الوقت - الصهاينة المحتجون، الذين لن يقبلوا بأقل من إلغاء إصلاح النظام القضائي، أوفوا بوعدهم يوم الثلاثاء وقاموا باحتجاجات حاشدة في الشوارع في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.
في احتجاجات بعنوان "اليوم الوطني للمعارضة"، قام عشرات الآلاف من الصهاينة بمنع الوصول إلى بورصة تل أبيب، ووضعوا لافتةً كتب عليها "نحن سننقذ الاقتصاد".
وتجمع المتظاهرون في عدة محطات قطارات، أمام مبنى الهستدروت العام وشارع كابلان في تل أبيب، أحد المراكز الرئيسية للاحتجاجات. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن الشرطة حذرت من زيادة احتمال وقوع اشتباكات جسدية بين المتظاهرين ومن يتحدون القانون.
أيضاً، مع التواجد الكبير للمعارضة في الشوارع، أعرب العديد من المسافرين عن قلقهم من عدم تمكنهم من الوصول إلى مطار بن غوريون. ويخطط المتظاهرون المعارضون لخطة حكومة نتنياهو لتنظيم أكبر مظاهرة عامة وعد بها قادة المعارضة من قبل.
وتتركز الاحتجاجات هذه المرة على تواجد المتظاهرين في محطات القطارات ومحاولات حجب المواقع والتطبيقات، وسيحاول الأشخاص الذين يعملون في مجال التكنولوجيا الفائقة (الصناعات ذات التقنيات المعقدة) تعطيل مواقع الويب والتطبيقات. وقال هؤلاء الأشخاص إنه عندما يكون المتظاهرون في الشارع، يجب عليهم أيضًا اتخاذ إجراءات في الفضاء الرقمي حتى تصل أصواتهم الاحتجاجية إلى آذان المتشددين في الحكومة. كما ستكون هناك مظاهرة أمام المحاكم الدينية اليهودية.
وكانت المعارضة قد حذرت في وقت سابق من أن الثلاثاء سيكون "يوم القيامة" الإسرائيلي. وقال المتظاهرون إن لحظة تحديد المهمة قد حانت، وطالبوا النقابات العمالية والمؤسسات الاقتصادية بالإعلان عن إضراب عام، والانضمام إلى الاحتجاجات للضغط على الحكومة.
من ناحية أخرى، يعتزم المتظاهرون على مشروع قانون التغييرات القضائية في الولايات المتحدة التظاهر أيضًا أمام البيت الأبيض، في نفس الوقت الذي يلتقي فيه رئيس الکيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ، مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن.
وجاءت هذه الاحتجاجات بعد أن صادقت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوم الاثنين الماضي على مشروع قانون لإصلاح النظام القضائي، مما يقلل من سلطة المحكمة العليا ضد المجلس التشريعي. وقال المعارضون إنهم سيواصلون الاحتجاج حتى يتراجع رئيس الوزراء والمتطرفون عن مخططاتهم المثيرة للجدل.
وفي الأشهر الستة الماضية، أعرب عشرات الآلاف من الصهاينة عن معارضتهم لمشروع القانون هذا من خلال الظهور في الشوارع أيام السبت، والآن تمت إضافة أيام الثلاثاء إليه.
لقد أدت محاولة الحكومة للسيطرة على النظام القضائي لهذا الکيان ومقاومة الائتلاف المعارض في الكنيست، إلى زيادة الانقسام السياسي في الکيان. تحاول المعارضة إجبار الحكومة على التراجع عن طريق تعطيل أسطول النقل والقطاعات الاقتصادية الأخرى، لكن المتشددين يصرون على تمرير هذا القانون في أسرع وقت ممكن.
إن زيادة صلاحيات الحكومة والسلطة التشريعية، التي هي الآن في أيدي الجناح اليميني المتطرف في الحكومة، يمنح نتنياهو وأصدقائه الفرصة لتنفيذ خططهم في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلة.
من أجل إفراغ الشوارع من المعارضة، رفعت سلطات تل أبيب راية الديمقراطية الزائفة لتتظاهر بأن استمرار الانقسامات السياسية والاجتماعية يعرض ديمقراطية هذا الکيان للخطر، لكن المتظاهرين لم يعودوا ينتبهون لهذه التحذيرات بعد الآن، وفصلوا طريقهم عن الحكومة.
من ناحية أخرى، يرى المعارضون أن سياسات نتنياهو تشكل تهديدًا للديمقراطية المزعومة للکيان الصهيوني، والتي تدفع الحكومة نحو الديكتاتورية.
تسببت المواجهة بين اليمين المتطرف والمعارضة في خلق الأزمة للوضع الاقتصادي في الأراضي المحتلة، وتظهر الأرقام التي نشرتها وكالات دولية ومراكز بحثية متخصصة، أن صعود المتشددين في تل أبيب أضر باقتصاد هذا الکيان بأكثر من 40 مليار دولار.
بل يقال إن أكثر من 80 مليار دولار من رأس المال الأجنبي قد غادر الأراضي المحتلة، كما هدد العشرات من الرأسماليين اليهود بسحب أموالهم من "إسرائيل" إذا واصل نتنياهو مشروع قانون إصلاح النظام القضائي.
بعد إقرار قانون الإصلاح القضائي في قراءته الأولى في الکنيست الإسرائيلي والمعروف بـ "الحد من المعقولية"، مما يحدّ من قدرة المحكمة العليا على إلغاء قرارات الحکومة، وبإزالة الوضع القانوني للقضاة ستزداد سلطة المسؤولين الحكوميين، دخل الکيان الصهيوني في وضع غير مسبوق من الفوضى.
من خلال تمرير هذا القانون، يعتزم نتنياهو وحلفاؤه تبرئة أنفسهم من قضايا الفساد، لكن المعارضين يعتقدون أنه يجب معاقبة المتهمين في المحكمة.
إن تقليص سلطات النظام القضائي يوفر الأرضية لمزيد من الفساد في الحكومة، وسوف يتعطل تنفيذ القوانين إلى حد كبير، وهو إنكار لمزاعم الديمقراطية الزائفة في الکيان الصهيوني منذ سبعة عقود.
کذلك، زادت الخطة المثيرة للجدل لحكومة نتنياهو من حدة التوتر بين تل أبيب وحلفائها الغربيين، وخاصةً الولايات المتحدة، ويخشى المسؤولون الإسرائيليون السابقون من أن تؤدي مخططات المتطرفين إلى تشويه صورة هذا الکيان على الساحة الدولية.
خوف نتنياهو من الانقسام في الجيش
بالإضافة إلى نزول المعارضة إلی الشوارع، ازداد أيضًا العصيان لأوامر الحكومة في أوساط قوات الجيش، وقد دقت هذه القضية ناقوس الخطر في تل أبيب. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت مجموعات داخل الجيش أنها سترفض الخدمة في الجيش، إذا تمت الموافقة على مشروع قانون الإصلاح القضائي.
وبسبب تصاعد الأزمة الداخلية، يعيش نتنياهو ذعرًا حقيقيًا نتيجة إعلان عدد من الطيارين الاحتياطيين في سلاح الجو، الذين يشكلون القوة المركزية للجيش، رفض الخدمة. لأنه إذا تم تنفيذ هذا التهديد، فهذا يعني أن الکيان الصهيوني سيكون في أزمة أمنية في وقت يحتاج فيه بشكل أساسي إلى خدمة الطيارين الاحتياطيين، بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها على الجبهة الخارجية، وخاصةً في جنوب لبنان.
حالياً، التوتر على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية والانقسامات الداخلية أربك نتنياهو، وهو قلق للغاية مما يجب فعله في حال المواجهة المباشرة مع حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية.
وقال نتنياهو إن عصيان الجنود والضباط مخالف للقانون، وسيتعامل مع من يخالف أوامر الحكومة. وبما أن الجيش هو الضامن لوجود الکيان الإسرائيلي، فقد حذر المسؤولون في تل أبيب من أن هذا الأمر سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية في "إسرائيل".
العصيان في الجيش مقلق للغاية، لدرجة أن المسؤولين في تل أبيب لجأوا إلى تهديدات فصائل المقاومة لمنع اتساع الخلافات. وفي الأيام الأخيرة، حذّر الصهاينة الجنود والضباط من أنه في حال إضعاف الجيش، فإن ذلك سيعطي حزب الله ذريعةً جيدةً لمهاجمة الأراضي المحتلة. ومن خلال الإشارة إلی القوة العسكرية لقوات المقاومة اللبنانية، يحاولون الحفاظ على سلامة الجيش، لكن هذا التكتيك لم يحقق شيئاً.
بشكل عام، يمكن القول إن المشهد الإسرائيلي وصل إلى نقطة اللاعودة، ووصفُ واقع الأوضاع من الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة من الداخل، أوصل هذا الکيان إلى حافة الهاوية، لدرجة أن إسحاق هرتسوغ حذّر مرات عديدة من الانهيار من الداخل، واحتمال ألا يرى الصهاينة الذكرى الثمانين لتأسيس کيانهم.