الوقت- رغم مرور أكثر من شهر على تمرد ميليشيا فاغنر في روسيا لمدة 24 ساعة، تم الكشف عن أبعاد وزوايا جديدة لهذه القصة.
على الرغم من أن وسائل الإعلام ذكرت في وقت سابق أن يفغيني بريغوجين، رئيس فاغنر، هرب إلى بيلاروسيا خوفًا من المحاكمة وسيحل المجموعة الخاضعة لقيادته قريبًا، إلا أن حضوره غير المتوقع في قمة "روسيا - إفريقيا" المنعقدة في سانت قبل أيام قليلة، أدهش وسائل الإعلام، والمحللين الغربيين، لأن بريغوجين ربما عاد إلى هذا البلد مع أنه تمرد على الحكم الروسي، وأن قضية محاكمته واعتقاله مفتوحة في المحكمة الروسية.
وفقًا لشبكةCNN ، من خلال نشر صورة لرئيس فاغنر ومسؤول أفريقي، الذي هو أحد الأشخاص الحاضرين في اجتماع سانت بطرسبرغ، ادعت أن هذه هي المرة الأولى التي يُشاهد فيها بريغوجين علنًا منذ أن قاد تمرد فاغنر المسلح الشهر الماضي في روسيا، ومنذ تمرده، لم يُشاهد علنًا إلا في 19 يوليو / تموز، وهو يحيي قواته في مقطع فيديو يبدو أنه تم تسجيله في قاعدة في بيلاروسيا.
أفادت وسائل الإعلام الأمريكية بأن الفيديو المذكور تم تصويره في ظروف إضاءة منخفضة وضبابية، لذا لا يمكنها التأكيد على وجه اليقين أن الشخص المعني هو بريغوجين، لكن ويليام بيرنز، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، أكد أنه كان مؤسس فاغنر في مينسك، وقال بيرنز في هذا الصدد: "لقد تحرك قليلا، أعتقد أنه كان في مينسك مؤخرًا، لست متأكدًا مما إذا كان يعتزم التقاعد في ضواحي مينسك، لكنه قضى بعض الوقت أيضًا في روسيا".
قال المتحدث باسم الكرملين مؤخرًا إن فلاديمير بوتين وألكسندر لوكاشينكو، رئيسي روسيا وبيلاروسيا، تبادلا وجهات النظر بشأن جماعة ميليشيا فاغنر خلال اجتماع استمر يومين في سان بطرسبرج، وأعلنت وزارة الدفاع البيلاروسية في بيان الأسبوع الماضي أن قوات مجموعة فاغنر بدأت تدريب القوات الخاصة البيلاروسية في قاعدة عسكرية على بعد أميال قليلة من حدود البلاد مع بولندا.
وحسب CNN، طلب لوكاشينكو، في خطاب ألقاه مؤخرًا، من ميليشيا فاغنر تدريب الجيش البيلاروسي، لكنه قال سابقًا إن قضية نقل قوات فاغنر لم تحل بعد وتعتمد على إدارة المجموعة والسلطات الروسية.
في منتصف يوليو، ذكرت صحيفة "تلغراف" أن بريغوجين، الذي كان من المفترض أن يتوجه إلى بيلاروسيا وفقًا لاتفاق إنهاء التمرد المسلح، شوهد وهو يسافر بين مينسك وسانت بطرسبرغ بطائرة خاصة.
خيبة أمل الغرب من فاغنر
يظهر تقرير سي إن إن عن وجود بريغوجين في روسيا أن الغربيين يعتقدون أنهم خسروا في لعبة بوتين وفاغنر، وانتهاء تمرد الميليشيات لهذه المجموعة في مدينة روستوف في أقل من 24 ساعة ودون إراقة قطرة دم، كل هذا يشير إلى أن بوتين كان ينوي اختبار حساسية أمريكا وأوروبا للتطورات الداخلية لروسيا.
بعد تمرد فاغنر مباشرة، صرح قادة البيت الأبيض وأوروبا أن الفجوة في الجبهة الأمامية قد اشتدت، وقالوا إنهم يراقبون بعناية التطورات الداخلية لروسيا، بل استغلوا هذا الحادث سياسيا وعسكريا، كما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد نهاية تمرد فاغنر، قائلاً إن هياكل الحكم في روسيا قد ضعفت، "سيتعين على بوتين الإجابة على العديد من الأسئلة في الأسابيع والأشهر المقبلة، ولم نر نهاية القصة بعد".
مع رؤية رئيس فاغنر في روسيا، يبدو أن سهام الغربيين لتعطيل الجبهة الروسية متوقفة ولا يمكنهم الاستثمار في فاغنر لتحقيق أغراضهم، كما أظهرت كلمات بريغوجين لتجنيد قوات فاغنر في الجيش بعد انتهاء تمرد هذه المجموعة أن تحركات الجنود في روستوف لم تكن جادة وتشبه إلى حد كبير استعراضًا، لأنه إذا كان هذا صحيحًا، فلن يكون من الممكن الوثوق بقوات المتمردين وتجنيدهم في الجيش الروسي الذي يحتاج هذه الأيام إلى مزيد من التماسك والوحدة للتعامل مع الجبهة الغربية.
من ناحية أخرى، فإن فتح قضية الخيانة ضد بريغوجين من قبل محكمة موسكو يروي حقيقة تمرد فاغنر، لأننا الآن نرى أنه يتحرك بسهولة في روسيا ولا توجد أخبار عن اعتقاله بتهمة الخيانة، وهذا يدل على ذكاء بوتين الذي ترك للغربيين مظاهر هذه الحادثة فقط ليرى ردة فعلهم".
أيضًا، مع وجود بريغوجين في سانت بطرسبرغ، تعزز الانطباع السائد بين الغرب بأن بوتين كان يحاول نشر قوات فاغنر في بيلاروسيا مع هذا التمرد الوهمي من أجل الدفاع عن مصالح موسكو ضد تهديدات الناتو.
قبل ذلك، لم يكن لقوات فاغنر مكان محدد لتكون متمركزة وكانت منتشرة في عدة دول أفريقية والشرق الأوسط، ويمكن أن تكون بيلاروسيا مقرًا جيدًا للتنسيق الاستخباراتي والأمني بين قوات هذه المجموعة، من ناحية أخرى، تعتبر بيلاروسيا حليفًا استراتيجيًا لروسيا، التي نشرت في الأشهر الأخيرة أسلحتها النووية على أراضي هذا البلد، المتاخم لأعضاء الناتو، ويمكن أن تساعد فاغنر في زيادة القدرات الدفاعية لبيلاروسيا وتقوية موسكو ضد الغرب.
فاغنر... ذراع بوتين العملياتية في إفريقيا
لا شك أن معظم التعاون بين موسكو وفاغنر يتعلق بأنشطة هذه المجموعة في إفريقيا، كما أن حضور بريغوجين في لقاء الأفارقة مع روسيا يظهر أن هذه المجموعة تلعب دورًا مهمًا في هذا المجال.
يعتقد العديد من المحللين أن روسيا بحاجة إلى فاغنر لمواصلة وجودها ونفوذها في الدول الأفريقية ولن تتخلى بسهولة عن هذه المجموعة المتشددة، ويقال إن قوات فاغنر لها وجود نشط في دول أفريقية منها السودان وليبيا وإفريقيا الوسطى، وتدعم القوات المقربة من روسيا.
من أجل تعزيز مكانتها في القارة السوداء، التي تزداد أهمية خاصة في مجال الموارد المعدنية الاستراتيجية لـ "النظام العالمي" الجديد، أنشأت روسيا آليات جديدة لزيادة حجم علاقاتها السياسية والاقتصادية مع هذه الدول في قمة سانت بطرسبرغ، وفاغنر سيلعب دور المنفذ لخطط موسكو في هذه القارة.
لذلك، فإن إحدى القضايا التي دفعت CNN إلى اعتبار الاختلاف بين فاغنر وموسكو مجرد دراما، هي تزامن اجتماع سان بطرسبرج مع الانقلاب في النيجر.
وأشاد بريغوجين في خطابه بالانقلاب العسكري في النيجر ووصفه بأنه نبأ سار، وقال إنه لم يكن له دور في الانقلاب، لكنه وصفه بأنه لحظة تحرر طويل الأمد من أيدي المستعمرين الغربيين، وقال في رسالته: "ما حدث في النيجر ما هو إلا كفاح الشعب ضد مستعمريه".
وأفادت قناة Telegram DDGeopolitics بأن بريغوجين عقد اجتماعًا مع ممثلين عن جمهورية إفريقيا الوسطى في سان بطرسبرج، وحسب المصادر، فقد ناقشا في الاجتماع مع بريغوجين دخول قوات فاغنر إلى إفريقيا لمواجهة النفوذ الغربي وتوسيع النفوذ الروسي في الدول الأفريقية، وبالنظر إلى خلفية الانقلاب في النيجر، تم تقديم اقتراحات بأنه بعد تغيير الحكومة، يمكن دعوة قوات فاغنر للمساعدة في استعادة النظام في هذا البلد.
على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل، إلا أن مؤيدي الانقلاب المدعوم من الجيش في النيجر والذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم هتفوا باسم روسيا ورفعوا العلم الروسي وأنزلوا العلم الفرنسي أمام الجمعية الوطنية في نيامي.
وكانت النيجر في شمال إفريقيا آخر معقل للغربيين، والتي انتزعت من أيدي الولايات المتحدة وفرنسا في الأيام الأخيرة مع الانقلاب العسكري، وأعربوا عن قلقهم حيال هذه القضية.
النيجر، التي كانت مستعمرة فرنسية في الماضي، كان لها معظم العلاقات الاقتصادية مع الغربيين، ومع التطورات العسكرية الأخيرة، من غير المرجح أن تظل التفاعلات مستقرة على هذا المستوى.
يبدو أن وجود بريغوجين على هامش قمة سانت بطرسبرغ يهدف إلى إظهار قوته وزيادة نفوذ روسيا وفاغنر في إفريقيا، كما أشارت تقارير محلية إلى أن المئات من مقاتلي فاغنر دخلوا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى الأسبوع الماضي حيث تستعد البلاد لإجراء استفتاء دستوري قد يلغي حدود الولاية، وبالتالي يسمح للرئيس الحالي بفترة ولاية أخرى.
بالنظر إلى أن روسيا، بمساعدة حلفائها، بما في ذلك الصين، تخطط لتأسيس نظام جديد بهيكل متعدد الأقطاب في العالم، ولا شك أن وجود هذا البلد في أي منطقة يعتبر الحد من نفوذ الغرب، وهذه القضية أكثر أهمية في أفريقيا من أي مكان آخر.
يعتقد المحللون الغربيون أن وجود بريغوجين يشير إلى أن شركته العسكرية الخاصة ستستمر في لعب دور في دفع أجندة السياسة الخارجية للكرملين في إفريقيا، ووصف دوكسي، الخبير في المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والدولية، عودة بريغوجين إلى روسيا بأنها مرعبة، لكنه فسرها على أنها تتماشى مع أهداف فاغنر وروسيا للتجارة ، وقال: "من المرجح أن تستخدم موسكو القمة لطمأنة الشركاء الأفارقة حول التزام فاغنر واستمرارية الخدمة ".
لذا وكنتيجة، فإن تجديد التعاون بين بوتين وبريغوجين هو تطور سلبي لفشل خطط الغرب لاستغلال الفجوة بين الصديقين لإضعاف روسيا، وليس فقط عدم وجود خلاف في الرأي بين الجانبين، ولكن بعد ذلك، سيزداد هذا المستوى من التعاون بين الكرملين وفاغنر، بل أوكلت مهمة جديدة لهذه المجموعة في إفريقيا.