الوقت-لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية المتطورة، تبحث عن حلول عملية ورادعة لترقيع الفشل الكبير الذي حققته، بعد نجاح المقاومة الفلسطينية الفردية في تخطي الخطوط الحمراء وتحقيق إنجازات أصابت الاحتلال في مقتل وباتت هاجسًا كبيرًا يؤرق الإسرائيليين كافة أينما وجدوا.
وفي هذا السياق تظهر العديد من التصريحات التي كان من بينها هذا التصريح "فشلنا في السيطرة على العمليات الفردية للمقاومة الفلسطينية"، وكان هذا آخر استنتاج توصلت له أجهزة الأمن الإسرائيلية، مع تصاعد العمليات البطولية التي ينفذها فلسطينيون بالضفة الغربية والقدس، وشهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال شهر فبراير الحاليّ وأدت لمقتل عدد من المستوطنين. وعلى الرغم من التضييق والحصار والاعتقالات اليومية والحروب التي يشنها الكيان الصهيوني بين الحين والاخر، فإن الضربات التي يتلقاها الاحتلال لم تتوقف للحظة واحدة، والعمليات الفردية البطولية تواصلت، حتى باتت قلقًا يؤرق الاحتلال ويقض مضاجعه في كل حين وهو الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر.
ولذا يمكن القول بكل وضوح وخلال كل المحاولات البائسة التي قام بها الكيان لكسر مقاومة غزة فإن المقاومة ومن خلال صواريخها قد ارعبت الكيان الصهيوني وأفشلت كل المنظمومات الصاروخية للكيان الغاصب حيث وصلت معظم صواريخ المقاومة عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ناحية اخرى فقد استمرت العمليات الفردية في مدن الضفة الغربية، ومن خلالها كشف زيف إحكام جيش الاحتلال قبضته الأمنية التي تغنى بها كثيرًا، إذ برهن منفذو العمليات البطولية على استمرار الانتفاضة، وصنع معادلة جديدة تزعزع أمنه واستقراره بتوجيه ضربات موجعة ضد جنوده ومستوطنيه، ونجاحهم بالتخفي عن أنظاره لفترات طويلة، رغم إجراءات الاحتلال وتدابيره العسكرية الكبيرة.
مناورات إسرائيل العسكرية تؤكد شعور الكيان بالعجز عن مواجهة المقاومة
اعتبرت حركة “حماس”، الجمعة، أن مناورات إسرائيل العسكرية التي استمرت أسبوعين تؤكد “شعورها بالعجز عن مواجهة المقاومة”.وقال متحدث الحركة حازم قاسم، إن المناورات الإسرائيلية والتي أعلن مؤخرا انتهاء واحدة من أوسعها، “تؤكد شعور الاحتلال بالعجز المتزايد في مواجهة قوة المقاومة في غزة والضفة ولبنان وكل قوى المقاومة في المنطقة”.
وأوضح في بيان وصل الأناضول نسخة منه، أن “المناورات التي تشارك فيها الولايات المتحدة لن تحل مشكلة الاحتلال في تزايد حضور قوى المقاومة حول الكيان الصهيوني”.
وأضاف: “شعبنا الفلسطيني في كل الساحات والجبهات مع كل القوى الحية في الأمة، سيواصل مراكمة قوته لمواصلة قتاله المشروع ضد الاحتلال الصهيوني حتى ينتزع حريته واستقلاله”.وخلال الايام الماضية، أعلن الجيش الإسرائيلي اختتام مناورة عسكرية حملت اسم “القبضة الساحقة” استمرت أسبوعين.وقال الجيش في بيان: “اختتمت مناورة القبضة الساحقة حيث قام جيش الدفاع على مدار الأسبوعين الأخيرين بتمرين قواته النظامية والاحتياطية بدءا بالقيادة العامة وانتهاء بالوحدات العملياتية، حيث حاكى التمرين التعامل مع التحديات العملياتية لكل الساحات وعلى عدد من الساحات بشكل متزامن”.
المناورات العسكرية الإسرائيلية..الأهداف والرسائل
يُنظر إلى المناورات العسكرية في "إسرائيل" بشكلٍ مختلف نوعاً ما، إذ إنها تعتبر نفسها في حالة حرب على مدار الساعة، فهي تتحرك من منطلق تعرّضها لتهديدٍ دائم يُشكّل خطراً وجودياً على مستقبلها، كما كان يقول ديفيد بن غوريون؛ أول رئيس وزراء ووزير الحرب في "دولة" الكيان.وبناء عليه، تجد نفسها مضطرة إلى البقاء في حالة جاهزية عالية على كل الصعد والمستويات، ولا سيما العسكرية والأمنية منها، خشية تعرضها لضربة مفاجئة تزلزل أركانها وتهدد استقرارها، في ظل معاناتها من عدم وجود عمق استراتيجي يمكن أن يحميها من خطر السقوط في حال تعرضها لهجوم واسع.لذلك، إن القيام بالمناورات العسكرية في الكيان الصهيوني يعدّ إجراء روتينياً وشبه مُستدام يسعى العدو من ورائه إلى تحقيق نتائج عملياتية تنعكس إيجاباً على حالة الأمن المراد تحقيقها في الكيان، إضافةً إلى أهداف أخرى بالغة الأهمية، ولا سيما في ظل الظروف الحالية الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة.
وبناءً عليه، يمكن أن نشير إلى اثنين فقط من تلك الأهداف التي يسعى العدو لتحقيقها منعاً للإطالة، ولاعتقادنا بأنهما أهم من غيرهما من الأهداف الأخرى؛ أولهما هو إرساء وتثبيت حالة من الردع مع أعداء "إسرائيل"، من دون الحاجة إلى الدخول في معركة عسكرية. أما الآخر، وهو الأقرب من وجهة نظرنا، فهو الاستعداد لعمل عسكري كبير قد يصل إلى حرب واسعة.هذا الأمر بدا جلياً في السنوات الأخيرة التي شهدت زيادة ملحوظة في المناورات العسكرية الإسرائيلية كمّاً ونوعاً، بما يشي بأنّ "إسرائيل" أعدّت العدّة لمغامرة واسعة تتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة التي لا تحتاج العمليات العسكرية فيها إلى مناورات بهذا الحجم.
مناورات عسكرية سببها الفشل الصهيوني
يوجد لدى "إسرائيل" العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، التي كانت، وما زالت، تشكّل صداعاً مزمناً لأصحاب القرار في "الدولة العبرية"، وهي بحاجة ماسة إلى التخلّص منها أو على أقل تقدير من جزء منها.يأتي على رأس تلك الملفات ما يُسمى إسرائيلياً بالخطر الإيراني، يليه من حيث الأهمية خطر حزب الله في لبنان، إضافة إلى التحدّي الفلسطيني، سواء في الضفة والقدس أو في قطاع غزة، الذي يعد من وجهة نظر إسرائيلية معضلة لا بد من التخلّص منها.
في السياق نفسه يُنظر إلى حزب الله في" إسرائيل "بأنه أكبر خطر على أمنها القومي من بين كل أعدائها القريبين، وتصنّفه دوائر الاستخبارات الإسرائيلية بأنه القوة الأكثر تنظيماً وتسليحاً وخبرةً قتالية، وخصوصاً أن الحزب سبق أن خاض معارك عسكرية عديدة ضد العدو الإسرائيلي وخرج منها منتصراً، على غرار حرب تموز 2006.وقد راكم الحزب، حسب المصادر الإسرائيلية، خبرات هائلة في السنوات الأخيرة نتيجة مشاركته في التصدي للحرب على سوريا، إلى جانب تطوير وتحديث ترسانته العسكرية، ولا سيما الصاروخية، التي يقدرها بعض الخبراء العسكريين بـ200 ألف صاروخ، عدد كبير منها يُصنّف بأنه من الصواريخ الدقيقة، إضافةً إلى الطائرات المسيّرة التي يملكها، والتي تعد من أهم التهديدات التي تواجه المؤسسة العسكرية في الكيان الصهيوني، وتشكّل له معضلة حقيقية فشل حتى الآن في إيجاد الحلول المناسبة لها.
ولهذا يمكن القول إن كل هذا الكم الهائل من المناورات العسكرية خلال السنوات الأخيرة تحديداً، التي أُجري بعضها بمشاركة حلفاء لها من عدد من دول العالم، ولا سيما الحليف الأميركي الوثيق، ومع جيوش مثل فرنسا وإيطاليا وقبرص، إضافة إلى مشاركتها في مناورات دولية بمشاركة بعض الدول العربية والإقليمية تاتي في وقت يفشل الجيش الصهيوني فشلاً ذريعاً في مواجة المقاومة، ولأنَّ هذه التحركات العسكرية الواسعة تكلّف خزينة الدولة مليارات الدولارات، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها كلّ دول العالم، بما فيها "إسرائيل"، تؤكد فشل الجيش الصهيوني الذي يحاول من خلالها ايصال رسائل مختلفة.
في حال اندلاع مواجهات..ما الذي ينتظر الكيان الصهيوني ؟
من الواضح أن الاعمال الإجرامية للكيان الصهيوني لن تمر مرور الكرام فالفصائل الفلسطينية في غزة سبق و أن أعلنت موقفاً واضحاً من التصرفات الصهيونية الاخيرة وقالت "ندعو أهلنا في الضفة المحتلة لتصعيد الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال الصهيوني دفاعا عن الأقصى. من جهةٍ اخرى إن المسجد المبارك يشكل جزءا من عقيدة كل مسلم وحضارة كل عربي، وإن المساس به يدفع بالأمور إلى حافة المخاطر وإن استمرار الاستفزازات سيؤدي لتفجر الأوضاع.
في السياق نفسه فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعتبر الاكثر تطرفاً حيث لم يمض وقت طويل على تشكيلها وقد بدأت بالاعمال والتصرفات الاجرمية بحق المقدسات وهنا يمكن القول ان المرحلة القادمة سوف تشهد توتراً كبيراً وسوف يلقى الكيان الغاصب مقاومة كبيرة من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني حاضر دائما للدفاع عن المقدسات وللدفاع عن وطنه وارضه، وفي هذا السياق فإن المقاومة المسلحة في داخل فلسطين لن تظل مكتوفة الأيدي، فالكيان الصهيوني سيكون المسؤول الاول والاخير عن النتائج الكارثية التي سوف يتلقاها على أيدي أبناء الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد إن المقاومة الفلسطينية المسلحة قد أعادت تموضع الداخل الفلسطيني في قلب المعادلة الإسرائيلية وأصبح الإسرائيلي يقف اليوم أمام قلقين أولهما هو التضامن والتكافل الفلسطيني، وأما القلق الإسرائيلي الآخر هو الخوف من تحول الشعب الفلسطيني إلى حامي حمى المقاومة وخطها الخلفي فلقد عبرت جميع الاحداث عن التضامن الشعبي الكبير في جبهات المقاومة حيث إن العدو الغاصب بات يدرك أنه لا يمكنه الاستفراد بأي منها. و من الواضح أن الأمور ستزداد سوءاً بالنسبة للكيان الصهيوني، فالمجموعات الصاعدة الجديدة تشكل معادلة قوية في الصراع مع الكيان الصهيوني وأصبحت قادرة على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجحت في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حالة من الرعب المتواصل، وكل هذا بهدف تعميم حالة المقاومة وإشعال الضفة بركاناً في وجه المعتدين، للانعتاق من الاحتلال وإجرامه غير المسبوق. بكل وضوح إن الأوساط الإسرائيليّة تعيش على كل مستوياتها، حالة هيستيريّة شديدة، وإنّ أكثر ما يثير الغضب الصهيونيّ حاليّاً، هو تصاعد موجات عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل لا يشبه أيّ مرحلة سابقة أبداً، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه الذين أجرموا بشدّة بحق هذا الشعب منذ اليوم الأول لاستعمارهم.
في النهاية يعلم الكيان الصهيوني أن ارتكاب اي حماقة وخوض أي حرب لن يكون نزهة نهاية الأسبوع، ولا تعني لجيش الاحتلال جولة قتال عابرة، وهو ما يدركه أكثر من سواه، لكن زيادة سخونة المنطقة، وارتفاع مستوى التوتر بينها مجتمعة، ومع دولة الاحتلال من جهة أخرى، تجعل فرضية اندلاع جولة قتال أقرب من أي وقت مضى، رغم الأثمان الباهظة والمكلفة التي قد يدفعها طرفا أي مواجهة، بما فيهما الاحتلال ذاته، وخاصة على صعيد جبهته الداخلية التي تعاني ثغرات وعيوبا كبيرة، رغم كل الموازنات التي تنفق عليها.في الوقت ذاته، لا تعني هذه المناورات الإسرائيلية المكثفة والمتلاحقة أن الحرب على الأبواب، بقدر ما هي حالة من التسخين للجيش الذي كشف عدوانه الأخير على غزة عدم جاهزية واضحة، رغم الدمار الكبير الذي أحدثه في القطاع، لكنه على الصعيد العسكري، والنتائج الميدانية، جاءت حصيلته متواضعة، ومتواضعة جدا!