الوقت- بينما تلجأ أمريكا إلى كل تكتيك لإبقاء جميع الحلفاء السابقين إلى جانبها والحفاظ على النظام الذي بناه الغرب، يبدو أن الصين وروسيا كانتا أكثر نجاحًا وتمكنتا من اجتذاب الدول الأخرى نحوهما.
جهود روسيا والصين لإنشاء نظام عالمي جديد بهيكل متعدد الأقطاب، والذي يشكل تهديدًا للهيمنة العالمية لأمريكا، أدت إلى زيادة التقارب بين القوى الشرقية والدول الأخرى. والإمارات التي كانت في فلك السياسات التي تمليها أمريكا والغرب لعدة عقود، تحاول الآن تعديل سياساتها بناءً على التغيرات والتطورات الجيوسياسية الجديدة في العالم.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن الإمارات عمقت تعاونها الاستخباراتي مع روسيا، مستشهدةً بوثائق سرية لوزارة الدفاع الأمريكية تم الكشف عنها مؤخرًا.
وبينما رفض المسؤولون الأمريكيون التعليق على الوثيقة، نفى الإماراتيون أي تعاون مع جهاز أمني في دولة ما ضد جهاز أمني في دولة أخرى. وقالت أبو ظبي في بيان إن المسؤولين الإماراتيين لم يطلعوا على الوثيقة، وإن المزاعم حول الوثائق السرية للبنتاغون خاطئة تمامًا.
بوادر التعاون بين الإمارات وروسيا
على الرغم من أن الإماراتيين ينفون أي تعاون استخباراتي مع الروس، إلا أن العديد من المؤشرات تعزز فرضية قرب الإمارات من روسيا والصين.
يمثّل الحديث عن تعاون المخابرات الإماراتية مع روسيا للإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا، تحولًا كبيرًا في علاقات الإمارات مع الحلفاء الرئيسيين، وهذا هو سبب عدم استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بمثل هذه الخطة، لأنها تضر بمصالحها الخاصة.
وقالت وكالة أسوشيتد برس إن لدى الولايات المتحدة مخاوف متزايدة من أن التعاون الاستخباراتي الإماراتي، قد يسمح لروسيا بتقويض العقوبات المفروضة بسبب غزوها لأوكرانيا.
وجاء في الوثيقة: "اتفق مسؤولو أجهزة الأمن الروسية والإماراتية على العمل سويًا ضد وكالات المخابرات الأمريكية والبريطانية، بناءً على إشارات تم اختيارها حديثًا".
وخلص التقييم إلى أن الإمارات من المرجح أن ترى في التعاون مع المخابرات الروسية فرصة لتعزيز العلاقات المتنامية بين أبوظبي وموسكو وتنويع الشراكات الاستخباراتية، وسط مخاوف من تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة. ولم يتضح بعد مدى صحة الوثيقة، لكن المسؤولين الأمريكيين يتحدثون بشكل متزايد عن زيادة التفاعلات بين الإمارات وروسيا.
من ناحية أخرى، يصر مسؤولو المخابرات الأمريكية على وجود صلة بين الإمارات ومجموعة واغنر العسكرية التابعة لروسيا في إفريقيا. وعليه، في عام 2020، قدرت وكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية أن الإمارات قد تشارك في تمويل عمليات المجموعة لدعم قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر.
كما أعلن ممثلو الادعاء الفيدراليون في نيويورك في أكتوبر/تشرين الأول 2022 عن اتهامات ضد أربعة مواطنين روس يعيشون في دبي، من بينهم اثنان متهمان بسرقة تكنولوجيا عسكرية من شركات أمريكية.
ويأتي التعاون الاستخباراتي بين الإمارات وروسيا، في حين وقع البلدان في وقت سابق وثيقة تعاون استراتيجي في يونيو 2017، تشمل المشاركة في مشاريع النفط والغاز، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا النووية، والتعاون العلمي والتكنولوجي، وصناعة الطيران، والمشاركة في القطاعات الصناعية والآلية والصيدلانية.
إن تطور التعاون العربي مع روسيا يأتي في ظل الظروف التي حاول فيها مسؤولو البيت الأبيض، بعد حرب أوكرانيا، عزل هذا البلد في العالم من خلال بناء إجماع ضد روسيا، لكن هذه الجهود أسفرت عن نتيجة معاكسة وزاد التوجه نحو موسكو بين الدول.
الفجوة بين أبوظبي وواشنطن
على الرغم من أن العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة لا تزال قويةً، ويتمركز آلاف الجنود الأمريكيين في الإمارات، إلا أن التطورات في السنوات الأخيرة تظهر أن العرب في المنطقة، بما في ذلك الإمارات، يبتعدون عن سياسات واشنطن.
وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعا محمد بن زايد إلى واشنطن منذ الصيف الماضي، لكن هذه الرحلة لم تتم حتى الآن، وتعتبر وسائل الإعلام ذلك علامةً على وجود مشاكل في العلاقات بين الإمارات وحكومة الولايات المتحدة.
أيضًا، بعد الحرب في أوكرانيا، التي أثرت کثيرًا علی أسواق الطاقة وزادت أسعار النفط لاحقًا، استجابت الإمارات والسعودية بشكل سلبي لطلب الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار العالمية، ورفضت التعاون مع العقوبات الغربية ضد موسكو، وكل هذه التطورات تشير إلى أن حكام أبوظبي يتطلعون إلى مراجعة سياساتهم.
ومع ابتعاد الإمارات والسعودية عن أمريكا، فإنهما تعززان علاقاتهما مع روسيا والصين. لذلك، عززت دولة الإمارات علاقاتها مع الصين في السنوات الأخيرة، والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات آخذ في الازدياد. وكما كشفت وثائق البنتاغون المسربة، خططت الصين لبناء قاعدة عسكرية في الإمارات، وهو ما عارضته واشنطن.
في العام الماضي، حاولت الصين وروسيا جذب الدول الخليجية نحو النظام الجديد ضد الغرب، وحققتا في الوقت نفسه نجاحًا. وزيارات كبار المسؤولين في موسكو وبكين إلى هذه الدول والاجتماع مع أعضاء مجلس التعاون، كلها دليل على تقارب عرب المنطقة مع الروس والصين.
بالنظر إلى تحسن العلاقات بين إيران والدول العربية، تحاول روسيا والصين زيادة التحالف بين دول المنطقة، لأن هذه الدول ستلعب دورًا مهمًا في صياغة السياسات العالمية في المستقبل بسبب احتياطياتها الهائلة من الطاقة.
إذا كانت وثائق البنتاغون السرية صحيحةً، فيمكن القول إن الإمارات، مثل السعودية، توصلت إلى استنتاج مفاده بأن التمسك بأمريكا وإسناد الأمن لدولة واحدة فقط لن يفيد الإماراتيين في عالم المستقبل.
الإمارات، بتوجيهات محمد بن زايد الذي يطمح إلى أن يكون الرائد في المنطقة، لا تريد أن تضع كل بيضها في سلة الغرب، لأن العالم المستقبلي هو "العالم الشرقي" وستتصدره الصين وروسيا، ولذلك يبدو أن الإمارات تحاول إيجاد موطئ قدم لها في النظام العالمي الجديد.
على الرغم من وجود مؤشرات على تطور التعاون بين الإمارات وروسيا في المجالات السياسية والطاقة، ومع ذلك يعتقد بعض المحللين الدفاعيين أن الإمارات لا تنوي حاليًا تغيير التعاون الاستخباراتي من الغرب إلى روسيا.
ورغم أن مصر فعلت ذلك بعد حرب 1973 بين العرب والکيان الصهيوني، وغيرت مسارها تمامًا من التعاون مع الاتحاد السوفيتي إلى التعاون مع الأمريكيين، إلا أن الإماراتيين لا يبدون مستعدين لهذا التحول على الإطلاق.
وحسب هؤلاء المحللين، لا يزال جهاز المخابرات البريطاني على وجه الخصوص يتمتع بوجود كبير في المنطقة، لأن سکان الخليج الفارسي مرتاحون في التعامل مع البريطانيين، وبالتالي تلعب بريطانيا دورًا رئيسيًا في ضبط التعاون الاستخباراتي مع كل هذه الدول.
بعد الاتفاق بين إيران والسعودية، الذي تم التوصل إليه بوساطة من الصين، حدثت التطورات في المنطقة بشكل أثار قلق أمريكا. ويشير الوجود القوي للصين وروسيا في الخليج الفارسي، الذي كان معقل أمريكا لعدة عقود، إلى أن التطورات في المنطقة لا تسير وفقًا لرغبات واشنطن، والتعاون الاستخباراتي بين الإمارات وروسيا ليس سوى جزء من لغز القوى العظمى في المنطقة، والذي سنرى المزيد من الأمثلة عليه في المستقبل بين حلفاء أمريكا.