الوقت_ بحثت تقارير إعلامية عربية في آراء خبراء اجتماعيين وسياسيين إسرائيليين مختلفين بشأن التداعيات الاستراتيجية لحكومة بنيامين نتنياهو الخطيرة مع اليهود الأرثوذكس (الحريديم) على انهيار "إسرائيل"، فبينما تزداد ميزانية الحريديم يومًا بعد يوم، فإن الغالبية العظمى منهم ليس لديهم وظيفة، ولا علاقة لهم بتعلم العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية في المدارس، ولا يؤدون الخدمة العسكرية، فهم يدرسون فقط التوراة، وفي نفس الوقت، متوسط نموهم السكاني يتزايد بشكل ملحوظ، في ظل الانقسام الكبير على قضايا كثيرة آخرها “الإصلاحات القضائية” التي توصف بالخبيثة، والتي تعتبرها المعارضة انقلاباً على "ديمقراطية” الاحتلال، في ظل التخوف الكبير من إقدام حكومة نتنياهو المتطرفة على استغلال النظام القضائيّ وبالأخص أنه يواجه تهماً بالفساد في سلسلة من القضايا، حيث بات الكيان بالفعل يسير في طريق مختصر واحد نحو "الصدام الحاد" وهذا ما تنبأ به كثيرون منذ عدّة أشهر، ويؤمن الكثير من الإسرائيليين بأنّ حكومتهم لن تدوم لأكثر من 80 عامًا أو ستنتهي مع وجود المتشددين الذين قسم وجودهم في السلطة المجتمع الصهيوني إلى أصوليين وليبراليين مختلفين على كل شيء تقريباً.
نهاية واقعيّة
عندما أُسس كيان العدو في 14 مايو 1948 على أنقاض فلسطين، بدأ الآن طريقه –باعتراف الصهاينة- نحو الاضمحلال لأسباب كثيرة، وسينتهي هذ الأمر قبل عام 2028، وذلك بعد أن فشلت عمليات الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقيّ والتهجير القسريّ للسكان الأصليين الفلسطينيين من بلادهم، ويتحدث الإسرائيليون بكثرة في الفترة الأخيرة عن مصير مؤسف –بالنسبة لهم- تسير نحوه الدولة اليهوديّة المزعومة، في انتقال "إسرائيل" بشكل كامل من العنصريّة المقيتة إلى الفاشيّة الشديدة مع تصدر اليهود المتشددين المشهد السياسيّ في كيان العدو.
وبالتزامن مع وجود الأحزاب الدينية المتشددة واليمينية المتطرفة الحكم، ووصول بنيامين نتنياهو وللمرة السادسة للحكومة الأكثر فاشيّة منذ بداية الاحتلال العسكري الصهيوني لفلسطين والأراضي العربية، ذكر التقرير أنّه بعد أن هدد حزب "Digel Hetorah" بعدم المشاركة في التصويت على مشروع قانون الميزانية في الكنيست يوم الأربعاء، تراجع نتنياهو عن هذا التهديد وخصص ميزانية إضافية قدرها 250 مليون شيكل لصالح المنتمين إلى الحريديم -المدارس اليهودية-، ما تسبب في زيادة الاحتجاجات في المجتمع الإسرائيلي ضد حكومة نتنياهو وخططه الإصلاحية، وحسب تقييم البروفيسور دون بن دافيد، الخبير الإسرائيلي في شؤون التنمية، في عام 2065، سيكون 40٪ من المواليد في "إسرائيل" من الحريديم و 15٪ من العرب، وهذا سيؤدي إلى انخفاض نسبة العلمانيين في المجتمع بشكل كبير.
وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الثلاثاء، أكد بن دافيد: لا نتوقع أن نشهد انخفاضًا كبيرًا في عدد مواليد الحريديم، لكن هذا الانخفاض سيحدث في سياق مستوى التعليم والأشخاص ذوي المستوى التعليميّ في المجتمع، لذلك سوف يدخل الاقتصاد الإسرائيليّ عدد أقل من الأشخاص ذوي المعرفة التقنية العالية، وسوف ينهار هذا الاقتصاد ويتسبب في تخلف "إسرائيل" عن الركب العلميّ، حيث يعاني جزء كبير من سكانها من الأمية التي لم تشهد حتى التعليم الابتدائي والدورات، ويؤكّد كثير من الاقتصاديين أن منح الدعم لأحزاب الحريديم في الائتلاف الحاكم سيوجه ضربة قاتلة للاقتصاد الإسرائيليّ، ناهيك عن موجة الهجرة العكسيّة للعديد من العلمانيين والليبراليين من فلسطين المحتلة وتوقع أن يزداد هذا الاتجاه بشكل كبير في العقود القادمة، في إشارة إلى الاتجاه المتصاعد للسكان الحريديم، وقال بن دافيد: في مثل هذه الحالة، لا داعي للقلق بشأن برنامج إيران النووي بعد الآن، ويمكن للإيرانيين الجلوس بصبر على الهامش ومعرفة كيف ستدمر اتجاهاتهم الديموغرافية والسكانية "إسرائيل" من الداخل مثل القنبلة النووية.
قناعة إسرائيليّة تامة
يؤمن الصهاينة بأنّ "إسرائيل" تقترب بشدّة من الانهيار، بالاعتماد على الحقائق التاريخية التي أثبتتها الحكومتان اليهوديتان السابقتان في المعتقدات اليهودية (مملكة داود وسليمان ومملكة الحشمونائيم)، ولم يدم كل منهما 8 عقود، وإن الاعتقاد السائد بأن "إسرائيل" أو "الدولة الثالثة لليهود" التي تشكلت حاليًا على يد اغتصاب فلسطين، لن تدوم طويلاً، ويشير محللون إلى أن مجرد فكرة اقتراب "إسرائيل" من الهاوية تخيف القوى الاستعمارية الغربية وتجعلها تستخدم كل قدراتها، لضمان بقاء هذا السرطان الذي يحقق مصالح الدول الإجرامية في منطقتنا، ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه.
وفي الوقت الذي بات فيه هذا الموضوع كابوساً حقيقيّاً للإسرائيليين، يرى آخرون أنّ تعزيز فكرة الانهيار القريب للكيان الإسرائيليّ من قبل الدوائر الإسرائيلية هو جزء من الاستراتيجية الخبيثة لهذا العدو، من أجل منع تشكيل أي معارضة قوية من خلال إثارة الرعب بين المهاجرين الصهاينة الذين يعيشون في فلسطين المحتلة، ولكي يلتف المهاجرون الصهاينة قدر المستطاع حول محور السيادة الصهيونية الذي بات بيد المتشددين، وفي الفترة الماضية خصص الكثير من السياسيين الإسرائيليين أجزاء من خطاباتهم العصماء لقضية لعنة الثمانين ودعوا إلى ما أسموها "وحدة إسرائيل" وتجنب الانقسام لكسر هذه اللعنة والتعويذة، لكن ما يجرى هو العكس تماماً.
وبالتالي فإنّ "إسرائيل" تجاوزت نقطة اللاعودة وهي تتنفس أنفاسها الأخيرة، والآن حان وقت العودة، حيث يدرك الإسرائيليون بشدّة أنّه لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضاً بلا شعب، فيما يشير المشهد الإسرائيليّ العام، وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي بعد وصول المتشددين للسلطة، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والمجتمع الصهيوني في آن واحد، بدءاً من الكنيست أو السلطة التشريعية، وصولاً إلى الحكومة أو السلطة التنفيذية، وليس ختاماً عند السلطة القضائية، فيما يضيع التوازن بين مختلف السلطات في حكومة العدو تماشياً مع أساليب "تكسير العضم" داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده مشهد الصراع الإسرائيليّ، بما يؤثر بلا شك على فترة صلاحية هذا الكيان.
ولا يخفى على أحد أنّ نصف المجتمع التابع للعدو يؤيّدون حكومة الفاشي نتنياهو، والتي تعمل بكل جهد –كما تقول الوقائع- بهدف القضاء على ما تبقّى ممّا يطلق عليه بعض الصهاينة "الديمقراطيّة الإسرائيليّة"، وبالتالي تحويل الكيان من مرحلة العنصريّة إلى الفاشيّة، بالاعتماد على السلطة الدينيّة والمتشددين وتعزيز العرقيّة، فيما يرفض الجزء الآخر من الصهاينة هذا الوضع، ويسعون بقوّة لأن يكون الكيان ليبراليّاً لأبعد حد، فيما يذهب أغلب المحللين إلى أنّ الكيان أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، أو حدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة واللبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا، كما أنّ الهجرة من فلسطين –بعد أن كانت إليها- باتت موضوعًا مطروحًا بقوّةٍ بالنسبة لجزء يسير من الصهاينة.
بالاستناد إلى ذلك، تؤكّد الوقائع في كيان الاحتلال أنّ الهوة بين المعسكرين المتصارعين ومن يؤيدهما من المهاجرين الصهاينة تتسع بشكل أخطر مما يتصور البعض، باعتبار أنّهما من ناحية المعتقدات والتوجهات السياسيّة خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا أبداً، لكنّهما في الخلاف قطاران يتجهان على نفس خط الإبادة لكن نقطة الانطلاق من اليمين واليسار وبالتالي فإنّ الصدام قادم لا محالة، وسط استمرار التحذيرات في كيان العدو من أن هذا الانقسام ينطوي على تهديدات استراتيجية ووجودية على العدو لأن حالة الانقسام الداخلي تتأزم بصورة شديدة للغاية، وتنذر بزلزلة وضع الصهاينة والحلم الصهيونيّ.