزة». وخلاصة رئيس الوزراء الأسبق، أنه «يتعين النظر اليوم بحل الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية) لأنه الوحيد الممكن».