الوقت - مرت 10 سنوات على انقطاع العلاقات بين مصر وتركيا، نتيجة أسباب وملفات خلافية بين الدولتين المتوسطتين، قبل أن تتم إعادة إحيائها عبر مصافحة بين الرئيس التركي ونظيره المصري خلال مونديال قطر العام الماضي، وزيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، للتعزية بضحايا الزلزال الشهر الماضي، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة، السبت.
وتوترت العلاقات بين تركيا ومصر بشدة بعدما قاد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالإطاحة بالرئيس السابق، محمد مرسي، عندما كان قائدا للجيش في يوليو 2013. وانتُخب السيسي رئيسا في العام التالي.
وكان إردوغان الحليف الكبير للرئيس المصري محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أكد سابقا أنه "لن يتحاور أبدا" مع "شخص مثل" السيسي الذي أطاح بمرسي عام 2013. وساد الفتور العلاقات بين القاهرة وأنقرة منذ وصول السيسي إلى الحكم.
وسبق أن علق إردوغان على وفاة مرسي في يونيو 2019 في قاعة المحكمة أثناء محاكمته، "إن التاريخ لن يرحم أبدا الطغاة الذين أوصلوه إلى الموت عبر وضعه في السجن والتهديد بإعدامه".
وبعد ما يقرب من عقد من الزمن من الجمود في العلاقات بين البلدين، وصف إردوغان لقاءه بالسيسي في قطر بأنه خطوة أولى تم اتخاذها من أجل إطلاق مسار جديد بين البلدين.
وزار شكري تركيا الشهر الماضي للتضامن معها بعد الزلازل المدمرة التي أودت بحياة أكثر من 50 ألفا في تركيا وسوريا.
وتباينت مواقف تركيا ومصر في السنوات القليلة الماضية بشأن ليبيا، وكذلك لما يتعلق بالحدود البحرية في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز.
وبدأت المشاورات بين مسؤولين بارزين في وزارتي الخارجية التركية والمصرية عام 2021 وسط مساع تركية لتخفيف التوترات مع مصر والإمارات والكيان الصهيوني والسعودية.
وفي إطار تلك المصالحة المبدئية، طلبت أنقرة من قنوات تلفزيونية مصرية معارضة تعمل في تركيا التخفيف من انتقاداتها لمصر.
وأرجع تقرير لـ"فايننشال تايمز"، نشر في مايو الماضي، الموقف التركي إلى سعى إردوغان لإعادة بناء العلاقات مع خصومه السابقين في الشرق، لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
وأكد وزيرا خارجية تركيا ومصر، خلال مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة، السبت، أن هناك توجها نحو تطبيع العلاقات بين البلدين.
وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري "نعمل من أجل تطبيع العلاقات مع تركيا وبدء مرحلة جديدة من التعاون المشترك، وأجريت مع نظيري التركي مباحثات مهمة وشفافة".
وأضاف "لدينا أرضية صلبة ونحن على ثقة بأننا سنستعيد العلاقات مع تركيا بشكل قوي، كما نتطلع لفتح قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية".
وأكد شكري أن "العلاقات بين مصر وتركيا لها مكانة مهمة رغم الفتور الذي حدث، وهناك رغبة لتطوير العلاقات واستعادة زخمها على كل المستويات السياسية والاقتصادية، وكل المجالات مفتوحة في إطار الإرادة المشتركة لتنمية العلاقات وتطويرها".
من جانبه أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن "الزيارات بين الطرفين ستكون متواصلة، وأدعو وزير الخارجية المصري لزيارة أنقرة".
وقال "الرئيسان المصري والتركي تعهدا خلال لقائهما بالدوحة بتطوير العلاقات، ومصر دولة مهمة، ونولي أهمية بالغة لدورها في قضايا المنطقة".
وأضاف الوزير التركي "سنبذل قصارى جهدنا من أجل التطبيع الكامل للعلاقات وعدم العودة للوراء، وتباحثت مع نظيري المصري سبل تطوير العلاقات بمجالات الاقتصاد والطاقة والمجال العسكري".
وتابع أوغلو "أكدنا على التضامن وعدم الرجوع إلى فترة التوتر في العلاقات، وسيكون هناك تعاون أكبر بين أنقرة والقاهرة خلال الفترة المقبلة، وسنعمل على تطوير العلاقات بين الشعبين وتعزيز التعاون الثقافي، كما سنعمل على إعادة تبادل السفراء مع مصر خلال الفترة المقبلة".
من جانبه قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق جمال بيومي "يبدو أن عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة باتت مسألة وقت وتأتي في سياق توجه إقليمي عربي وإسلامي شامل نحو تهدئة التوترات وحلحلة الملفات العالقة".
وعبّر بيومي عن رغبته في أن تنعكس عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة على حلحلة ملفات إقليمية بعينها، على غرار الملف الليبي والملف السوري اللذين يشهدان تبايناً في المواقف بين الجانبين، معتبراً أن "الحفاظ على المصالح القومية للدول يأتي من العلاقات الطيبة والمحادثات الدبلوماسية وليس انتهاج مسارات المواجهة".
كذلك، وصف السياسي التركي غواد غوك الزيارة بأنها "خطوة عملية من تركيا نحو استعادة العلاقات مع مصر"، مشدداً على أن "الزيارة تاريخية وتتطلب مزيداً من الخطوات السريعة في غضون الأيام والأسابيع المقبلة للبناء على نتائجها".
واعتبر غوك أن "الخطوة المرتقبة ستكون تبادل السفراء بين البلدين مع مزيد من الخطوات الإيجابية المتبادلة نحو تهدئة التوتر في الملفات الخلافية، ولا سيما في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط".
وقال أستاذ العلوم السياسية المصري، الدكتور إكرام بدر الدين، إن زيارة وزير الخارجية التركي لمصر سبقتها بأيام زيارة مماثلة لوزير الخارجية المصري إلى تركيا، وإعلان دعم مصر لتركيا عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
وأضاف إن عناصر التشابك بين تركيا ومصر متعددة وخصوصًا بعد التحديات التي يواجهها العالم سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو أمنيًا، مشيرًا إلى أن هذا التقارب سبقه أيضًا تقارب وتفاهم بين السعودية وإيران وكل هذه التفاهمات تصب في مصلحة المنطقة وخاصة أن الدولتين مؤثرتين في المنطقة.
وكشف أستاذ العلوم السياسية المصري، أن التقارب المصري التركي، سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة وبالتأكيد ستكون المحاور الاقتصادية ضمن الملفات المطروحة بين الجانبين، لافتًا إلى أنه رغم فتور العلاقات بين البلدين خلال السنوات الماضية إلا أن التعاون الاقتصادي لم ينقطع بينهما.
ويرى مراقبون أن التحولات الإقليمية لعبت دورا مهما في دفع مسار المصالحة التركية المصرية وبالتحديد في ملف المساعدة الدبلوماسية التي نشطت في الكوراث وخاصة بعد زلزال 6 فبراير. فالتقارب التركي المصري سوف يساعد البلدين في التوصل إلى مقاربة مشتركة لتسوية الخلافات بشأن ليبيا وهي مسألة حيوية للطرفين، فالحوار سيكون له تأثير إيجابي على الاستقرار الإقليمي وسوف ينعكس بالإيجاب فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية وخاصة في ليبيا ومسار التسوية في سوريا.
ختاماً إن تركيا تطمح إلى إبرام اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين وبعد المصالحة ستكون الفرص أكبر، لكن لا ينبغي تجاهل ملف المشاكل الإقليمية المحيطة في المتوسط، وفي النهاية ملف المصالحة سوف يساعد البلدين في التعاون في المجالات الحيوية بينهما ورفع مستوى التبادل السياسي والتجاري بين البلدين.