الوقت- بشكل علني، قرر رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو منع انهيار السلطة الفلسطينية بكل الوسائل، في ظل التحذيرات من إمكانية انهيار السلطة، وانهيار شعبية عباس وفضائح السلطة بعد هجوم جنين، ووصولها إلى نقطة اللاعودة من ناحية التأثير والقبول بين الناس، وخاصة أنه لدى حكومة رام الله كل التعاون مع "إسرائيل" واستمرار استخدامها لنهج الطاعة الذي لم يجلب سوى خيبة الأمل والهزيمة والازدراء أمام جميع الفلسطينيين والإسرائيليين، متوسلة للعدو لأنها تعتقد أن مقاومته خطيئة، ومع اعتراف دائرة القيادة الإسرائيلية على جميع المستويات أن هناك مقاومة جديدة تختلف عن جميع المراحل السابقة، لم تعد الضفة الغربية هي نفسها، فقد تطورت المقاومة كميا ونوعيا، ومنذ عام 1967 عانت من هجمات إسرائيلية منهجية ومتصاعدة، ومن المرجح أن ينفجر الوضع بشكل متزايد بسبب استمرار تعنت "إسرائيل" وجرائمها، لذا من الضروري الإبقاء على قيادات رام الله.
منع انهيار السلطة
يبدو أن السلطة الفلسطينية في رام الله المحتلة أصبحت عمليا ورسميا المقاول الثانوي للاحتلال الإسرائيلي الوحشي، ولم تدخل السلطة الفلسطينية أبدا خنادق المقاومة، لكنها أصبحت اليوم عدوا رسميا بالاتفاق مع الكيان المحتل، وتجدر الإشارة إلى أنها تجعل الضفة الغربية تقع تحت احتلال "إسرائيل"، فيما تعمل الحكومة الإسرائيلية على منع انهيار السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، وفقا لبيانات سابقة صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي انضمت إليها قوى تمثل الحقوق الدينية المتطرفة، وباتت مطالبة بصياغة سياسات للتعامل مع الوضع الأمني في الضفة الغربية وخاصة تحديد طبيعة العلاقات التي تسود مع السلطة الفلسطينية، لكن تكمن المشكلة في السلطة الفلسطينية نفسها، حيث أثبتت تجارب عديدة أنها ليست ممثلا شرعيا لمطالب الفلسطينيين، لأنهم يعيشون الويلات بسبب خنوعها وعلى أرضهم المحتلة.
"الثمن هو تدمير المقاومة وإساءة معاملة أسرة الشهداء"، هذا أبرز ما تسعى إليه "إسرائيل" من خلال منع انهيار السلطة، والدليل أن مكتب نتنياهو قال إن رئيس الوزراء ووزير الحرب سيقدمان إلى المجلس "إجراءات لتحقيق الاستقرار في وضع المدنيين على المسرح الفلسطيني"، ولم يذكر تفاصيل، لكنه أكد أن الوزير العنصري والفاشي إيتمار بن غفير صوت ضد القرار، وقالت صحيفة" هآرتس " إن " اقتراح مجلس الوزراء لمنع انهيار السلطة الفلسطينية ينص على أن تلتزم السلطة الفلسطينية بوقف الأنشطة ضد تل أبيب في الساحة القانونية والسياسية الدولية، ووقف التحريض في وسائل الإعلام ونظام التعليم، ووقف رواتب عائلات مرتكبي الأعمال التي تعتبرها العصابة الصهيونية "إرهابية"، ووقف البناء ضمن المنطقة "ج".
وفي السياق نفسه، وحتى قبل الهجوم الإسرائيلي على جنين الأسبوع الماضي، كانت شعبية السلطة الفلسطينية عند نقطة منخفضة للغاية، ولكن بعد الحملة الإسرائيلية، وصلت الثقة الفلسطينية في السلطة إلى نقطة لن تعود فيها، على أساس أنها كانت مصدرا للعنصرية والدمار والإرهاب والعنف على الفلسطينيين، وكان من الأنسب أن تكون السلطة في وضع يمكنها من الدفاع عن شعبها، الذي اختار المقاومة نهجا بوسائل بسيطة هزت عرش الزعيم الإسرائيلي على مختلف المستويات، وبالتالي لا بدّ من عدم الاعتماد على سلطة تقبض وتؤمر من تل أبيب، وردع الكيان ووقف نهب الأرض الفلسطينية، كما يقول الفلسطينيون.
وإن القلق الصهيوني الساحق بشأن تنبؤات الإسرائيليين في انهيار السلطة يبدو واضحا مثل عين الشمس، لأن السلطات الإسرائيلية تسعى من وراء الإبقاء على السلطة لقتل الفلسطينين وتدميرهم أكثر، من خلال طاعتها وتنسيقها الكبير مع الأجهزة الأمنية للعدو، في محاولة لعرقلة المقاومة ومنع أي صد للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، ولا تزال السلطة الفلسطينية تتحدث عن "سلام الجبناء" الذي لا يجلب سوى العار والموت على أيدي العصابة الصهيونية، والدليل هو الواقع الذي يفرضه محتلو العاصمة الفلسطينية المحتلة القدس والحصار المفروض على قطاع غزة والجرائم البشعة في الضفة الغربية، مع الانتهاكات البشعة للشرعية الدولية، وحتى ممارسة أنشطة الكيان الاستيطانية بطريقة أكثر خطورة وانتشارا، ولن يكون نتنياهو على وجه الخصوص "حاضرا للسلام"، والسلطة في كثير من التصريحات اعترفت بأن الكيان الصهيوني "دمر ما تبقى عملية السلام".
هلع إسرائيليّ
في المقلب الآخر، يجب أن تتوقف السلطة الفلسطينيّة عن غباء الاستسلام، فهل سمعتم عن خنوع أكثر من ذلك؟، وخاصة أن طرد المحتل لا يكون إلا بالمقاومة، بالاستناد إلى قاعدة تطهير الأرض من رجس المحتلين، والمعروفة للقاصي والداني "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها"، ويأتي خبر الإبقاء على السلطة نتيجة المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية أكثر بكثير، بالرغم من مزاعم تحسن الأوضاع هناك، وبالتالي اعتراف إسرائيليّ يضاف إلى الكثير من الاعترافات بهزيمة الصهاينة الكبرى في الضفة، بالتزامن مع مجموعة كبيرة من الإجراءات من عمليات المقاومة الفلسطينيّة، نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ، كما أنّ المسؤولين الصهاينة لا يملكون بالفعل حلولاً حقيقة لمواجهة هذه المقاومة الجديدة والفريدة من نوعها، وبالأخص فيما يتعلق بعمليات الطعن والدهس، بعد أن أثبت المقاومون أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على سلطات العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، والدليل هي الحملة الإسرائيليّة الفاشلة في جنين ضدّهم.
وبالتزامن مع تهاوي قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم في كثير من مناطق الضفة الغربية، تقلق تل أبيب من بيئة تسمح بتدهور كبير في الأوضاع الأمنية، لأنّها تفهم وجهة نظر الفلسطينيين حول أن التصدي لاقتحامات وهجمات وضم سلطات الاحتلال الغاصب والمستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم وحماية فلسطين وشعبها من مخطّطات الكيان الاستيطانيّة الرامية، ومنع تحقيق إبادة جماعية في الفلسطينيين وبالأخص في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
وبالتالي، لن تكون الأيام القادمة كما يشتهي الإسرائيليون، فحكومة نتنياهو لن تفشل فقط في القضاء على حالة المقامة المتصاعدة في الأراضي الفلسطينة بل ستزداد الأمور سوءاً عن قبل، وربما تصل لذروتها ولنقطة بلا شك ستكون المسمار الأقوى في نعش الكيان، حيث باتت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وعلى وجه الخصوص داخل مخيماتها التي تتعرض للقتل مستمر، "رقمًا صعبًا" لا يمكن غض الطرف عنه، نظرًا لما تُقدمه على أرض الواقع من تضحيات وعمليات ومعارك نوعية أقلقت وأرعبت قوات جيش الاحتلال العسكريّ التي تمادت بجرائمها ضد الفلسطينيين.
خلاصة لذلك، إن الإبقاء على السلطة أو جعلها تنهار كله سواء، وقد بات خيار الفلسطينيين "مواصلة الجهاد والاستشهاد"، باعتبار أنّ السلطة الفلسطينيّة منعتهم بقوّة من إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم الإجرام الإسرائيلي على الشعب الفلسطينيّ، وستبقى الضفة المحتلة –كما يقول أبناؤها- ترسل رسائل دائمة مفادها بأنّها ستكون على الدوام وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف أبدا، إلا برحيل المحتل الإسرائيلي عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، والانعتاق من الاحتلال وعصاباته الدمويّة.