الوقت- بشكل شديد اللهجة، جددت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) انتقادها للسلطة الفلسطينية بسبب تعاونها الذي وصفته بـ "الغادر والمستمر" مع الاحتلال الصهيوني وأكدت أن هذه السلطة لا تمثل أبدًا الشعب الفلسطيني، حيث قال فرحان علقم، أحد قادة حركة حماس، في حديث تلفزيوني، إن السلطة الفلسطينية قد ربطت مصيرها بدعم الاحتلال واستمرار مشروع مفاوضات المصالحة معه والذي هو خنجر في ظهر الأمة الفلسطينية، وأضاف: إن السلطة الفلسطينية تصر على الاستمرار في مسار المفاوضات مع المحتلين رغم فشلها المشين، في حين أن هذا المسار يضر بالقضية الفلسطينية، وخاصة أن المنظمة المتمتعة بالحكم الذاتي ظاهريّاً أهملت حقوق الشعب الفلسطيني وتجاهلت مبادئها وجعلت نفسها رهينة إملاءات الاحتلال الصهيوني.
سلطة لا تمثل الشعب
"السلطة الفلسطينية برئاسة عباس لا تمثل الأمة الفلسطينية وتواصل خيانة تطلعات الأمة الفلسطينية من خلال اتباع الخطط الخارجية"، جملة باتت تسمع كثيراً في فلسطين وخاصة على لسان قيادات الفصائل، والدليل نبأ جديد تحدث أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية داهمت منزل المواطن الفلسطيني حازم الخوري في الخليل، وأكدت لجنة الحريات في الضفة الغربية أن هجوم الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على منزل الخوري يعد جريمة وخدمة للمحتلين، في وقت تؤكّد كل فصائل المقاومة أنّ جرائم المحتلين ومستوطنيهم ستؤجج شعلة المقاومة، وهذه الجرائم لن تقضي على إرادة الأمة المقاومة ومكانتها، ولن تنكسر أرضه، وستؤدي دماء الشهداء في جميع الميادين إلى النصر النهائي على المحتلين.
وتعتبر علاقة السلطة الفلسطينية بالاحتلال الإسرائيلي موضوعا حساساً للغاية، ومن أهم النقاط التي يعتبرها الفلسطينيون دليلاً على خنوع السلطة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي وتشمل التنسيق الأمني، حيث تمتلك السلطة الفلسطينية وحدات أمنية تتعاون بشكل وثيق مع قوات الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالأمن والمخابرات، وهذا التنسيق يفهم على أنه تعاون مبني على الخضوع للاحتلال والتنازل عن استقلالية القرار الأمني الفلسطيني، إضافة إلى التعاون الاقتصادي، حيث تعتمد السلطة الفلسطينية بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي في العديد من الجوانب، بما في ذلك العمل والتجارة والاعتماد على السلع والخدمات الإسرائيلية، وهذا التعاون الاقتصادي يجعل السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل كبير على الكيان وتقوض استقلاليتها الاقتصادية.
من جهة ثانية، إنّ قيود الحركة والتنقل تعتبر ملفاً حساساً، حيث يفرض الاحتلال الإسرائيلي قيودًا صارمة على حركة الأفراد والبضائع والخدمات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والسلطة الفلسطينية ليست قادرة على تحقيق الحرية الكاملة للتنقل والسيادة على أراضيها بسبب القيود الإسرائيلية، ما يشير إلى خنوعها للاحتلال، بغض النظر عن التفاوض والمفاوضات الفاشلة، لأن السلطة الفلسطينية استمرت في المشاركة في كذبة عملية السلام والمفاوضات مع تل أبيب دون أي تقدم في تحقيق حقوق الفلسطينيين، وهذا الاستمرار في المفاوضات دون تحقيق الأهداف المطلوبة يعكس خنوعًا وضعفًا للسلطة الفلسطينية.
عقبة في طريق الوحدة
يُعَدُّ تعاون السلطة مع الاحتلال الإسرائيلي والاتفاقات الأمنية بينهما من أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، وهذا التعاون والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" يُعتَبران مصدرًا للتوتر والاحتقان بين الفصائل الفلسطينية وقد يؤثران بشكل سلبي على الجهود الرامية لتحقيق الوحدة الوطنية، وإن التعاون الأمني بين سلطة الفلسطينية وتل أبيب ينصب في الأساس على تبادل المعلومات والتنسيق الأمني لمواجهة المقاومين ضد الاحتلال، ويرى البعض أن هذا التعاون يخدم مصالح العدو بحماية أمنه، ويضع السلطة الفلسطينية في مواجهة أبناء الضفة الغربية.
ويعتبر الفلسطينيون موقف السلطة الفلسطينية هذا خيانة للقضية الفلسطينية وأنه يساعد على استمرار الاحتلال وقمع المقاومة الفلسطينية، وتؤكد هذه الفصائل على أن التعاون الأمني يؤدي إلى مصادقة ودعم الاحتلال ويعطي الاحتلال غطاء دوليا لأفعاله ضد الفلسطينيين، وبشكل عام، فإن هذه التنسيقات والاتفاقات تزيد من التوتر بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وتجعل من الصعب تحقيق التوافق والوحدة بينها في مواجهة القضايا الوطنية المهمة، لذلك، يظل التعاون مع الاحتلال والاتفاقات الأمنية محط انتقاد وجدل داخل الساحة الفلسطينية، التي تعيش انقساناً كبيراً نتيجة لذلك، وإنّ نجاح هذا الاجتماع مرهون بمدى رغبة السلطة على مواجهة الاحتلال وجرائمه.
ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة معوقات تعوق تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، ومن بين هذه المعوقات، الانقسام السياسي حيث يعتبر الانقسام بين حركة فتح وحركة حماس أحد أبرز العوائق، وتسيطر حركة فتح على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، بينما تسيطر حماس على قطاع غزة، وهذا الانقسام يجعل من الصعب تحقيق التوافق واتخاذ قرارات وطنية موحدة، إضافة إلى الاختلاف الفكري والإيديولوجي حيث تختلف الفصائل الفلسطينية في آرائها ومواقفها بشأن مسائل حاسمة مثل الاعتراف بكيان الاحتلال، والمقاومة، واستراتيجية التحرير، هذه الاختلافات الفكرية تجعل من الصعب قليلا تحقيق التوافق والوحدة دون تنازلات من حركة فتح.
ولا يخفى على أحد أن هناك توافقاً داخل الفلسطينيين بشأن تحقيق دولة فلسطينية ذات سيادة على التراب الفلسطيني المحتل، ولكن هناك اختلافات حول مدى التنازل عن المطالب القومية الأخرى والحدود، ناهيك التدخلات الإقليمية حيث تتأثر القضية الفلسطينية بالتدخلات الإقليمية، حيث تسعى بعض الأطراف الدولية المعروفة لتعزيز مصالحها وتأثيرها من خلال دعم حركة فتح دوناً عن كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق مصالحها مع تل أبيب، وهذا يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب تحقيق الوحدة، ويضاف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعاني الفلسطينيون من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وهذه الظروف الصعبة يمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات وتعكر العلاقات بين الفصائل، في وقت يواجه الفلسطينيون تحديات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنفيذ سياسات الاحتلال الدموية والتمييزية والاعتقالات الجماعية والإبقاء على عملاء الاحتلال في السلطة، وهذه السياسات تؤثر على محاولات تحقيق الوحدة والمصالحة بين الفلسطينيين، وهذه بعض المعوقات الرئيسية التي تعترض تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، ويجب التوصل إلى تفاهم وحوار بناء لتجاوز هذه المشكلات والعمل نحو تحقيق الوحدة وتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة التحديات المشتركة.
تدهور غير مسبوق
في ظل التدهور الداخلي للسلطة الفلسطينية مع تراجع شرعيتها في نظر الشعب الفلسطيني، تبدو أكثر فأكثر وكأنها سيارة بلا عجلة قيادة وكابحات معطلة، ورغم ذلك فإن رام الله مستمرة بالتنسيق الأمني مع تل أبيب رغم الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي يوميًا، وحالات القمع التي تجري بالضفة الغربية للحريات العامة، وبينما تستمر الأدوار الحكومية الفلسطينية مثل التعليم والرعاية الصحية في العمل، يبدو أن القيادة تعيش في القمة ولديها سيطرة أقل على المناطق المتزايدة في الضفة الغربية، مع انعدام أي شعور تجاه قضايا شعبها، ووفقًا للعديد من الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، يبدو أن السلطة بعيدة بشكل تام عن طموحاتهم وآمالهم.
وحسب الوقائع والدلائل الكثيرة، يواصل الرئيس عباس تطبيق سياسة التنسيق والتعاون الأمني المستمر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ووكالة الأمن الإسرائيلية، فيما لا نجد السلطة حاضرة في كل مرة ينفذ فيها الجيش الإسرائيلي و"الشاباك" اعتقالات وهجمات داخل المدن الفلسطينية ولا تقاوم قوات الأمن الفلسطينية لحماية المواطنين الفلسطينيين، ما يجعلها تفقد المزيد من الدعم من شعبها، والذي بات بمستويات متدنية للغاية.
الخلاصة، إن زيادة الدعم الشعبي لفصائل المقاومة مثل حماس والجهاد هو نتيجة سيرهم على خط المقاومة ولعدم فعالية السلطة الفلسطينية ورفض "إسرائيل" التفاوض مع قادتها، وخاصة مع تزايد عنف المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين الذي يحدث تحت أنظارها، فيما لا يترك للفلسطينيين أي خيار سوى فهم أن هذه هي السياسة الرسمية لكيان الاحتلال والسلطة في خندق واحد، ما يعني أن المقاومة الفلسطينية بشتى السبل هي الحل الأوحد مع الاحتلال وجبروته العسكري، وإن الهجمات ضد الجنود والمستوطنين هي الرد الوحيد القادر على ردع الظلم عن الفلسطينيين، وخاصة أن الشباب الفلسطينيين لم يعودوا على استعداد لقبول مصير العيش كسجناء في وطنهم، في ظل تعاون لا محدود من السلطة التي تلعب قواتها الأمنية دورًا ضد المقاومين.