الوقت_ مؤخراً أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وقفة وجيزة مؤقتة للبناء في مشروع توربينات الرياح في مرتفعات الجولان، ما أثار احتجاجات كبيرة من قبل أفراد المجتمع الدرزي، حيث توقف المشروع بعد أن احتج قادة الدروز وسكان مرتفعات الجولان على بناء توربينات الرياح على أراضيهم، والطائفة الدرزية هي أقلية ناطقة بالعربية في الجولان الذي تحتله "إسرائيل" ومعارضة للدولة منذ إنشائها على أنقاض فلسطين عام 1948، ومرتفعات الجولان هي هضبة صخرية في غرب آسيا استولت عليها "إسرائيل" من سوريا خلال حرب الأيام الستة عام 1973. وضمت إسرائيل المنطقة في عام 1981، وهي خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، ما يعني أن "بنيامين نتنياهو هو الخطر الأكبر على إسرائيل"، كما قال منذ فترة رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان.
مزرعة الرياح وقرار التجميد
إن قرار "إسرائيل" تجميد "مزرعة الرياح" في الجولان، يؤكد أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ حقيقة بات أكثر خطراً على الكيان أكثر من أي شيء، حيث بات الكيان بالفعل يسير في طريق مختصر واحد نحو "الهاوية" وهذا ما تنبأ به كثيرون منذ اليوم الأول لنتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ووصول الأحزاب الدينية المتشددة واليمينية المتطرفة للحكم، الشيء الذي أدّى لوصول نتنياهو وللمرة السادسة للحكومة الأكثر فاشيّة منذ بداية الاحتلال العسكري الصهيوني لفلسطين والأراضي العربية، ليصبح الكيان مستعبدا لحاجات رجل واحد كما يقول الإسرائيليون ومسؤولوهم، وبالتالي تعميق الأزمة الداخلية وحالة الانقسام بين الإسرائيليين وبين أصحاب الأراضي المحتلة، مع تزايد الشروخات بشكل يهدد "إسرئيل".
وقد اختارت إسرائيل مشروع "مزرعة الرياح" في الجولان، باعتبار أن مرتفعات الجولان هي موطن لحوالي 50 ألف شخص، بما في ذلك حوالي 20 ألف مستوطن يهودي، والبقية هم في الغالب من العرب الدروز الذين عاشوا هناك منذ قرون، لكنها اصطدمت بالكثير من المعارضة، وهذه الخطوة الثانية الشديد الخطورة التي يقوم بها نتنياهو عقب محاولة تعديل النظام القضائيّ، فيما تسيطر الخلافات الكبيرة في "إسرائيل" على المستويين الداخليّ والخارجيّ، لدرجة أنّ صافرات التحذير أطلقت من البعض بشأن أزمة هذا الكيان في الفترة الأخيرة، حيث إنّ أي خطوة يقوم بها نتنياهو والتي كان آخرها "مزرعة الرياح" في الجولان، يمكن أن يكون له عواقب دبلوماسية واقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة على "إسرائيل"، وخاصة عقب الضجة الكبيرة التي أثارها القرار.
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإسرائيلية اتُهمت بإهمال الطائفة الدرزية في مرتفعات الجولان ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وقد حُرم الدروز من حقوقهم الأساسية مثل الحصول على الماء والكهرباء وتعرضوا لمصادرة الأراضي وهدم المنازل، كما تم اتهام الحكومة الإسرائيلية بمحاولة تغيير التوازن الديموغرافي في المنطقة من خلال تشجيع الاستيطان اليهودي.
نتنياهو يقضي على "إسرائيل"
"نتنياهو ورجاله يقضون على إسرائيل شيئاً فشيئاً"، عبارة نسمعها كثيراً عقب قرار سلطات احتلال "إسرائيل" تجميد "مزرعة الرياح" في الجولان، بعد الضجة الكبيرة التي رافقت القضية، في ظل إجراءات جديدة لحكومة نتنياهو المتطرفة، رغم الضغوط الداخلية المستمرة على حكومة "إسرائيل" العنصرية لوقف أو إبطاء إجراءاتها الإشكالية للغاية، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي الجميع يتنبأ بأن الإسرائيليين سيدفعون أثماناً باهظة، وخاصة أنّ مؤسسات الكيان باتت مسخرة بالمطلق لخدمة الفاشيين.
وفي إثبات جديد لنظرية هرتسوغ التي تلخص أن "إسرائيل في وضع سيء للغاية، والصراعات الداخلية تمزق الصهاينة"، تعيش "إسرائيل" أزمات غير مسبوقة، حيث كانت قضية انتفاضة الجولانيين هي الأزمة الأخطر التي جاءت نتيجة قرارات الحكومة الإسرائيلية بعد "التعيلات القضائية"، حيث إن "إسرائيل" تواجه أزمات تاريخية تنذر بالانهيار من الداخل، كما أنّ الصهاينة يعيشون في أصعب اللحظات التي مروا بها ويعلمون جميعًا من أعماق قلوبهم أن هذه الأزمات تشكل خطرًا داخليًا عليهم، وخاصة مع تعميق الشروخ الداخلية وحالة الانقسام بين الإسرائيليين، و تزايد الشروخات بشكل يهدد الكيان العبري.
لذلك، إن كيان "إسرائيل" بعد مدة من الآن سيكون مفككا من الداخل و”مجتمعه” منشغل بكراهية الواحد للآخر نتيجة قرارات نتنياهو، الذي يرغب بتمرير قوانين ستعصف بالكيان وستضر بأمنه وأمن الإسرائيليين، وذلك بالاستناد إلى ان الكيان الغاصب على حافة الهاوية، وفي لحظة حسم”، وأنّه “سائر نحو الخراب إذا تمّ إقرار قوانين جديدة تحرك المهل تحت المجتمع، في الوقت الذي تسيطر فيه الخلافات الإسرائيلية الداخلية على المشهد، بالأخص في الأيام الأخيرة حول مزرعة الرياح، لكن الأصل في الانشقاقات ضمن بنية الكيان السياسيّة والاجتماعية تعاني في الجوهر من مشكلات أعمق وأكبر بكثير من هذا السجال حول مزرعة الرياح، حيث تعكس هذه الخلافات تغيرات عميقة في صفوف الإسرائيليين وأصحاب الأرض واختلافات مستترة في السياسة والمجتمع ومجمل التوجهات، بين يهود محتلين وأصحاب الأرض، وشرقيين وبين غربيين، بين متدينين وبين علمانيين، بين مؤيدين ومعارضين لبعض الملفات كالضم وهكذا.
وفي هذا الإطار، قد تصل "إسرائيل" نتيجة قرارات نتنياهو إلى حرب أهلية في غضون أشهر، وقد وصف سياسيون صهاينة حكومة نتنياهو بـ "حكومة الإرهاب"، فيما رأى آخرون ذوو خبرة سياسية كبيرة أنّ الكيان في “منتصف حرب أهلية”، معتبرين أنّ استخدام قرارات الحرب يزيد من الصراع المحتدم أساسا، بعد خروج مئات آلاف المتظاهرين في الكيان المحتل من أصحاب الأرض والمعارضين، ضد حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو، نتيجة سعيه لإقرار كل ما يحلو له، في مقابل تعزيز سيطرته على مفاصل مؤسسات الكيان، ومنها الأمنية والعسكرية، وتجددت التظاهرات مؤخراً ضد فرض قرار المزرعة الريحية، حيث نظم أهالي الجولان الاحتجاجات في أكثر من موقع، من ضمنها تظاهرات كبيرة صدمت "إسرائيل".
في النهاية، لا يستطيع نتنياهو العمل بشكل جيد مع "إسرائيل" بسبب مشاكله القانونية والسياسية، فيما يجمع الإسرائيليون على "نهاية وتفت الكيان"، في وقت تفقد حكومة نتنياهو شرعيتها يوماً بعد آخر، وتأخذ الكيان إلى طريق نهايته وخيمة، نتيجة تعنت نتنياهو، فيما يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وإنّ موضوع "نهاية إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان المواطنين والكثير من المحللين والمسؤولين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها القرارات المتسرعة والصراع على السلطة والتماسك الداخليّ الذي بات مجرد أحاديث ترددها وسائل إعلام نتنياهو.