الوقت- كشفت التصريحات التي أدلى بها مؤخرا هادي عمرو، رئيس الملفات الفلسطينية في وزارة الخارجية الأمريكية، أن تقييم إدارته لشعبية السلطة الفلسطينية في التكوين الفلسطيني الحالي "لا تتجاوز 5٪."، ولذلك تداعيات دبلوماسية عميقة، وخاصة أنه كان يتحدث بصراحة مع ممثلي "المجتمع الفلسطيني"، ولم يذكر الدبلوماسي الأمريكي المسؤول عن التواصل مع الفلسطينيين وكيف وصلت السلطة إلى هذه النسبة أو ما هي المعايير التي وصلت إليها، لكنه قال إن شعبية السلطة الفلسطينية في وضع مزرٍ، وبالتالي الرئيس محمود عباس كذلك، أي إن الشعبية تتآكل الآن بسرعة بين الفلسطينيين وخاصة في الضفة الغربية، ولاحظ الجميع أن الدبلوماسيين الأمريكيين أشاروا إلى ضرورة التمييز تقنيا بين" السلطة " وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، هذا لأنه ألمح إلى أن ما قصده لم يكن حركة فتح أو التنظيم، بل هيكل السلطة الفلسطينية.
شعبية متهاوية للسلطة
بوضوح، أشارت بيانات استطلاعات الرأي الداخلية التي أجريت في المنطقة الفلسطينية إلى أن شعبية السلطة الفلسطينية وصلت إلى أرقام متدنية للغاية، وجاء البيان عمليا على هامش حوار استضافه النظراء الإسرائيليون ووزارة الدفاع الأمريكية دون وجود فلسطينيين ليعكس مستقبل الأراضي الفلسطينية والوضع الأمني المعقد هناك، ويزعم خبراء مرتبطون بالسلطة الفلسطينية أن هذه الأرقام المضللة التي يروج لها الأمريكيون فيما يتعلق بـ "شعبية السلطة الفلسطينية" لها آثار سياسية معادية وتشير إلى وجود برامج أمريكية تهدف إلى التأثير السلبي على "الشرعية الفلسطينية".
وقبل أسابيع، ادعى الرئيس بايدن علنا أن جهاز الأمن الفلسطيني "لم يفعل ما يجب عليه فعله" لتوفير الأمن للكيان الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، كما أدلى الرئيس الأمريكي بتصريحات انتقادية مباشرة للقيادة الفلسطينية قبل وصول رسالة إلى رام الله، موضحا فيها أن البيت الأبيض لا يعني "شرعية الرئيس الفلسطيني"، بل يشير إلى "الانتخابات" التي يجب أن ترتفع على سطح الحدث.
وأشير إلى أن القصة الدبلوماسية الأمريكية المتمثلة في تآكل شعبية السلطة الفلسطينية يمكن أن تكون مقدمة لمشروع أمريكي غامض بعنوان إعادة بناء أجهزة السلطة وهياكل رموزها التمثيلية، وخاصة أن الكشف الأمريكي يتبع كل المداولات والمناقشات التي غرقت العواصم العربية والغربية، ويحق لها التفكير في مستقبل خليفة الرئيس محمود عباس، ويبدو أن قضية "خلافة عباس" بدأت تأخذ سياقا أكثر، دون وضوح ملموس للسيناريو، في المناقشات العامة بين العديد من الدول العربية والدول الغربية، وفي أعماق النظام الأمريكي وحتى بين الفصائل الفلسطينية.
كيف ينظر الأمريكيون والإسرائيليون للسلطة؟
يمكن القول إن وجهة نظر الصهاينة تتمثل في رؤيتهم "إسرائيل" كـ "دولة يهودية وديمقراطية" تحتل الأراضي الفلسطينية وتحقق أهدافها السياسية والأمنية في المنطقة، وبالتالي، فإنهم يرون السلطة الفلسطينية على أنها عائق أمام تحقيق هذه الأهداف، ولا يرون فيها شريكاً محتملاً في كذبة "عملية السلام"، ومن جهة أخرى، تدعي الإدارات الأمريكية السابقة والحالية أن السلطة الفلسطينية هي شريك محتمل في تلك العملية ، وتسعى إلى دعمها وتشجيعها على المشاركة في التفاوض مع تل أبيب لتحقيق حل سلمي للصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا الصدد، إن وجهات النظر المختلفة بين الأمريكيين والصهاينة والفلسطينيين تعكس الخلافات الكبيرة في المصالح والأهداف والقيم بين الأطراف المعنية، ويعكس ذلك صعوبة تحقيق السلام الدائم في المنطقة، لأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعتبر واحداً من أكبر الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، ويتميز بتعقيداته وصعوباته التاريخية والسياسية والثقافية، ويتعلق الصراع بالأراضي الفلسطينية التي تحتلها العصابات الصهيونية منذ عام 1948 بمساعدة غربية وأمريكيّة، والتي تنتج عنها عدة قضايا مثل جرائم الإبادة الجماعية استيطان اليهود في الأراضي الفلسطينية والحدود والأمن وحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
لذلك، إن الصراع يتميز بعدم وجود حل سهل أو سريع له، حيث تواجه الأطراف المعنية صعوبات كبيرة في التفاوض على حلول مقبولة للجميع، وتختلف الأطراف المعنية في وجهات النظر والأهداف والمصالح، ما يجعل من الصعب تحقيق وهم "السلام الدائم"، ومع ذلك، فإن العديد من الجهود الدولية والإقليمية والمحلية الكاذبة قد بذلت لتحقيق هذا الوهم في المنطقة، من خلال دعم ظاهريّ لعملية السلام والتفاوض بين الأطراف المعنية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية، ويجري التركيز الفلسطيني حالياً على تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهذا يتطلب تضافر الجهود والتعاون بين الأطراف الدولية الراعية للكيان وغير الراغبة بذلك.
ويشكل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تأثيرات واسعة النطاق على المنطقة بأكملها، حيث يعتبر مصدراً للتوتر والعنف والاضطرابات، ومن خلال استمرار الصراع، يتم تعزيز الانقسامات السياسية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية، وتتعرض الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان للانتهاكات المستمرة من قبل الآلة العسكرية للكيان وقد شاهد العالم مجازر الكيان مؤخراً في جنين، كما أن احتلال فلسطين يؤثر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، حيث يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة والفقر والتدهور الاجتماعي، ومن الممكن أن يؤدي الصراع إلى تفاقم التطرف والإرهاب في المنطقة، ويزيد من خطر اندلاع صراعات أخرى.
العلاقة بين السلطة الفلسطينية وأمريكا
منذ السابق، كانت العلاقة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة متقلبة ومختلف عليها، حيث كانت العلاقة تتأثر بشكل كبير بالتطورات السياسية والأمنية في المنطقة، وتتميز العلاقة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة بالتنافر والتعاون في نفس الوقت، وفي الفترة الأخيرة، كانت العلاقة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة متوترة بشكل كبير، حيث قامت الإدارة الأمريكية الحالية بإلغاء الدعم المالي الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، وذلك بعد قرار الإدارة الأمريكية السابقة بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.
وقد أدى هذا الإجراء إلى تدهور العلاقة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، وزيادة الخلافات بين الجانبين بشأن المسائل السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، ومع ذلك، فإن العلاقة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة لا تزال تتمتع ببعض العناصر المشتركة، مثل الدعم الكاذب لعملية السلام في المنطقة وتقدير الحاجة إلى الحوار والتفاوض بين الأطراف المعنية، ويستمر الجانبان في العمل معاً تحت مزاعم "مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية في المنطقة"، على الرغم من التوترات الحالية.
أما من ناحية العلاقة بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، تتسم العلاقة بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي بالتوتر الشديد والتنازع الكبير، حيث تتعرض العلاقة لمشكلات وتحديات عدة، أهمها الصراع على الأرض والحدود والأمن والمصالح، ويعود هذا التوتر إلى الصراع الدائم بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي حول الأرض والاستيطان والحدود، حيث تتعرض الأراضي الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي وبالأخص عقب حرب 1967، ويتم استيطان اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل مستمر ودون إذن من السلطة الفلسطينية، وتؤثر هذه الأحداث بشكل كبير على العلاقة بين الطرفين، وتتسبب في تفاقم التوترات والصراعات السياسية والأمنية في المنطقة، وتعمل السلطة الفلسطينية بشكل دائم على تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فيما يعمل كيان الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز وجوده في الأراضي الفلسطينية وتوسعة المستوطنات الإسرائيلية.
ومع كل ذلك، فإن العلاقة بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي لم تخل من بعض المحاولات للتفاوض والتوصل إلى حلول سلمية أشد كذبا من تلك التي مع الأمريكيين، في ظل قيام السلطة بالتنسيق الكبير مع الاحتلال الإسرائيلي، كما أن العلاقة بين الطرفين متعددة الأبعاد، فيما يتم التنسيق بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي في مجال الأمن، وذلك من خلال تبادل المعلومات والتنسيق لصالح تل أبيب، وإن هذا التنسيق يتعرض لانتقادات كبيرة من قبل الفصائل الفلسطينية والناشطين الحقوقيين، الذين يرفضون التعاون مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ويعتبرونه خيانة للقضية الفلسطينية حاله كحال التعاون بينهما في مجال الاقتصاد، مثل التجارة والعمل والنقل والبنية التحتية، ويعتبرونه جزءًا من الاستيطان والتهويد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.