الوقت - تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية التي لا نهاية لها في فلسطين المحتلة يوماً بعد يوم بعد التطورات السريعة الأخيرة، وكلها تنهال على بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وحكومته المتطرفة، وهي القضية التي أجبرته على اتخاذ مواقف متسرعة وغير واقعية، وفي الوقت نفسه مخيفة.
فشل سياسة "اغتيال" قادة المقاومة
من أبرز المواقف المتسرعة لنتنياهو والمقربين منه، والتي انعكست على نطاق واسع في وسائل الإعلام العبرية وبعض وسائل الإعلام العربية والدولية خلال الأيام الماضية، هو الحديث عن العودة إلى سياسة "الاغتيالات"، وهي سياسة لجأ إليها الصهاينة منذ بداية احتلالهم لفلسطين، خلال العقد الماضي، کلما كانوا في ورطة ولم يجدوا خيارًا للتعامل مع التهديدات الخارجية.
لكن هذه المرة أوضاع الكيان الصهيوني وأعداء هذا الكيان، أي أعضاء محور المقاومة، مختلفة تمامًا عن الماضي، ولم يعد بإمكان الصهاينة أن يأملوا في نجاح سياسة الاغتيالات في تحقيق أهدافهم، كما حدث في العقود السابقة.
كما ذكرت وسائل الإعلام العبرية، فإن "زياد النخالة" الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، و"يحيى السنوار" القيادي بحركة حماس في قطاع غزة و"صالح العاروري" نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هم من بين أبرز قادة المقاومة الفلسطينية الذين ينوي نتنياهو ووزراء حكومته المتطرفون إدراجهم على قائمة الاغتيالات.
يأتي الحديث عن تفعيل سياسة الاغتيالات في الأوساط الصهيونية، بينما هناك العديد من التحذيرات حول تآكل قوة الردع للاحتلال خلال الأسابيع الماضية، وبعد الهجمات الصاروخية للمقاومة من غزة وجنوب لبنان تجاه المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة، وقد أمر نتنياهو وزراء حكومته بعدم التعليق على هذا الأمر.
مواقف متناقضة للصهاينة تجاه تفعيل سياسة الاغتيالات
بينما طلب نتنياهو من وزرائه عدم الحديث عن العودة إلى سياسة الاغتيالات، أعلن نير دوري، المراسل العسكري للقناة 12 التابعة للکيان الصهيوني، في هذا السياق أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد اقترحت مرةً أخرى استراتيجية اغتيال القادة الفلسطينيين.
هذا بينما نصحت المصادر العسكرية للکيان الصهيوني المؤسسة السياسية لهذا الکيان، أنه في ظل عدم استعداد الجيش للدخول في حرب واسعة النطاق، من الضروري الامتناع عن القيام بأي عمل يمكن أن يؤدي إلى التحريض على حرب متعددة الجبهات ضد "إسرائيل".
وكانت صحيفة "ميدل ايست اون لاين" البريطانية قد أشارت قبل أيام في تقرير لها، إلى أن نتنياهو يبحث عن وسيلة للتخلص من ضغوط الرأي العام الإسرائيلي وإسكات خصومه، وأعلنت أنه في ظل المشاكل الشخصية والسياسية الكبيرة التي يواجهها نتنياهو، يبدو خيار الحرب في الأسابيع المقبلة مرجحًا.
لقد کثر الحديث عن تفعيل سياسة الاغتيالات للکيان الصهيوني، في وقت تركز فيه إعلام هذا الکيان بشكل أساسي على صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ويصفه بأنه أول المطلوبين من أجل الاغتيال، لأنه يقف وراء تطوير الهيكل العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية وجنوب لبنان.
وأعلنت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في هذا السياق، أن صالح العاروري هو الشخصية الأكثر جاذبيةً في حركة حماس، ومرتبط بكافة أطراف محور المقاومة من طهران إلى بيروت والقدس وقطاع غزة، وهدفه الرئيسي والمهم تنفيذ هجوم واسع النطاق على "إسرائيل" من عدة جبهات.
كما اتهم الکيان الصهيوني صالح العاروري بالوقوف وراء الهجمات الصاروخية من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات الشمالية لفلسطين المحتلة. وأعلنت القنوات التلفزيونية التابعة لهذا الکيان في تقارير منفصلة، أن العاروري لا يزال يعمل على تعزيز قدرات حماس العملياتية في لبنان، وعليه على "إسرائيل" أن تعدّ نفسها لفترة معقدة وخطيرة ستتغير فيها كل قواعد اللعبة.
المقاومة الفلسطينية تحذر المحتلين
بعد أن ادعى الصهاينة تفعيل سياسة الاغتيالات ضد قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، سرعان ما حذرت حركة حماس من أن أي عمل خاطئ من قبل المحتلين سيصاحبه رد أكبر وأكثر سحقًا من المقاومة.
وأعلن الناطق باسم حماس حازم قاسم في هذا الصدد: "إن تهديدات المحتلين بتفعيل سياسة الاغتيالات محاولة فاشلة لتحسين صورتهم بعد تصاعد الانتفاضات الشعبية في فلسطين وتنشيط جبهات المقاومة ضد الكيان الصهيوني. يد العدو ليست حرةً لإثارة الرعب، وردّ المقاومة لأي غباء سيكون أكبر وأوسع مما يتوقعه المحتلون. سنواصل نضالنا المشروع ضد الاحتلال، ولسنا خائفين من هذه التهديدات".
وتشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ مطلع العام الجاري، تصعيدًا في التوترات، وخاصةً بعد الاعتداءات الوحشية للجنود الصهاينة والمستوطنين على المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك.
كواليس المناورة الدعائية الإسرائيلية لتفعيل سياسة الاغتيالات
في السياق ذاته، يرى مصطفى إبراهيم الخبير في شؤون الکيان الصهيوني، أن العودة إلى سياسة الاغتيالات مطلب طرحه الوزراء الفاشيون والمتطرفون في حكومة نتنياهو، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، في ظل تآكل ردع الکيان الإسرائيلي، لكن بينما يبذل الصهاينة قصارى جهدهم لتجنب الدخول في حرب متعددة الجبهات، فإن الحديث عن تفعيل سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة الفلسطينية، هو في الواقع دعاية بطبيعتها.
وأضاف: "تنفيذ عمليات الاغتيال يتطلب قراراً سياسياً، لكن الحديث عنها في وسائل الإعلام هو مجرد حرب نفسية ودعاية إعلامية وسياسية، بهدف استعادة جزء من الردع المفقود للکيان الصهيوني، وخاصةً أن تركيز الصهاينة الأساسي في الفترة الأخيرة كان على حرب متعددة الجبهات ضد هذا الکيان، يُشعر بخطرها أكثر من أي وقت مضى".
وحسب هذا المحلل، فإن الإسرائيليين يعرفون جيداً أن أي عمل يهدف إلى إيذاء قادة المقاومة الفلسطينية لن يمر دون رد، وليس فقط الفصائل الفلسطينية بل جبهات المقاومة الأخرى مستعدة للانتقام، وهي قضية قد تعني بداية حرب شاملة من قبل المقاومة ضد الاحتلال.
وأكد أن استراتيجية الكيان الصهيوني في مجال الاغتيالات، هي أنه إذا كان ينوي فعلاً تنفيذ مثل هذه العمليات، فإنه سيتخذ خطوات نحوها بطريقة سرية وحذرة، ولن يسمح أبداً بنشر معلومات عنها في وسائل الإعلام.
لذلك، فإن الحديث عن تفعيل سياسة الاغتيالات في إعلام هذا الکيان ليس أكثر من مناورة دعائية، بهدف تهدئة أجواء الرأي العام الصهيوني وإسکات ايتمار بن غفير ووزراء متطرفين آخرين في حكومة نتنياهو.
وشدد مصطفى إبراهيم علی أن هذه الدعاية الإعلامية للکيان الصهيوني، ترافقت مع العديد من التحليلات من قبل الفلسطينيين في وسائل الإعلام المختلفة، ما أثار الخوف والقلق لدى المستوطنين الصهاينة، وخاصةً أنهم يخافون من رد المقاومة.
بشكل عام، يمكن القول إن الكيان الصهيوني، على الأقل في الوضع الراهن، وبالنظر إلى الأزمة الداخلية المعقدة لهذا الکيان، لا يتجه نحو خيار الاغتيالات.