الوقت - تؤكد الجزائر، بلد المليون ونصف شهيد، يومًا بعد يومٍ، التزامها بدعم قضية فلسطين، ربّما عملاً بمقولة الرئيس الجزائريّ الأسبق، الراحِل هواري بومدين، الذي أرسى قوله المأثور “مع فلسطين ظالمة أوْ مظلومة”.
ومؤخرا أعلن المجلس الشعبي الوطني بالجزائر (الغرفة الأولى للبرلمان)، الأحد، انسحاب نائب رئيسه منذر بودن من رئاسة "لجنة مكافحة الإرهاب" بالبرلمان الدولي بسبب "اختيار إسرائيل في عضويتها".
وذكر بيان للمجلس أن القرار جاء "بعد استشارة واسعة وانسجاما مع مواقف الجزائر الثابتة من القضايا العادلة في العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية".
وانتخبت الجزائر ممثلة في نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني منذر بودن رئيسة لـ"المجموعة الاستشارية الرفيعة المستوى لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف" بالاتحاد البرلماني الدولي خلال أشغال جمعيته العامة الـ146 التي عقدت بدولة البحرين بين 11 و15 مارس/ آذار الماضي.
والجمعة أصدرت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، أوسع ائتلاف في المجتمع المدني الفلسطيني وقيادة حركة المقاطعة (BDS)، بيانًا توجهّت فيه بالتحية للجزائر وبرلمانها وشعبها ، على ضوء قرار مجلس النواب الجزائريّ بالانسحاب من رئاسة (لجنة مكافحة الإرهاب) في الاتحاد البرلماني الدولي احتجاجًا على اختيار إسرائيل في عضويتها، وذلك انسجاما مع الموقف الجزائري الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
وجاء في البيان، أنّ “هذا ليس بالموقف الجديد بالنسبة للجزائر، التي لطالما كانت داعمةً للشعب الفلسطيني وحازمةً بشأن موقفها من التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، غير أنّه يحمل الكثير من الدلالات المهمّة، وخاصةً في هذا الوقت الحرج الذي تهرول فيه بعض الأنظمة العربية الاستبدادية غير المنتخبة نحو التطبيع مع إسرائيل والتحالف معها، غير آبهةٍ بالغالبية العظمى من شعوبها التي لا تزال ترى في إسرائيل عدوّها الأول”.
وأوضح البيان: “تقدّم الجزائر اليوم نموذجًا مهمًا للتحرّك الدولي ضد إسرائيل، وذلك عبر الدور القيادي المهم الذي تلعبه في المحافل الدولية كما شهدنا في الاتحاد البرلماني ومن قبله الاتحاد الإفريقي”.
علاوة على ما جاء أعلاه، شدّدّ البيان على أنّ “الجزائر تضرب اليوم، وعلى أعتاب الذكرى الخامسة والسبعين من نكبة الشعب الفلسطيني، مثالاً يحتذى به في المحافل الدولية”.
واستطرد البيان: “لقد حان الوقت لاتّخاذ خطواتٍ ملموسةٍ عبر تصعيد مقاطعة إسرائيل وكلّ مَنْ يمثلها في المحافل الدولية لنصل لمرحلة نستطيع فيها إرغام الأجسام الدولية، مثل الاتحاد البرلماني الدولي والفيفا، على طرد إسرائيل من عضويتها، وخاصةً في الوقت الذي تتنامى فيه عزلة إسرائيل على الصعيد الشعبي عالمياً، وفي ظلّ الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تطرفاً وعنصرية وأصولية ومخطّطاتها تجاه شعبنا وأرضه”.
وخلُص البيان إلى القول: “تجدّد حركة المقاطعة (BDS) دعوتها لطرد الكنيست الإسرائيليّ من عضوية الاتحاد البرلماني الدولي بسبب الدور المحوري الذي يلعبه هذا البرلمان في تشريع مخططات التطهير العرقي ضدّ شعبنا وتكريس منظومة الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد، وتؤكّد على ما دعا له رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق مرزوق الغانم بضرورة تحركٍ برلمانيٍّ عربيٍّ لتحقيق هذا المطلب. هذا إضافة إلى تجديد دعوتنا لتصعيد الضغط الشعبي على المستوى الرسمي الفلسطيني لوقف التطبيع الذي يقوّض مساعي عزل إسرائيل”، على حدّ تعبير بيان اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل.
يدرك الجزائريون المفهوم والمعنى الحقيقي للتطبيع، من غير دائرة الفهم الخياني الذي يتحدث عن السلام وحده، فالتطبيع في جوهره إقرار بالاستسلام قبل السلام، إنه تسليم للأرض والعرض، مقابل اعتقاد كاذب بالحصول على الأمن، بما ينفي عن أصحابه كل إمكانية للعزة والكرامة والشرف والتمكين.
ويستلهم الجزائريون من تاريخهم الحافل بالمقاومة والثورات الشعبية العارمة، ضد الاستعمار الفرنسي الذي خص الجزائر دون غيرها، باستعمار استيطاني إلحاقي، واعتبارها جزءا لا يتجزأ من الأرض الفرنسية، معاني الرفض والكراهية التي يستشعرونها تجاه الكيان الصهيوني، باعتباره يمثل شكلا من أشكال المحق اللاإنساني والهوياتي الذي عايشوه طوال 132 سنة من الاستعمار الفرنسي، الذي عمل في الماضي ما يعمله بالضبط اليوم هذا الكيان الغاصب مع الأرض والإنسان الفلسطيني.
ويردد الجزائريون شعارهم المعروف الذي ورثوه عن الرئيس الراحل هواري بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، باعتزاز وفخر كبيرين، ويدرك أهل فلسطين كلها، وأهل غزة على وجه الخصوص، صدق هذا الشعور النبيل، وعظمة هذا الموقف من خلال الكثير من المناسبات التي أظهر فيها الجزائريون صدق أقوالهم؛ كان من بين أكثرها وقعا في النفس الفلسطينية، ما قامت به الجماهير الجزائرية في شباط (فبراير) 2016، بتشجيع منتخب فلسطين لكرة القدم في ملعب الخامس من جويلية، على حساب المنتخب الوطني الجزائري. في حين كان الرد الفلسطيني الدائم والمؤثر هو حمل الراية الجزائرية دائما إلى جانب راية فلسطين في جميع فعلياتهم المقاومة ضد الجيش الإسرائيلي.
لقد شارك الجزائريون في كل الحروب العربية ضد دولة الكيان، حتى وهم تحت الاستعمار بداية من حرب 1948، ويذكر الإسرائيليون وقادة جيشهم شراسة الجزائريين حين واجهوهم في حروب الـ 1967 والـ 1973، وكيف أن الجزائر وقتها وضعت قدراتها العسكرية والمالية في خدمة القضية الفلسطينية، وكيف أن الجزائر ظلت وفية لمبادئها، باحتضانها لأشغال المجلس الوطني الفلسطيني العام 1988، وإعلان ميلاد الدولة الفلسطينية من العاصمة الجزائرية.
ولعل الحقيقة الكبرى هو أن أصل هذا الموقف الجزائري المبدئي والصلب من موضوع التطبيع، نابع بالأساس من الموقف الشعبي الذي لا يقبل المساومة وطبيعة الشخصية الجزائرية المجبولة على كره الظلم والعدوان والخيانة والعمالة والمهانة والذلة، وعشق الجزائري لقيم الحرية والعدل والعزة والكرامة والصدق والوفاء