الوقت- في الأيام الأخيرة، عقب استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، سرت أنباء مفادها بأن هذا التطبيع سيمتد إلى علاقات إيران مع دول أخرى، بما في ذلك مصر. إلا أن الأمر تجاوز التكهنات على الرغم من نفي السلطات المصرية لهذه القضية.
على الرغم من أن مصر، كعضو مهم في المجتمع العربي، قد تبنت سياسة تتماشى مع المملكة العربية السعودية في العديد من القضايا الإقليمية، وبعد تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، فقد اعتبرت هذا الحدث خطوة مهمة لتحسين العلاقات مع إيران. ولكن المثير للاهتمام الآن هو إنكار خبر إعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قبل سلطات القاهرة.
عوامل الاختلاف بين إيران ومصر
السبب الأول لحذر القاهرة من تحسين العلاقات مع إيران هو علاقات الجنرال السيسي الوثيقة مع حكومة الولايات المتحدة. وحسب مسؤولين مصريين، فإن لمصر والولايات المتحدة علاقات استراتيجية، حيث تعهدت الولايات المتحدة لحكومة السيسي بأنها ستساعد البلاد في أزمات الغذاء والاقتصاد، وخاصة بعد الأزمة في أوكرانيا.
العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة واسعة جدًا لدرجة أن عقدًا واحدًا فقط من عقود الأسلحة بينهما يُقدر بملياري ونصف المليار دولار. في ظل الوضع الحالي، وخاصة أزمة سد النهضة، تحتاج مصر إلى تحالف مع الولايات المتحدة ومساعدة عسكرية من هذا البلد، لذلك فإن اتخاذ خطوات مثل تحسين العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية، يتناقض مع تيار السياسة الأمريكية في المنطقة، وهذا لا يبدو سهلاً لمصر. في الأشهر الأخيرة، قالت تقارير نقلا عن مصادر طلبت عدم الكشف عن أسمائهم، إن ممثلين أمريكيين سافروا إلى مصر للضغط على البلاد من أجل عدم تحسين العلاقات مع طهران.
الكيان الصهيوني رادع آخر لمصر، ففي كثير من القضايا المسببة للتوتر في الشأن الفلسطيني، تلعب مصر دور الوسيط وتفضل السلطات الصهيونية التفاوض مع القاهرة على الجماعات الفلسطينية، لأن السلطات المصرية، برأيها، تبدي مرونة أكبر في المفاوضات.
قد يؤدي تطبيع العلاقات بين مصر وإيران إلى تكثيف موقف القاهرة ضد إسرائيل، لذلك ينوي الكيان الصهيوني منع مثل هذا الحدث بكل قوته. كما قام الكيان الصهيوني بتسهيل وتسريع المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر من خلال الضغط في مجلس الشيوخ الأمريكي في كثير من الحالات. يمكن ملاحظة أهمية الحفاظ على مصر بالنسبة لإسرائيل مما كتبه يائير لبيد، زعيم المعارضة في برلمان الكيان الصهيوني، في تغريدة: التقارب بين مصر وإيران يتعارض مع مصالح إسرائيل والمنطقة.
عوامل التقارب بين إيران ومصر
على الرغم من أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد تسببت عدة أحداث في محاولة السلطات المصرية إلى حد ما تبني مواقف مستقلة نسبيًا في سياستها الخارجية. الانسحاب المفاجئ لأمريكا من أفغانستان درس عظيم للعديد من دول المنطقة. بعد هذا الحدث، اكتشفت مصر أيضًا أنه لا يمكنها اعتبار واشنطن حليفها الأبدي، وبالتالي، من أجل حماية مصالحها، لا مفر من تحسين العلاقات مع دول المنطقة.
من جهة أخرى، أدت قضية سد النهضة إلى حدوث فجوة في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. في قضية سد النهضة، قدمت إسرائيل دعمًا أمنيًا وعسكريًا وماليًا لا يمكن إنكاره لإثيوبيا، خصم مصر في هذه الأزمة. لذلك، تحتاج مصر إلى حلفاء جدد أكثر من أي وقت مضى لدعم هذا البلد في أزمة سد النهضة.
تقاطع الاتجاهات بين طهران والقاهرة في بعض الحالات الإقليمية هي أيضًا من بين العوامل التي وضعت البلدين بجانب بعضهما البعض وليس ضد بعضهما البعض. في الأزمة في سوريا، أكدت مصر، في سياسة متوافقة مع سياسة إيران، على الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وبقاء بشار الأسد في السلطة. مصر التي لها قواسم مشتركة تاريخية كثيرة مع سوريا، بسبب القومية العربية، وضرورة الحفاظ على الاستقرار، والأهم من معارضة جماعة الإخوان المسلمين، لم تنضم إلى الدول المعارضة لبشار الأسد وصوتت لصالح مشروع القرار الروسي بشأن سوريا أكتوبر 2015.
في أزمة اليمن، لم تدعم مصر الهجوم على هذا البلد، فبسبب الحاجة إلى الاستقرار والأمن في البحر الأحمر وباب المندب وقناة السويس، اعتبرت الحرب في اليمن متعارضة مع المصالح الوطنية لمصر، كما أكدت طهران مرارًا على ضرورة إنهاء أزمة اليمن وإحلال السلام والاستقرار في هذا البلد.
لكن القوة الدافعة الأهم لتحسين العلاقات بين طهران والقاهرة هي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية. وكانت السلطات المصرية قد أعلنت منذ البداية أن تطبيع العلاقات مع إيران سيتأثر بشكل مباشر بالعلاقات بين طهران والرياض. وتعتبر مصر نفسها ركناً من أركان الأمة العربية، وتتخذ في سياستها الخارجية مواقف تتماشى مع أشقائها العرب.
الدور الخارجي
بعد تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، أصبح استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والقاهرة قضية مهمة في وسائل الإعلام. ومع ذلك، أدت عوامل مختلفة، بما في ذلك علاقات مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، إلى إبطاء سرعة تحسين العلاقات. بشكل عام، يبدو أن القوى الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لم يكن لها تأثير سابق في إعادة رسم أنماط العلاقات الإقليمية، وأن دول المنطقة هي التي ستعدل علاقاتها في النمط الجديد.
في طريق تطبيع العلاقات بين إيران ومصر، لا ينبغي إهمال دور بغداد، وخاصة بعد عام 2018 وحلول السلام النسبي بعد محاربة الإرهاب في هذا البلد، حيث ما فتئ العراق يحاول في سياسته الخارجية تطوير علاقاته مع دول المنطقة والعمل كجسر لإقامة العلاقات بين الدول الأخرى. وهو الدور الذي لعبه بشكل جيد في المفاوضات بين ممثلي جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية.