الوقت: عندما بدأت السعودية هجومها الجوي ثم البري، كانت تظن أنها خلال أسابيع قليلة أو ربما في أصعب الظروف خلال الأشهر الأولى تستطيع أن تربح و تملي بشروطها، والرئيس السابق "منصور هادي" الوفيّ لها سيعود بقوة إلى صنعاء، وسيضعق قوة حركة أنصار الله المخالفة لها. اليوم وبعد مضي أكثر من 9 أشهر من بداية العدوان، لا زالت حركة أنصار الله صامدة في صنعاء بل تملك القدرة والثبات، و أيضا "منصور هادي" في الرياض ينتظر النصر ليتولى الرئاسة ثانية بينما تتزايد الضغوط من قبل مجموعات حقوق الإنسان على محور الغرب وعلى التحالف العربي للعدوان على اليمن الجريح. أما فی مجال الملف السوري أظهرت محادثات فينا 1 و 2 أن الدور الدبلوماسي لإيران في الأزمة السورية فٌرض على كل من تركيا والسعودية، وهذين البلدين لا يستطيعان أن يتحركا خلاف الإتفاقيات العالمية التي تدفع بإتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
في هذا المجال أجرى موقع الوقت التحليلي الإخباري مقابلة مع الدكتور "حسن أحمديان"، الخبیر في شؤون المنطقة سوف نعرض لكم نص هذه المقابلة في التقرير التالي.
مراسل الوقت: الدکتور احمدیان؛ السؤال الأول حول اليمن، كما تعلمون حصلت عدة جولات من المحادثات الرامية للوصول إلى حل سلميّ للعدوان على اليمن لكن حتى الآن دون جدوى. في الأونة الأخيرة أيضا حصل لقاء بين الأطراف اليمنية في سويسرا حيث نشر موقع الوقت تفاصيل هذا اللقاء والذي تحدث عن مماطلة السعودية حتى وصلت هذه المحادثات إلى طريق مسدود. برأيكم لماذا لا تريد السعودية أن يتوصل الأطراف السياسية إلى حل للعدوان على اليمن؟ أو ما هو دور السعودية في الحرب المفتعلة على اليمن؟
الدکتور احمدیان: بعد عدة أشهر من الحرب البرية والجوية للتحالف السعودي ضد أنصار الله في اليمن، تجلت حقيقة بالنسبة إلى السعودية و جعلتها مضطرة للتفاوض مع المعارضة. في البداية لم تكن السعودية تقبل في التفاوض أما اليوم بالنسبة لها أصبح واضحاً أن حركة أنصار الله تحت تأثير الضغط لن تستسلم على المستوى السياسي ولا حتى على المستوى الإقتصادي، وهذا الضغط حتى اليوم لم يعطي نتيجة. في ظل هذه الشروط تسعى السعودية أن تقوم بدور في هذه المحادثات الداخلية بين الأطراف اليمنية.
هذا الموضوع لا يمكن أن تقبله حركة أنصار الله فهي تؤمن بالحوار اليمني-اليمني وإذا كانت السعودية حاضرة يجب أن تكون مكملة و ليست قيّمة على المحادثات. لذلك عندما يٌتحدث عن وقف لإطلاق النار، في المحادثات، أنصار الله تناقش وقف إطلاق النار مع المجموعات اليمنية، ولا يعرّف موضوع وقف إطلاق النار مع السعودية بصورة منفصلة، في الوقت التي عرفت فيه السعودية موضوع وقف إطلاق النار بصورة عامة لأنها تٌعرَف على أنها القيمة على اليمن. يعتبر هذا الأسلوب خاطئاً في المحادثات اليمنية لأن في مثل هذا النوع من الأسلوب، تريد السعودية أن تفرض إرادتها على الطرف المقابل، وهذا الوضع لن يرض به شعب اليمن المظلوم، و حتى اليمنيين المقربين من السعودية أيضا أعلنوا تحفظهم على هكذا نوع من فرض الإرادة على الطرف المقابل وغير حاضرين لقبول هذا الدور "القيّم" الذي عرّفته السعودية لنفسها. لذلك لا يستطاع الوصول إلى نتائج جيدة من المحادثات طالما أن السعودية لا تقبل بتغيرات الوقائع على الساحة اليمنية.
مع ذلك مشاركة أنصار الله في المحادثات لها نتائج مهمة. أولا إن المحادثات أظهرت أنصار الله على أنها جزء أساسي على الساحة السياسية في اليمن. ثانياً مشاركة أنصار الله في المحادثات ألغت أثر الإدعاءات السعودية بأن أنصار الله ضد هذه المحادثات وهذا الصلح. ثالثاً إن حصول القذف على مناطق من اليمن مثل مأرب والجوف وغيرها من قبل القوات التحالف السعودي متزامنا مع إجراء المحادثات، يناقض إتهامات السعودية المسبقة لأنصار الله ويدين قوات التحالف بقيادة السعودية.
مراسل الوقت: على الرغم من إقامة عدة جولات من المحادثات حول العدوان على اليمن، ولكن يبدوا أن في هذه المحادثات لم يذكر الدور العدواني للسعودية. لماذا حتى الآن لا يذكر في المحادثات الدور السعودي الظالم في التعطيل و إستمرار هذا العدوان على اليمن الجريح؟
الدکتو احمدیان: نعم، مع الأسف لم يذكر في أي من هذه المحادثات الدور السعودي في تزايد الأزمة والإعتداء على اليمن. لأن الأطراف المعارضة لأنصار الله هي تحت تأثير النفوذ السعودي. كلما كانت أنصار الله تريد إدخال موضوع المعتدين على اليمن ودفع الغرامات وتكاليف إعادة إعمار المناطق التي تعرضت للقصف في اليمن، كان يرفض الطرف الآخر إدخال هذا الموضوع في المحادثات. مع ذلك يوجد بعض التقارير تتحدث عن إحتمال القبول الفعلي لبعض تكاليف إعادة إعمار المناطق اليمنية التي تعرضت للقذف من قبل السعودية، ولكن السعودية ليست جاهزة للموافقة الرسمية على هذا الموضوع ولن يذكر في المحادثات القادمة.
مراسل الوقت: مع ذلك إذا توصلت الأطراف اليمنية خلال المحادثات والمفاوضات القادمة إلى إتفاق، ما هو تصوركم للدور الذي يمكن أن تلعبه حركة أنصار الله على الساحة السياسية في مستقبل اليمن؟
الدكتور احمديان: من لحظة دخول أنصار الله إلى صنعاء إستطاعت أن تأخذ مكانا مميزا في المنافسة السياسية في اليمن واليوم مع وجودها القوي على الساحة اليمنية، لا يمكن الرجوع إلى العصر السابق قبل دخولها إلى صنعاء. مع ذلك يمكن أن تغض النظر عن بعض حقوقها خلال الإتفاقيات؛ لكن بغض النظر عن الدور الذي يمكن أن تلعبه فقد أصبحت حركة أنصار الله تعَد لاعباً أساسياً ومقبولاً في اليمن. هذا أكبر إنجاز لحركة أنصار الله من وقت سقوط نظام الإمامة في اليمن إلى اليوم. سابقاً كانت حركة أنصار الله تملك دورا هامشياً، حيث أن المجموعات المنافسة للسلطة لم تكن قادرة على لعب دور قوي على الساحة السياسية؛ ولكن اليوم في كل المحادثات التي تجري لإنهاء العدوان الموجود فإن حركة أنصار الله تعتبر واحدة من الأطراف المحورية في اليمن وهذا يعدٌ تغيراً جذرياً في اليمن.
مراسل الوقت: بمعزل عن موضوع اليمن، وكما تعلمون، واحد من أهم المواضيع في الشرق الأوسط اليوم، هو الموضوع السوري. خاصة بعد محادثات فينا 2 حيث يمكن القول أن إتفاقات غير معلنة حصلت بين روسيا و أمريكا حول الدولة السورية التي على أساسها خرج موضوع رحيل "بشار الأسد" عن الحكم في الوقت الراهن من الأولويات الأصلية لأمريكا. ما هو تأثير هذه الشروط على موقف محور المقاومة في المنطقة؟ أو يمكن تقييم هذه الشروط بأنها لصالح جبهة المقاومة أو لا؟
الدکتور احمدیان: بالنسبة إلى سوريا، نظرة الغرب وخاصة أمريكا هي متابعة الدور الذي تلعبه كلٌ من تركيا و السعودية بعد التطورات الأخيرة، وهذا نوع من اليأس وعدم الإعتماد. في نظر الغرب الدور الذي تلعبه السعودية في اليمن، و تركيا في سوريا لم يكن مرغوباً وغير مرض. هذه النظرة المختلفة من قبل الغرب جعل هناك عدة أدوار. على الرغم من أن الغرب كان يعلم ضمنا وليس بشكل ظاهر دور تركيا والسعودية في سوريا إلا أنه كان يسعى إلى تعديل سلوكهما. كان يحصل هذا التعديل بإعطاء دوراً أكبر للاعبين أخری في المنطقة من بينهم الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها في إدارة الحرب.
من جهة أخرى دخول روسيا إلى الملف السوري أعطى إيران قوة أكبر وعلى ما يبدوا فإن أمريكا قبلت أيضاً هذا الأمر. على هذا الأساس كان إقامة مؤتمر فينا 2 بهذا الاطار وفي أي من هذه المحادثات لم يطرح موضوع الإطاحة بالرئيس "بشار الأسد" مع أنه كان مطلب شركاء أمريكا أي تركيا والسعودية، وهذا يشير إلى أن محور المقاومة كان يعمل بشكل أفضل للوصول إلى أهدافه. في بداية الحرب في سوريا، كانت تسعى تركيا ومعها السعودية إلى تدويل الحرب السورية على أمل أن هذا التدويل سيؤدي إلى التدخل العسكري للغرب للإطاحة بحكم الرئيس "بشار الأسد". لکن في الوقت الحاضر فإن تدويل الأزمة السورية أكثر لصالح محور المقاومة لأن تدويل الحرب السورية أدى إلى دخول روسيا إلى هذا الملف وإكتسب محور المقاومة حماية قوة عالمية إسمها روسيا. من جهة أخرى تدويل الملف السوري أدى إلى تغيير نظرة الغرب إلى الدور التركي والسعودي في المنطقة وأصبح الغرب يريد تغيير دور هذين اللاعبين على الأرض السورية في المنطقة. على هذا الأساس يستطاع تقييم تدويل الملف السوري على أنه كان لصالح محور المقاومة.
مراسل الوقت: مع هذه الشروط في حال التوصل إلى إتفاقات حول الملف السوري، هل ستقبل تركيا والسعودية بهذه القرارات السياسية أو لا؟
الدکتور احمدیان: السعودية وتركيا على عكس الجمهورية الإسلامية ليس لديهم إمكانية وإستقلالية في إتخاذ القرارات الإستراتيجية في المنطقة. فقد كان دخول تركيا والسعودية في الملف السوري عندما لم يكن الغرب فاعل بشكل جدي في هذا الملف، أما اليوم فإن دخول الغرب في الملف السوري سيؤدي إلى الضغط على كل من تركيا والسعودية ليتحركوا في القالب الذي يتوافق عليه في المحادثات والمفاوضات حول المنطقة. أظهرت محادثات فينا 1 و 2 أن حضور الجمهورية الإسلامية في المقام الأول والدور الدبلوماسي لإيران في الأزمة السورية فٌرض على كل من تركيا والسعودية، وهذين البلدين لا يستطيعان أن يتحركا خلاف الإتفاقيات العالمية التي تدفع بإتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.