الوقت- الكيان الصهيوني، الذي يواجه موجة احتجاجات داخلية واسعة هذه الأيام، عالق في السياج الأمني على الساحتين الإقليمية والدولية لدرجة أنه لا يجد مساحة للتنفس. على الرغم من اصطفاف الدول العربية لدعم فلسطين ضد الكيان المحتل منذ عقد من الزمن، إلا أن اندلاع الأزمة السورية عام 2011 قد جمع بعض الدول العربية المهمة وإسرائيل معًا على نفس الجبهة للمرة الأولى، ولهذا السبب، ولزيادة أمن حدود الأراضي المحتلة، شن الإسرائيليون بين الحين والآخر هجمات صاروخية على مناطق في الأراضي السورية. ورغم تحذيرات الحكومة السورية، فإن هذه الهجمات تتواصل وتكثف في الأيام الأخيرة، واستهدفت بعض المناطق السورية من قبل الصهاينة، استشهد خلالها عدد من عناصر المقاومة وجرحوا.
في السنوات الـ 12 الماضية، كان للكيان الصهيوني والدول العربية موقف واحد في الأزمة السورية، وأراد الطرفان الإطاحة بالحكومة الشرعية للرئيس بشار الأسد، بل كانا يحلمان بتقسيم سوريا واضعاف محور المقاومة في المنطقة. لذلك خلقت الأزمة السورية تحالفًا عبريًا - عربيًا يتمحور حول أمريكا، واعتبرت السلطات الصهيونية الساحة السورية نقطة انطلاق للخروج من العزلة الإقليمية، فحاولوا دفع العرب إلى عملية تطبيع العلاقات من خلال "اتفاقات ابراهام".
رغم أن الكيان الصهيوني كان ناجحًا نسبيًا حيث وافقت البحرين والإمارات على التسوية مع المحتلين الصهاينة، إلا أن جوهر هذه الاتفاقات الودية لم يُنفذ بعد، وانقلبت الطاولة على الصهاينة، وهذه الأيام انقلب مشروع التطبيع العربي من تل أبيب إلى دمشق.. حيث رغم أن زلزال 7.5 ريختر في سوريا في شباط الشهر الماضي تسبب في خسائر بشرية وأضرار جسيمة لهذا البلد، لكن على الساحة السياسية تسبب بانفتاحات كثيرة من الدول العربية بعد عقد من الزمان، واتجهوا نحو دمشق، وهذه القضية هي مقلقة لسلطات تل أبيب.
تفكك التحالف العبري العربي
بالنظر إلى رغبة العرب في تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، يمكن القول إن الكيان الصهيوني لم يعد بإمكانه الاعتماد على دعم العرب في مواجهة دمشق. إن محاولة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية هي النقاش الرئيسي في العالم العربي هذه الأيام، وكل قادة هذه الدول يحاولون استكمال هذا البرنامج في أسرع وقت ممكن.
على الرغم من أن السعودية كانت أكبر معارضة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية، أظهر السعوديون أيضًا رغبتهم بالمساعدة في حالة سوريا وأعلنوا موافقتهم على إعادة فتح السفارة في دمشق. بالإضافة إلى ذلك، ستستضيف المملكة العربية السعودية اجتماع جامعة الدول العربية في 19 مايو، ويقال إن الرياض تخطط لدعوة بشار الأسد لحضور هذا الاجتماع. وهو عمل أقلق الصهاينة ووسائل إعلام هذا الكيان، حيث وصفت تصرف السعوديين بأنه رمز حقيقي لتشكيل الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي سيضر بتل أبيب.
بدأت مصر، باعتبارها إحدى الدول القوية في جامعة الدول العربية، عملية تطبيع العلاقات مع دمشق، وزار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد القاهرة في الأيام الأخيرة. كما أنه من المقرر أن يلتقي الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما سيكون تمهيدًا لانتهاء الخلافات بين البلدين بعد 12 عامًا، والسلطات المصرية تدون محضر التطبيع وعودة دمشق للجامعة العربية.
وفي هذا الصدد، سافر السيسي إلى المملكة العربية السعودية، اليوم الاثنين، واجتمع وناقش مع ولي عهد هذا البلد، والتي حسب بعض المصادر، موضوع الأزمة السورية ودعم عودة هذا البلد إلى الجامعة العربية والجهود المبذولة لإنهاء الصراع والعودة إلى المفاوضات هو أحد المحاور، وكان النقطة الأساسية في هذه المحادثات.
بعد هذا، يبدو أنه تم تشكيل إجماع بين العرب على استئناف العلاقات مع دمشق، وربما في المستقبل القريب، سيعيد العرب فتح سفاراتهم في دمشق الواحدة تلو الأخرى وينتهي أكثر من عقد من العداء.
لطالما كانت الأزمة السورية إحدى القضايا المهمة في اجتماعات جامعة الدول العربية، وإذا حضر الأسد هذا الاجتماع بعد 12 عامًا، فربما سيصدر لأول مرة بيان للدفاع عن وحدة أراضي سوريا من قبل الدول العربية، ما سيكون نهاية لحجة الكيان الصهيوني لوقف مغامراته في أراضي هذا البلد.
لأن أي محاولة لجعل سوريا غير آمنة ستقابل برد فعل العالم العربي، وهذه القضية تدفع الصهاينة إلى التصرف بشكل أكثر عدوانية. لأن الوحدة بين العرب ستعني العزلة الكاملة للكيان الصهيوني في المنطقة، وبما أن الأراضي المحتلة تشهد اضطرابات بسبب الأزمات السياسية والاجتماعية، فإن الصراع مع الدول العربية يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على تل أبيب. من ناحية أخرى، مع تطبيع علاقات الدول العربية مع سوريا، سيكتسب جيش هذا البلد مزيدًا من الثقة بالنفس وسيكون قادرًا على الرد بشكل حاسم على العدو الصهيوني.
وبغض النظر عن الدول العربية، تتخذ تركيا الآن أيضًا خطوات نحو تطبيع العلاقات مع سوريا، ويعد الاجتماع الرباعي بين نواب وزراء خارجية تركيا وسوريا وإيران وروسيا، الذي يعقد في موسكو، تمهيدًا للاجتماع الرباعي بين وزراء خارجية تركيا وسوريا وإيران وروسيا لتطوير العلاقات السياسية.
كانت تركيا، مثل العرب، متوائمة مع سياسات الكيان الصهيوني في الأزمة السورية، لكن تطبيع علاقات هذا البلد مع سوريا سيضع سلطات تل أبيب في مأزق، لأن سلطات أنقرة ستعارض أي نوع من إنهاء الأزمات في سوريا، وستكون عودة تركيا والعرب إلى سوريا بهدف إرساء الاستقرار في هذا البلد، مدعاة لتوتر الكيان الصهيوني الذي يريد عودة سوريا المربع الأول من الأزمة، وهو ما يتعارض مع سياسات الدول الصديقة لدمشق.
سوريا هي أرض الفرص الاقتصادية
بالإضافة إلى القضايا السياسية في العلاقات بين دول المنطقة وسوريا، فإن القضية الاقتصادية مهمة للغاية. تحاول الدول العربية، بما في ذلك الإمارات والسعودية، إعادة الاستقرار والأمن في سوريا والمشاركة في إعادة إعمار هذا البلد واستئناف علاقاتها التجارية مع دمشق. لذلك، هناك رغبات كبيرة لإعادة الإعمار، لدرجة يُقال إن أحد أهم عوامل النمو الاقتصادي في سوريا في المستقبل ستكون توريد مواد إعادة الإعمار، وذلك بسبب الدمار الواسع خلال الأزمة، حيث هناك حاجة ملحة لتوريد سلع البناء، ويمكن للدول العربية الاستثمار في هذا القطاع.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى أن صناعة النفط في سوريا واجهت مشاكل، فإن أحد القطاعات المغرية للمستثمرين الأجانب هو إنشاء محطات الطاقة الكهربائية، وقد قدمت الحكومة السورية دعماً جيداً للمستثمرين في هذا القطاع. لذلك، سوريا الآن هي أرض الفرص ولديها العديد من عوامل الجذب للشيوخ العرب الأغنياء في الخليج الفارسي لمساعدة دمشق من خلال المشاركة في القطاع الاقتصادي والبنية التحتية الحيوية لهذا البلد، وكسب المزيد من الأرباح من خلال التجارة الثنائية.
على عكس المشيخات، لا تملك مصر الثروة للاستثمار في سوريا، لكنها جذبت لنفسها مصالح يمكن أن تنفذها في حالة تطبيع العلاقات. في العقود الماضية، قادت مصر وسوريا حركة القومية العربية والجبهة المناهضة للصهيونية، وكانت هناك تفاعلات واسعة بين الجانبين في المجالات الاقتصادية.
قبل عقدين من الزمان، أعلنت حكومتا مصر وسوريا اتفاقهما على إقامة "سوق عربية مشتركة" وأعرب المسؤولون من الجانبين عن أملهم في أن يتم من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير شروط بدء الأنشطة التجارية والاقتصادية المشتركة للمستثمرين المصريين والسوريين، ولكن بسبب الاتفاق بين البلدين وبعد بدء الأزمة السورية، تم تهميش هذه الاتفاقات، لكن هناك احتمال أن القاهرة ودمشق ستعيدان اتفاقهما السابق في المستقبل.
لكن من المبكر القول إن الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية في سوريا تأخذ لون الواقع عندما يسود السلام والأمن هناك، وحالياً، فإن أكبر عقبة أمام الأمن في سوريا هو الكيان الصهيوني، الذي يشكل بهجماته العرضية ضد مواقع للمقاومة، مستوى من التوتر لهذا البلد معه. لذلك، إذا كان العرب يريدون المشاركة في القطاع الاقتصادي في سوريا، فلن يسمحوا لإسرائيل بمواصلة الترويج للحرب، وسوف يتخذون جبهة ضدها دون تردد.