الوقت - في ظل غرق الأراضي المحتلة في مستنقع الأزمات السياسية والأمنية، بسبب مخططات أحزاب اليمين المتطرف المثيرة للجدل، وتزايد العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني ضد المستوطنين، كان اللقاء بين قادة فصائل المقاومة الفلسطينية ووزير خارجية إيران في لبنان، رسالةً واضحةً ومهمةً للصهاينة لمنع أي نوع من الحسابات الخاطئة وعدم الوقوع في الخطأ.
وحضر اللقاء الثلاثي المشترك في بيروت، أمير عبد اللهيان وزياد النخلة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
في حين أن الدعم الكامل للمقاومة في قطاع غزة هو قضية واضحة وسياسة الجمهورية الإسلامية الاستراتيجية تجاه القضية الفلسطينية، وأعلن أمير عبد اللهيان أن دعم فلسطين هو جوهر السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث كان التخطيط لدعم الانتفاضة الشعبية وتعزيز المقاومة في الضفة الغربية، بمثابة كابوس رهيب يقلق الصهاينة من نتائج هذا اللقاء.
وخاطب وزير الخارجية الإيراني قيادات المقاومة، وقال: "إن إيران لا تزال متمسكة باستراتيجيتها في دعم الشعب الفلسطيني والمقاومة ودعم تحرير فلسطين من الاحتلال، ويعتقد قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي أن دعم قوى المقاومة في الضفة الغربية يجب ألا يتراجع".
فتح جبهات مختلفة ضد الکيان الإسرائيلي
يأتي اجتماع أمير عبد اللهيان مع قادة حماس والجهاد الإسلامي، في ظل تصاعد التوتر بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، وقد زاد الشباب الفلسطيني من العمليات الاستشهادية ضد المستوطنين من أجل منع النزعة التوسعية للمحتلين.
وتنفيذ مئات العمليات من قبل الفلسطينيين ومقتل 39 صهيونياً منذ بداية العام 2023، يدل على أن المقاومة غيرت ميزان الردع لمصلحتها وأخذت زمام المبادرة من الکيان، والآن، أصبح تعزيز مجموعات المقاومة في الضفة الغربية، والتي تنتشر في جميع أنحاء هذه المنطقة، هو الشغل الشاغل للسلطات الصهيونية، ولم يتمكنوا من تحييد العمليات والقضاء على هذه المجموعات.
وقد أربكت هذه القضية سلطات تل أبيب، وأدت إلى حرب كلامية بين مسؤولي الحكومة الذين يتهمون بعضهم البعض بالضعف والتقاعس.
تحذير لتل أبيب من سيناريو اغتيال قادة المقاومة
يأتي لقاء أمير عبد اللهيان مع قادة حماس وفلسطين، فيما اتهم نتنياهو مؤخراً إيران بالتورط في تنفيذ العمليات الاستشهادية في حوارة والخليل، وقال إن طهران تقدم الدعم المالي والسلاح للفلسطينيين.
من ناحية أخرى، فإن لقاء وزير الخارجية الإيراني مع القادة الفلسطينيين، في الوقت نفسه الذي التقى فيه السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، يظهر التقارب بين جبهة المقاومة في المنطقة.
وبالتوازي مع المغامرات الأخيرة للکيان الإسرائيلي في الضفة الغربية وجنوب لبنان، تزداد غرفة عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية تنسيقاً يوماً بعد يوم، ومؤخراً قال قادة الجهاد الإسلامي إنه في الصراع القادم مع تل أبيب، ستكون المقاومة الفلسطينية وحزب الله معاً.
وقد حذّر كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الأركان هرتسي هليفي ووزير الحرب يوآف غالانت، من أنهم لا يستطيعون القتال على جبهات متعددة عندما يكون الجيش ضعيفًا.
ومن ناحية أخرى، ومع تزايد العمليات الاستشهادية، طرح المتطرفون مرةً أخرى خيار اغتيال قادة حماس على الطاولة، من أجل إضعاف جسم المقاومة من خلال تصفية كبار القادة.
تجدر الإشارة إلى أن العاروري، الذي مثّل حماس في اجتماع بيروت، على رأس قائمة الاغتيالات الصهيونية، ولهذا فإن لقاء العاروري مع أمير عبد اللهيان ونشر صوره في وسائل الإعلام، يمكن أن يكون مصدر تشجيع للمقاتلين الفلسطينيين على أن قادة المقاومة لا يخافون من التحذيرات الصهيونية.
وفي الأسبوع الماضي، وبعد تهديدات نتنياهو، ظهر العاروري في مكتبه بالزي العسكري ليقول إنه يقود الحرب ضد المحتلين، ومستعد للشهادة كأحد أبناء المقاومة، ولذلك، فإن تعزيز التعاون بين الجمهورية الإسلامية والمقاومة الفلسطينية يمكن أن يكون بمثابة تحذير لقادة تل أبيب، بأنهم إذا أعادوا تفعيل سيناريو الاغتيالات، فإن العواقب الوخيمة تنتظرهم.
إن لقاء بيروت رسالة حاسمة من إيران ومحور المقاومة، بأن استهداف أحد قادة المقاومة ومحورها يعني إشعال حرب غير مسبوقة لن تقتصر على الأراضي المحتلة فحسب، بل ستمتد من إيران إلى فلسطين ولبنان وسوريا، کما أن وقوع حرب شاملة في ظل الوضع الذي يعيشه نتنياهو في ظروف داخلية وخارجية صعبة وتورطه في عدة جبهات، سيفرض علی تل أبيب الكثير من التكاليف.
کذلك، تتصدر فصائل المقاومة الفلسطينية النضال ضد المحتلين، وقد تمكنت في العقد الأخير، وبدعم من إيران وحزب الله، من توجيه ضربات قاتلة إلى جسد تل أبيب، وتعزيز المقاومة في الضفة الغربية يزعج الکيان الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى.
تحييد مخططات تل أبيب الشريرة في المنطقة
إن اللقاء رفيع المستوى بين المسؤولين الإيرانيين والقادة الفلسطينيين ليس لأغراض إعلامية، بل لقاءات تحتوي على رسائل استراتيجية وثيقة الصلة بأحداث وتطورات المنطقة.
ولذلك، فإن لقاء بيروت يأتي في وقت اشتدت فيه مخططات الکيان الصهيوني الشريرة ضد الجماعات الفلسطينية من جهة، ورغبة تل أبيب المزدوجة في اختراق العالم العربي من خلال تطبيع العلاقات، وآخر مثال على ذلك كانت محاولة اختراق الساحة السياسية الليبية، وبهذه اللقاءات تهدف إيران إلى إفشال مخططات تل أبيب.
کما أن تعزيز علاقات إيران مع الفصائل الفلسطينية، يظهر أن المشروع التدميري لأمريكا والكيان الصهيوني لإضعاف جبهة المقاومة قد فشل، ولهذه اللقاءات نتائج مهمة من حيث التوقيت والرسالة، لأن إيران، انطلاقاً من سياستها الخارجية المتماسكة ومواقفها، اتخذت موقفاً داعماً لفلسطين منذ عقود ولم تتراجع أبداً عن هذه السياسة، وزيارة أمير عبد اللهيان هي تأكيد آخر على أن إيران ظلت دائماً ثابتةً على مواقفها في دعم المقاومة، على أساس عدو واحد وأهداف مشتركة.