الوقت- عيّن الملك سلمان بن عبد العزيز الأسبوع الماضي "عبد الرحمن بن عياف آل مقرن" و "هشام بن عبد الله آل الشيخ" و "خالد بن محمد عبد العزيز" و "نزار بن سليمان بن علي العلولا" في مناصب مهمة.
شهدت المملكة العربية السعودية تغييرات واسعة النطاق بعد عام 2016 وعرض وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والتي تظهر طبيعة التطورات في سياسات البلاد الاقتصادية والثقافية والأمن القومي.
تُظهر التغييرات التي نفذها الملك سلمان لاستعادة الهيكل البيروقراطي للمملكة العربية السعودية، أن السعوديين لم يتخلوا فقط عن السياسات الجريئة في سياستهم الخارجية، مثل مهاجمة اليمن أو الصراع مع دول المنطقة، ولكن أيضًا في البعد الداخلي فإن الهيكل الإداري للمجتمع يُظهر تفوق الاقتصاد على السياسة بطريقة ما. بعبارة أخرى، قررت الهيئة الحاكمة السعودية النظر في التنمية الاقتصادية بدلاً من التنمية السياسية لدفع المملكة إلى الأمام.
لفهم طريقة التغييرات في المملكة العربية السعودية، يمكن النظر في طبيعة الأشخاص الذين تم تعيينهم. حيث تم تعيين "عبد الرحمن بن عياف المقرن" على وظيفة نائب وزير الدفاع في هذا القرار. شغل المقرن منصب الأمين العام لمجلس الوزراء من 2017 إلى 2022 قبل أن يصبح نائب وزير الدفاع. بن عياف من الشخصيات البارزة والمقرّبه من سلطة المملكة العربية السعودية، لأنه تولى منصب نائب وزير الدفاع إلى جانب رتبة وزير.
تقليديا، وزارة الدفاع هي واحدة من أهم الوزارات في مجلس الوزراء السعودي. هذه الوزارة في يد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي منذ 7 سنوات، وهي الآن بيد "خالد بن سلمان" شقيق ولي العهد ونجل الملك السعودي. حيث يمكن أن يكون هذا التحول علامة على تغييرات كبيرة في الجبهات الجنوبية لليمن في المستقبل.
كما تم تعيين "هشام بن عبد الرحمن بن عبد الله آل الشيخ" نائباً لرئيس مجلس حقوق الإنسان السعودي. وعلى عكس المتعارف بأن صاحب هذا المنصب يجب أن يكون متخصصاً بالمسائل القانونية أو السعي وراء حقوق المرأة والتطورات الاجتماعية والعرقية، فإن لدى هشام آل الشيخ تاريخ من الوظائف المغايرة مثل مدير شركة استثمار أجنبية، ومدير الاستثمار في أعمال التأمين والمجال المصرفي.
يظهر هذا التعيين أن سلوك المملكة العربية السعودية لم يتغير بما يتماشى مع المنظور الغربي لحقوق الإنسان، ويشير عمليًا إلى أنه ومن خلال التفاعل أكثر مع وسائل الإعلام وجمعيات حقوق الإنسان، يمكن تقليل الضغط الإعلامي والدولي تجاه القضايا السعودية.
كما أن "خالد بن محمد بن عبد العزيز العبد الكريم" من بين القوى المقربة من الديوان السعودي، ومصنف على أنه بيروقراطي مقرب من عائلة الملك سلمان، يتمتع بخبرة كمدير تنفيذي ومدير استثمار في العديد من الشركات، وقد تمت ترقيته إلى منصب مستشار.
كان "نزار بن سليمان بن علي العلولا" من المؤثرين في تصميم وكتابة وثيقة 2030، والذي كان تركيزه مُنصباً في السابق على قضية لبنان. بمعنى آخر، نزار بن سليمان من المقربين من الديوان السعودي، وله خبرة في تحسين العلاقات والاستشارات الاقتصادية بين السعودية ولبنان، وخاصة التيارات السياسية، وتم ربطه بمكتب ولى العهد السعودي منذ بداية وثيقة 2030.
تظهر نتيجة تعيينات السلطة السعودية أن القوى الشابة والمبتكرة التي تؤمن إيمانا عميقا بالتنمية على الطريقة الغربية تزداد قوة، والخطاب السائد لدى هؤلاء الناس هو التنمية الاقتصادية السريعة، وخاصة الاستثمار في الصناعات المتقدمة والتقنيات الجديدة.
على نطاق أوسع، في منطقة غرب آسيا، نشهد منافسة سريعة للغاية فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، حيث تحاول كل دولة التفوق على الأُخرى في الاستثمار، وجذب رأس المال الأجنبي، وترك النزاعات، وتحسين الموارد، والخصخصة.
في هذه المنافسة بين القوى الإقليمية، نشهد بوضوح تحولاً من توجهات أمنية - سياسية إلى توجهات اقتصادية. بعبارة أخرى، تتفهم الحكومة السعودية مصالحها الوطنية في تعزيز تنميتها الاقتصادية، ومن أجل تحقيق فكرتها في إنهاء التوتر مع الأطراف المتحاربة في اليمن، تتفاوض تلك الدول مع الأمم المتحدة ومسقط لإعلان وقف إطلاق النار في جنوب اليمن. ولتحقيق ذلك عليها الاستعانة بوسطاء إقليميين ودوليين لإقامة علاقات مع جمهورية إيران الإسلامية، وتوقيع عقود ومذكرات واسعة النطاق مع الجانب الصيني، والسفر إلى أوروبا وأمريكا لجذب المستثمرين الأجانب. كل هذه الإجراءات تشير إلى أن المملكة العربية السعودية قد "غيرت نهجها" مقارنة بالماضي، ويجب تفسير قرارات الرياض بطريقة مختلفة من الآن فصاعدًا.
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تزال مملكة تكون فيها السلطة هي المستفيد النهائي من إجراءات الحكومة، إلا أن سكان القصر الملكي في "اليمامة" قرروا الاستعداد قبل العاصفة لمواكبة منافسيهم الإقليميين وفي حقبة ما بعد النفط أو فترة صراع القوى العالمية، بطريقة تبرز آمالهم وأحلامهم إلى المقدمة.
تشير تصرفات المملكة العربية السعودية الأخيرة في السياسة الخارجية والسياسة الداخلية وتحقيق التوازن بين الصين وأمريكا والتعاون مع روسيا والاستثمار في أوروبا، إلى أن المملكة العربية السعودية على المدى القصير، لا تريد ضغوطا أمنية وسياسية وبدء صراع وتوتر مع دول المنطقة، ولتعزيز تلك الأهداف سوف تتخذ مسيراً آخر.