الوقت - أرسلت أرمينيا وجمهورية أذربيجان قوات إلى الحدود المشتركة في الأسابيع الماضية، وكان يُعتقد منذ أسابيع أن حربًا جديدةً ستندلع حول ممر لاتشين المسدود، من أجل إنشاء ممر زانجيزور في القوقاز.
القصة هي أن باكو تحاول الضغط على يريفان من خلال قطع طريق الاتصال بين ناغورنو كاراباخ وأرمينيا، المعروف باسم ممر لاتشين، حتى توافق هذه الدولة على احتلال جمهورية أذربيجان لجزء من أراضيها في مقاطعة سيفنيك، ونتيجةً لذلك سيتم إنشاء خط اتصال بين باكو ونخجوان وتركيا من داخل أرمينيا.
تناول "إيفان كيسيك" المحلل السياسي، في مقال نشره موقع برس تي وي، الوضع الحرج في القوقاز والنار تحت رماد المواجهة بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، وممر زانجيزور الافتراضي الذي تصر حكومة إلهام علييف على إنشائه، كما تطرق إلی وجهة نظر إيران بشأن كاراباخ، وفي هذا المقال نقرأ:
بعد تصاعد التوترات مرةً أخرى بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان بشأن الأراضي المتنازع عليها، حذّر المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً من أنهم لن يسمحوا أبداً بتغيير الحدود في القوقاز.
مؤخراً أطلقت حكومة إلهام علييف ما أسمته عملية مكافحة الإرهاب في ناغورنو كاراباخ، الأمر الذي أثار موجةً من القلق في مختلف أنحاء المنطقة، وأعلنت باكو أنها أبلغت روسيا وتركيا بذلك.
ووصفت وزارة خارجية جمهورية أذربيجان، في بيان لها، الانسحاب الكامل للقوات الأرمينية من كاراباخ بأنه السبيل الوحيد للسلام، وطلبت أرمينيا من مواطنيها الاحتماء في خانكندي (عاصمة إقليم كاراباخ المتمتع بالحكم الذاتي).
في 3 أيلول/سبتمبر، أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بعد اجتماعه مع نظيره التركي هاكان فيدان، موقف طهران المتمثل في أنها لن تتسامح مع أي تغييرات جيوسياسية في منطقة القوقاز، بما في ذلك التغييرات الحدودية.
وبعد ستة أيام، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إن طهران مستعدة للعب دور فعال في منع نشوب صراع جديد، وأي تغيير في الحدود التاريخية في المنطقة المتنازع عليها.
وفي 10 سبتمبر/أيلول، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن سلطات جمهورية أذربيجان أكدت لطهران أنها لا تنوي شن هجوم عسكري على أرمينيا، وأن التحركات الأخيرة هي عمل عسكري تقليدي قبل موسم الشتاء. وفي اليوم نفسه، نفت إيران الادعاء بإرسال جنود على الحدود مع جمهورية أذربيجان، ووصفته بأنه لا أساس له من الصحة.
ما هو ممر زانجيزور؟
ممر زانجيزور، ويُسمى أحيانًا ناختشيفان-سيفنيك أو ميغري، هو ممر نقل مقترح يمر عبر مقاطعة سيفنيك في أرمينيا، وسيربط جمهورية أذربيجان بجمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي. ويمر هذا الممر عبر وادي نهر آراس في جنوب أرمينيا على طول الحدود مع إيران، ويستمر حتى تركيا في الغرب.
حاليًا، طريق الاتصال الوحيد بين باكو وناختشيفان يمر عبر الأراضي الإيرانية (التي وفرتها إيران لمواطني جمهورية أذربيجان على مدار الثلاثين عامًا الماضية).
وفي اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب عام 2020 بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، تم التأكيد على إعادة فتح طرق الاتصال المقطوعة، لكن البلدين يفسران هذه النقطة أيضًا بطرق مختلفة.
حيث ترى باكو أنها أساس لفتح ممر زانجيزور (واحتلال مقاطعة سيفنيك الأرمنية)، في حين ترى يريفان أنها تفتح الطرق والسكك الحديدية القائمة في البلاد والمبنية من الحقبة السوفيتية السابقة.
وهکذا، تختلف وجهات النظر بين البلدين حول مفهوم الممر وتعريفه، ووجود نقاط المراقبة وجنسية الحراس الذين يسيطرون على هذه النقاط.
تطالب باكو بالمرور دون عوائق ودون تفتيش من مقاطعة سيفنيك إلى جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، وعندما رفضت يريفان القيام بذلك، هددت بتنفيذ الخطة المخطط لها من جانب واحد، ومن خلال التدخل العسكري واحتلال جنوب أرمينيا.
ما هو موقف إيران؟
بعد دعم القوى الأجنبية والنجاح النسبي الذي حققته باكو في حرب السنوات الثلاث الماضية، يتم إجراء العديد من الدعايات داخل جمهورية أذربيجان لبناء طريق زانجيزور باستخدام الوسائل العسكرية (واحتلال أراضي أرمينيا)، وهي مسألة تعارضها إيران بشدة.
وفي الواقع، ترحب إيران بربط طرق النقل في القوقاز دون استبعاد أي من جيرانها الكبار أو الصغار، لكنها ترفض بشدة التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.
وقد وصفت بعض الجهات الدولية المناهضة لإيران هذا الموقف بأنه عداء مزعوم لجمهورية أذربيجان وتركيا، وتقول إن طهران تحاول عزلهما ودعم أرمينيا؛ وهو موضوع بعيد عن الواقع.
إن موقف طهران من انتهاك الحدود القائمة ليس جديداً، بل هو جزء من النهج الرسمي الإيراني، والذي شوهد في دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك العراق والكويت ولبنان وقطر وفلسطين وسوريا وتركيا واليمن.
ولم يتغير هذا الموقف الإيراني أبدًا في العقود القليلة الماضية، بغض النظر عن اختلاف حالة العلاقات الثنائية مع الدول المذكورة، ولهذا السبب على وجه التحديد، وعلى الرغم من علاقات إيران الطيبة مع روسيا، فإنها تعترف بسلامة أراضي جورجيا وأوكرانيا.
وجمهورية أذربيجان ليست استثناءً من هذه القاعدة، لأن موقف طهران الثابت هو أن كاراباخ جزء من جمهورية أذربيجان، وهو ما رحّب به إلهام علييف وأشاد به.
ولهذا السبب، تعارض إيران التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، والتي، مع تغيير الحدود في جنوب القوقاز، تتكثف سياق السياسات الانتقامية واستخدام الأسلحة، وبطبيعة الحال، زيادة عواقبها، ونتيجةً لذلك، فإن الهدوء في إيران يتعرض للخطر أيضاً.
وفي حال نشوب حرب طويلة أخرى، سيتم قطع محور الاتصال الإيراني مع البلدين، وقد يتدفق عشرات الآلاف من اللاجئين إلى إيران، مثل ما حدث في حرب القوقاز الأولى.
ومع احترامها لحقوق الأقلية الأرمنية (داخل جمهورية أذربيجان)، فقد دعمت إيران دائمًا التكامل السلمي لناغورنو كاراباخ في جمهورية أذربيجان، وعارضت تصعيد التوترات، ومن ناحية أخرى، تركز إيران على التعاون مع الدولتين المذكورتين في بناء المصانع والسدود والطرق وغيرها من البنى التحتية، فضلاً عن إدراج أرمينيا وجمهورية أذربيجان في الممرات الدولية للتواصل مع العالم، مثل ممر الشمال-الجنوب.
والقصد من ممر الشمال-الجنوب هو الطريق الذي يربط منطقة أوراسيا، وخاصةً روسيا، بمنطقة جنوب آسيا، والهند، عبر الهضبة الإيرانية، وبطبيعة الحال يمكن أن تستفيد يريفان وباكو أيضًا من هذه الميزة.
توفر إيران الاتصال الدائم لباكو بنخجوان، والاتصال البري بتركمانستان وآسيا الوسطى لشعب جمهورية أذربيجان، كما أن خط سكة الحديد إلى أستارا قيد الإنشاء، يمكنه ربط هذه الأرض بالممر الشمالي الجنوبي، أي إلى المحيط الهندي.
وفي مارس من العام الماضي، وقعت إيران وجمهورية أذربيجان مذكرة تفاهم بشأن مواصلة تطوير الممر الحالي بين باكو وناختشيفان عبر إيران، كبديل لممر زانجيزور عبر الأراضي الأرمينية.
ومن السمات الأخرى لنهج إيران في المنطقة، حل النزاعات من خلال صيغة 3+3، أي 3 دول هي أرمينيا وجمهورية أذربيجان وجورجيا و3 دول في المنطقة (إيران وروسيا وتركيا) دون تدخل القوى الأجنبية.
تتلخص رؤية طهران لمنطقة القوقاز في أن تكون الدفة لاستقرار المنطقة، في حين تريد القوى عبر الاقليمية تحويل المنطقة إلى مكان جديد للاشتعال والتوتر والفوضى.
تدرك إيران جيدًا الخطط الأنجلو-أمريكية المستمرة منذ عقود لدمج مجال اهتمامها عبر القوقاز في آسيا الوسطى، والتي تتضمن الغزو القسري لجميع الدول الإقليمية الثلاث الأصغر حجمًا، وما يترتب على ذلك من عزلة لإيران وروسيا.